لكل السوريين

التصعيد الروسي الغربي.. رسائل نُذر لحرب متصاعدة

 حاوره/ مجد محمد

حقوقي سوري، العمليات الجارية حالياً تحاول إجبار أوكرانيا للدخول بمفاوضات جديدة مع روسيا، والهدف من الصراع الآن بين الشرق والغرب هو تحييد حلف شمال الأطلسي وإبعاده عن حدود روسيا التاريخية.

تزداد سخونة الأجواء السياسية والعسكرية بين روسيا والغرب، حيث شكل عام ٢٠٢٣ في روسيا عام مواجهة التحديات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا بامتياز مع استمرارها واحتمال دخول العام الثالث على اندلاعها وسط غياب أفق سياسي لإنهائها، بالإضافة لذلك شهدت روسيا خلال العام الحالي مجموعة تطورات التي ترتبط بشكل أو بآخر بتداعيات الصراع مع كييف، حيث ترى موسكو إن الخلل في منظومة العلاقات الدولية بتجاهل الضمانات الأمنية التي سعت للحصول عليها كانت من أهم أسبابه، لغة التصعيد هي السائدة بين الطرفين ولعل طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خير مثال على التصعيد المقبل، حيث أكد بوتين أن الغرب سعى إلى تدمير روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبذل جهود لتحقيق ذلك بغية تجزئة البلاد إلى دويلات منفصلة واستغلال مواردها، ليحذر الغرب من إنه ستكون هناك مشاكل مع جارته دولة فنلندا بعد انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (النيتو) في وقت سابق من هذا العام، كان انضمام فنلندا إلى النيتو بمثابة تحول كبير في المشهد الأمني في شمال أوروبا وأضاف نحو ١٣٠٠ كلم إلى حدود الحلف المشتركة مع روسيا، كما كانت هذه ضربة للرئيس بوتين الذي حذر منذ فترة طويلة من توسع النيتو، وتوترت علاقات فنلندا الودية مع جارتها الشرقية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وتوقعت فنلندا أن تستخدم موسكو المهاجرين كضغط سياسي وبدأت في شباط/فبراير الماضي ببناء سياج بطول ٢٠٠ كلم على طول حدودها مع روسيا لكن تم إنجاز ثلاثة كيلو مترات فقط من السياج، إلى أين يمضي المشهد؟

وعن هذا الموضوع، وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا لقاءاً مطولاً مع الأستاذ عدنان المسلط الحاصل على الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة موسكو، ودار الحوار التالي:

*أستاذ عدنان مرحباً بك بداية، روسيا والغرب، ما هي جذور الصراع وماذا نستطيع أن نفهم من كل هذا التصعيد العسكري والسياسي بين روسيا والغرب؟

أهلاً بك، إن بوتين يحذو بثقة وسعادة كبيرة نتيجة للإنجازات العسكرية التي حققها الجيش الروسي خلال الاشهر الماضية، حتى لو كانت هناك خسائر كبيرة في مدينة بيديكيفكا التي تعتبر مدينة تجارية كبيرة والتي تبعد نحو واحد كلم من كييف، فقد أعلن بوتين إن أهداف روسيا لم تتغير منذ بداية الحرب وأن السلام لم يتحقق في هذه المنطقة إلا في تحقيق الأهداف الروسية، والأهداف الروسية كما نعلم جميعاً وهي تحييد السلاح الأوكراني وإزالة الحكومة النازية على حد تعبيره والهدف الأساسي والأهم هو إزالة الخطر الناجم من تمدد حلف شمال الأطلسي (النيتو) على حدود روسيا التاريخية، وقد قال بوتين أيضاً بنبرة تمتاز بالفخر ايضاً إن روسيا لا تحتاج إلى تعبئة إنسانية، حيث يوجد الآن في القوات الروسية ما يزيد عن ستمئة الف جندي مقاتل، فعندما ننظر إلى الوضع الراهن الآن في روسيا ونقول إن روسيا لا تعتمد على تحقيق الأهداف العسكرية وإنما تعتمد على حماية الأهداف التي حققها الجيش الروسي، ويعول بوتين خلال هذه الأشهر القادمة خلال هذا الشتاء القارص إنها ستكون ملحمية إذا توفر الامكانية للجيش الروسي بتحقيق الفوز، فأن ذلك سيقلل من الدعم القادم من الجانب الغربي، بوتين يريد أن يفقد الجانب الغربي الأمل في كمية الدعم المقدمة لأوكرانيا، والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها قدمت حوالي ما يزيد عن مئة مليار دولار كمساعدات عسكرية وهي كمية كبيرة من الذخيرة والعتاد لأوكرانيا في خلال فترة قصيرة، فهذا ما يعول عليه بوتين الآن في تصدير خيبة الأمل وتصدير عدم الثقة في الجيش الأوكراني وقدراته في الأشهر القادمة.

*خطاب الرئيس الروسي يحمل عدة رسائل استهزاء عن كل ما يصدر من الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الغربي، أين تضع نقاط حروفك في هذه المسألة؟

