لكل السوريين

بسبب عمليات تهريب المخدرات.. حرب مفتوحة على الحدود السورية الأردنية والأبرياء يدفعون الثمن

تحقيق/ لطفي توفيق

مع بداية فصل الشتاء وتغيّر الأحوال الجوية وانتشار الضباب الذي يعيق الرؤية الواضحة، تزايدت محاولات تهريب المخدرات من الجنوب السوري إلى الأراضي الأردنية بشكل كبير، واستغلت عصابات التهريب سوء الأحوال الجوية وتشكّل الضباب وطبيعة الأرض الوعرة للقيام بعملياتها، وتزايدت اشتباكات هذه العصابات مع قوات حرس الحدود الأردنية، لدرجة وصفت بالحرب المفتوحة على الحدود المشتركة بين الجنوب السوري والمملكة الأردنية، وأسفرت عن مقتل وإصابة العديد من عناصر العصابات، ومقتل ضابط صف وإصابة عنصر أخر من القوات الأردنية.

كما أسفرت عن إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والاسلحة الأتوماتيكية والصاروخية،

وهددت بفشل المبادرة العربية “خطوة بخطوة”، التي كان للأردن دور محوري فيها.

وفي سابقة تعتبر الأولى من نوعها، نشر التلفزيون الأردني صور مهربين تم القبض عليهم على الحدود السورية الأردنية، وكشف عن هويات ثمانية من المهربين التسعة الذين تم القبض عليهم، وبيّن بالصور مضبوطات الأسلحة والمخدرات التي كانت بحوزتهم.

ونقل التلفزيون عن مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية قوله

“إن آليات رد الفعل السريع تعاملت مع هذه المجموعات، وتم تطبيق قواعد الاشتباك بالرماية

المباشرة عليهم مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم، وفرار الباقين إلى داخل العمق السوري”.

حرب مفتوحة

شهدت الحدود السورية الأردنية مواجهات عنيفة جرّاء تصدي حرس الحدود الأردني لمحاولات تهريب من محاور مختلفة من جنوبي قرية ذيبين إلى العانات والشعاب وخازمة، وصولاً إلى الحرّة والحماد السوري في البادية.

واستغلت مجموعات المهربين الأجواء الضبابية، ونفذت محاولات تسلل متزامنة على أكثر من عشرة محاور، وضمن مسافة تزيد عن مئة كيلو متر، في تطور ملفت لتكتيكات التهريب.

وأطلق حرس الحدود الأردني القنابل المضيئة، وفتح نيران رشاشاته باتجاه المجموعات التي ردّت بأسلحتها الآلية، ووقعت أعنف الاشتباكات على الحدود السورية الأردنية، وفق ما أكد مصدر أردني ومصادر محلية من القرى الحدودية، ووصفها أهالي هذه القرى بالحرب الحقيقية.

وصرح مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية أنه على الواجهة الحدودية الشمالية للمملكة الأردنية الهاشمية وقع اشتباك مسلّح مع العشرات من المهربين الذين أطلقوا النار على قوات حرس الحدود الأردنية، مستغلين حالة انعدام الرؤية وكثافة الضباب لإدخال كميات كبيرة من المخدرات، وتم تطبيق قواعد الاشتباك مما أسفر عن مقتل عدد من المهربين ودفع البقية منهم إلى الفرار باتجاه الأراضي السورية.

وقبل اسبوعين، أكدت مصادر محلية اختفاء ثلاثة مهربين من عشائر بدو السويداء على الحدود السورية الأردنية، خلال محاولتهم تهريب المخدرات، ثم اعلن الجيش الأردني مقتلهم وضبط كميات من المخدرات كانت بحوزتهم.

أساليب جديدة

تصاعدت عمليات التهريب مؤخراً عبر الحدود السورية الأردنية، حيث استغل المهربون الظروف الجوية في المنطقة الجنوبية في هذه الفترة التي تشهد انتشاراً واسعاً للضباب بما يساعد على حجب الرؤية الجيدة، وكانت الفترة الماضية قد شهدت ركوداً واضحاً في عمليات التهريب خلال فصل الصيف.

واستغل المهربون هذه الفترة في تجميع أكبر مقدار ممكن من المخدرات، واستقطاب الشباب وتحضيرهم لعمليات النقل والتهريب خلال فصل الشتاء، وفق ما أفاد قائد عسكري من فصائل التسويات في درعا شارك مؤخراً بعمليات عسكرية قام بها اللواء الثامن ضد مجموعات تمتهن تجارة وتهريب المخدرات.

ويبدو أن شبكات التهريب باتت تعمل بأساليب وخطط جديدة، بعد تغيير إدارتها أو المشرفين عليها في المناطق الحدودية من سوريا، بعد مقتل “مرعي الرمثان” أحد أكبر مهربي المخدرات في قرية الشعاب الحدودية مع الأردن مطلع شهر أيار الماضي بغارة جوية استهدفت منزله، وبعد اختفاء “راجي فلحوط” من السويداء، ومقتل عدد من تجار ومروجي المخدرات في درعا.

تهريب بالقوة

تتبع شبكات التهريب في الجنوب السوري أساليب جديدة في تنفيذ عملياتها باتجاه الأردن، إذ لم تعد تكتفي بمحاولة تهريب المخدرات والأسلحة، وإنما باتت تخوض اشتباكات عنيفة مع قوات حرس الحدود الأردني، في محاولة لفرض عمليات التهريب بالقوة.

وقال مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، “إن الأيام الماضية شهدت ارتفاعاً في عدد هذه العمليات وتحوّلها من محاولات تسلل وتهريب إلى اشتباكات مسلحة بهدف اجتياز الحدود بالقوة من خلال استهداف قوات حرس الحدود”.

ويقول أحد سكان البلدات السورية القريبة من الحدود مع الأردن، “إن ما حدث مع تغير الأحوال الجوية وبداية فصل الشتاء وتوافر الأجواء الضبابية، تصعيد لعمليات التهريب، ولكن في هذه الفترة، تشهد المناطق الحدودية السورية الأردنية من الجهة الجنوبية الشرقية، اشتباكات طويلة هي الأعنف بين شبكات التهريب وقوات حرس الحدود الأردنية”.

غارات جوية

شنّت طائرات حربية أردنية عدة غارات على طول الحدود مع الجنوب السوري رداً على عمليات التهريب التي تفاقمت خلال الفترة الماضية، واستهدفت الغارات مخابئ ومنازل مهربي المخدرات في محافظتي درعا والسويداء.

وقال الجيش الأردني إنه أحبط مخططاً لعشرات المتسللين من سوريا المرتبطين بميليشيات موالية لإيران، بعدما عبروا حدود الأردن بقاذفات صواريخ وألغام مضادة للأفراد ومتفجرات.

وأكد مصدر دبلوماسي غربي يتابع الوضع في جنوب سوريا، أن الطائرات الحربية الأردنية ضربت أهدافاً مرتبطة بتجارة المخدرات في غارات نادرة داخل سوريا منذ بدء الصراع المستمر منذ أكثر من عقد من الزمن.

وقصفت الطائرات الأردنية منزلاً يشتبه أنه لتاجر مخدرات كبير في مدينة صلخد بريف المحافظة السويداء الجنوبي، بينما أصابت ضربات جوية أخرى مخابئ في محافظة درعا.

خسائر بشرية ونزوح

لقي أربعة أشخاص حتفهم على الأقل جراء غارة جوية استهدفت مزرعة قرب بلدة ذيبين جنوبي السويداء، على مقربة من الحدود السورية الأردنية.

وأشارت مصادر محلية إلى أن المزرعة المستهدفة يقيم فيها “ابو جمعة الحمادة” مع عائلته، وهو من عشائر قرية الأصفر ويعمل في رعاية المواشي، وأكدت أن المزرعة دُمرت فوق رؤوس من فيها، وسقط أفراد العائلة بين قتيل وجريح، كما نفقت أعداد كبيرة من الماشية.

وذكر مصدر طبي أن ثلاثة ضحايا وصلوا إلى مشفى السويداء الوطني مع جريح واحد، وكان من الصعب التعرف على الضحايا الذين تحول بعضهم إلى أشلاء.

وفي قرية أم شامة جنوبي شرقي السويداء، استهدفت إحدى الغارات الجوية الأردنية منزل  شاكر الشويعر، وهو من الضالعين في تجارة المخدرات، وأسفرت عن خسائر مادية في المنزل المستهدف دون وقوع إصابات بشرية.

وتحدثت المصادر  المحلية عن حركة نزوح السكان من قريتي أم شامة والشعاب، باتجاه ملح والهويا، تخوفاً من تجدد الغارات، وبقيت القريتان شبه خاليتين بعد الغارة الجوية، وقبل بدء عودة سكان القريتين التدريجية إلى بيوتهم في اليوم التالي.