الرئيس بوتين معروف عالمياً بتمتعه بقدرة عالية على الفكاهة وقدرة كبيرة على التلاعب بالأعصاب من خلال إدخالهم بمفاوضات كثيرة وألاعيب كثيرة غيرها، الآن يحمل ثقة عالية بسبب الاقتصاد الروسي القوي فالاقتصاد الروسي قد ابتلع الصدمة التي كانت تحاول الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال العقوبات إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الروسي، لإلحاق هزيمة اقتصادية وتجويع الشعب الروسي من أجل دفعه إلى ثورة ضد النظام الروسي، ولكن الاقتصاد الروسي تعافى وبدأ يهتم بالصناعات المحلية التي هي غير مرتبطة بالجانب الغربي، وأهم هذه الصناعات هي الصناعات الإلكترونية التي كانت تستوردها بشكل رئيسي من الجانب الغربي، الآن معامل وزارة الدفاع الروسية قد بدأت تنتج بشكل كبير وكميات هائلة من السلاح ورأينا أن الجيش الروسي حالياً قد أصبح ستمئة الف بعد أن كان في بداية الحرب مع أوكرانيا مئة وخمسين ألف فقط، ولكن ما نراه من الجانب الآخر إن الغرب وبعد سنتين من الصراع والعقوبات قد عاقب نفسه فالشركات الغربية التي حاولت إلحاق الخسائر بالاقتصاد الروسي من خلال توقيفها للعمل في روسيا قد تجاوزت خسائرها مئة وثلاث مليار دولار أمريكي، والتحليلات جميعها تشير إلى أن أوروبا ستدخل في عملية بطئ وجمود وصولاً لانهيار اقتصادي وهذا سيؤدي إلى خلق أزمات داخلية ضمن الدول الأوروبية.

*من ضمن هذه الرسائل يحلل البعض إن المواجهات مفتوحة وقد تكبر، برأيك من ضمن هذه السيناريوهات ما هو السيناريو الأقرب الذي تراه حضرتك؟

العمليات الجارية حالياً تحاول إجبار أوكرانيا إلى الدخول بمفاوضات بعد رفضها دخول مفاوضات مع الدولة الروسية منذ بدأ الحرب، ما أراه أيضاً هو خيبة أمل الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي من الدعم الغربي والأمريكي، الآن نرى أيضاً تذمر في أروقة كييف تجاه هذه المساعدات كما رأينا مؤخراً في زيارة الرئيس الأوكراني إلى الولايات المتحدة الأمريكية وطالب من حلفائه بإعطاء المزيد من المال والأسلحة أو كقروض مستقبلية، فهناك نقطة معينة يجب أن نفهمها لدراسة هذا الصراع الدائر، الولايات المتحدة الأمريكية لديها سياسية استراتيجية معينة وهي إزاحة خصومها الحاليين والمستقبليين من الساحة الدولية لهذا بدأت وخلال تاريخها بعد الحرب العالمية بشكل مباشر في خلق نزاعات دولية لأثبات وجودها وبحث عن موطئ قدم لها، فنحن نرى منذ خمسين سنة خلت عن وجود قوات أمريكية منتشرة في أرجاء العالم من أجل زعزعة الاستقرار أكثر من حفظ السلام، فما تفعله الآن أمريكا في أوكرانيا هي لإلهاء روسيا وإدخالها بحرب واستنزاف قواتها لكنها لم تنتبه إلى أن روسيا منذ عام ٢٠١٤ كانت تتحضر لهذه الحرب.

*الولايات المتحدة الأمريكية بات موقفها في الداخل متردد في مسألة دعم الحرب في أوكرانيا، ما رأيك؟

نعم، أنا أعتقد وأقول لك الهدف الرئيسي من الصراع الآن، الصراع الآن بين قوى كبرى بين الشرق والغرب على أوكرانيا فالسبب الأساسي في النزاع هو تحييد حلف شمال الأطلسي وإبعاده عن حدود روسيا التاريخية، فعندما ننظر إلى الداخل الأمريكي نرى أنه هناك صراع ومناقشات حادة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن دفع مزيد من الملايين لدعم أوكرانيا، فعندما نرى زيارات الرئيس زيلينسكي إلى أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية وناقش فيها مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي لحثهم على تمرير حزمة من المساعدات أرى إنها مهمة، وهذه الحزمة تقدر بستة وأربعين مليار دولار بالإضافة إلى المئة وعشرين مليار دولار التي تم إنفاقها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية منذ بدأ الصراع، ولكن لا أعتقد إنه نجح في هدفه وخصوصاً مع الحزب الجمهوري الذي يعرقل تمرير المزيد من المساعدات لأنهم يروا إنها أموال أمريكية ويجب استخدامها بالشكل الأمثل لصالح الشعب الأمريكي فقط، ويجب ذكر إنه منذ تولي بايدن الرئاسة يوجد هناك حوالي سبعة ملايين لاجئ غير قانوني على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية فالحزب الجمهوري يضع هذه المسألة كورقة ضغط على إدارة بايدن لتمرير المزيد من المساعدات لأوكرانيا.

*ختاماً، موقف فنلندا من انضمامها للنيتو وكلمة أخيرة تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

روسيا تفاجئت بالسياسة الفنلندية أن تجهد بالانضمام إلى حلف النيتو، ففنلندا كانت هي جزء من الإمبراطورية الروسية وهي دولة منحها الرئيس لينين استقلالها عندما رغب الشعب بالاستقلال عن الاتحاد السوفيتي وعلاقاتها مع الاتحاد السوفيتي جيدة جداً وتاريخياً كانت دائماً ما تكون أرض محايدة، أوروبا الآن تشتري الغاز الأمريكي بأسعار مضاعفة عن الأسعار التي كانت تشتريها من روسيا فقط من أجل تناغمها مع الولايات المتحدة الأمريكية وبهذا تكون قد وجهت ضربات قاسية لاقتصادها، وطبعاً كل ما يجري هو سياسة أمريكية لاستمرار الصراعات التي بدورها تدر عليها ثروات ونفقات تسليح كبرى من فنلندا والسويد الذين انضموا إلى الحلف، وبالتالي سيشترون السلاح من الولايات المتحدة الأمريكية وسوف ينعكس ذلك ربحاً على الشركات الأمريكية، وما يجري الآن هو صراع على نفوذ ومصالح اقتصادية.