وكانت طائرات حربية أردنية، قد أغارت على عدة اهداف من بينها بيوت ومزارع في محافظة السويداء، في وقت متأخر من الليل ضمن مناطق تعتبر منطلقاً لعمليات تهريب المخدرات نحو الأراضي الأردنية.

الأبرياء يدفعون الثمن

ضربت غارة جوية أردنية مدينة صلخد بريف السويداء الجنوبي قرب منزل ناصر السعدي المتورط بتجارة المخدرات، وأصابت منزل المواطن هشام جبور وحولته إلى ركام، إضافة إلى مقتل صاحبه البريء، وأثارت هذه الحادثة غير المسبوقة في مدينة صلخد، استياء سكانها، وتعالت أصواتهم لإجلاء ناصر السعدي، وكل من يتورط في تجارة المخدرات إلى خارج المدينة، كونه بات يعرض سكانها الأبرياء لخطر كبير، في ظل تصاعد وتيرة العمليات ضد عصابات التهريب.

وأشاعت مصادر مقربة من السعدي أخبار مغادرته للأراضي السورية، بعد الضربة التي أصابت منزل جاره، فيما يبدو أنها محاولة لامتصاص الغضب الشعبي ضده.

وكان القصف الأردني قد تسبب بمقتل أربعة أشخاص من عائلة واحدة، جنوبي بلدة ذيبين على مقربة من الحدود السورية الأردنية.

ودمر القصف أيضاً مزرعة تعود لشاكر الشويعر في قرية أم شامة جنوبي شرق السويداء، وأدى لنفوق العشرات من رؤوس الماشية.

وفي اتصال مع الصفحة الإعلامية المحلية السويداء 24، قال المحلل السياسي الأردني صلاح ملكاوي إن الاردن كان جاراً مسالماً ويشكل عامل أمن واستقرار لدول الجوار ولم يكن في يوم من الأيام عدوانياً، ولا يمكن أن تكون عملياته موجهة ضد الأبرياء، لكن الأخطاء تحصل في الحروب، و”هذا شيء مؤسف، وكلنا نتضامن مع الضحايا الابرياء”.

فشل مبادرة خطوة بخطوة

كان للأردن دور محوري في المبادرة العربية “خطوة بخطوة”، التي انطلقت العام الحالي بهدف إيجاد حل لإنهاء الأزمة في سوريا.

ومن بين شروط تلك المبادرة التي أعادت سوريا للجامعة العربية، تعاون سلطاتها في ملف مكافحة المخدرات.

وتعهد وزير الخارجية السورية خلال اجتماع اللجنة العربية في عمان، بالتعاون في ملف مكافحة التهريب من خلال تسليم إحداثيات ومواقع تصنيع المخدرات للجانب الأردني، ومعلومات حول شبكات التهريب، “لكنهم لم يقدموا أي شيء”، وفق تأكيد المحلل السياسي صلاح ملكاوي.

وأوضح ملكاوي أنه بعد المبادرة الأردنية “خطوة بخطوة” التي تبنتها الدول العربية، لوحظ تراجع في عمليات التهريب من سوريا إلى الأردن لفترة زمنية محدودة لم تتجاوز الأربعة شهور، وأكد أن الفترة التي تراجع فيها التهريب على الحدود السورية الأردنية، كانت بين أيار وأيلول وهي “العطلة الصيفية” لشبكات التهريب، كما يصفها مصدر مطلع على ملف التهريب.

ويرى المحلل الأردني “أن غياب الدولة السورية هو السبب الأبرز في تفاقم عمليات تهريب المخدرات، إضافة إلى الظروف الرئيسية الأخرى من فساد في أجهزتها بات يرتقي إلى إدارة ممنهجة لملف صناعة وتهريب المخدرات”.

وكشف ملكاوي أن وزير الخارجية السورية قال أمام اللجنة العربية “إن النظام لا يسيطر على المحافظات الجنوبية في درعا والسويداء والقنيطرة، وخصوصاً المناطق الحدودية منها، وأن النظام ليس لديه النفوذ والقوة المناسبة للسيطرة على هذه المناطق”.

يذكر أن شبكات تهريب المخدرات المركزية في سوريا وجدت في مناطق الجنوب القريبة من الحدود الأردنية بيئة مثالية لتمرير مشاريعها، فهي مناطق نائية ومهمشة ويمكن استغلالها للتهريب نظراً لطبيعتها الجغرافية التي تتصل بالأردن عبر مسيلات مائية، ومساحات سهلية واسعة بين حدود البلدين الممتدة من خراب الشحم غرب درعا إلى الحماد شرقاً في السويداء.