لكل السوريين

باحث سياسي: “استقطابات القوى الخارجية ساهمت في تعقيد الأزمة السورية وأدت إلى كثرة حروب الوكالة”

حاوره/مجد محمد

واحدة من أعقد الأزمات في القرن الحادي والعشرين، تطورت أحداثها بشكل دراماتيكي وبدأت بحراك ومطالب شعبية لتتحول إلى مقتلة وحرب طاحنة بين متدخلين كثر، وأصبح الصراع فيها وعليها، إنها الأزمة السورية التي تعد من أكثر الأزمات تعقيداً في العالم نظراً لتعدد أطرافها ما بين أطراف محلية وإقليمية وأخرى دولية، وتعدد وتباين مصالح كل طرف إلى حد التشابك وأحياناً التعارض، وبالرغم من دخول الأزمة عامها الثالث عشر فلا توجد مؤشرات تنذر بقرب انتهائها، فمازال الصراع قائماً منذ اندلاعه في عام ٢٠١١ إلى الآن، ويزداد المشهد السوري تعقيداً يوماً بعد يوم وتزداد حدة الأزمة الإنسانية بمرور الوقت، وترجع حالة عدم الاستقرار وديمومة الصراع التي تشهدها سوريا إلى العديد من الأسباب فبالنظر إلى طبيعة الحرب في سوريا سنجد إنها خليط غير متوازن من الحرب الأهلية والحرب الإقليمية والدولية والحرب بالوكالة والحرب الطائفية المذهبية.

فالصراع القائم في سوريا ليس تعبيراً عن صراع مستقل قائم بذاته وإنما يمثل وجهاً من أوجه صراع مركب ومتعدد الأطراف تتداخل فيه مصالح إيرانية وروسية وتركية وأمريكية وإسرائيلية، لذلك يمكن توصيف الصراع في سوريا على إنه صراع بين قوى إقليمية ودولية، لكن ماذا عن التصعيد الإقليمي الحاصل نتيجة الحرب في غزة وما هي تداعياته على الملف السوري، بكل تأكيد هناك انعكاسات مباشرة على الملف السوري الذي يراقب بكل دقة والتي باتت الجبهات مشتعلة فيه، ولعل المناوشات الأمريكية الإيرانية أكثر الأحداث وضوحاً في هذه الجزئية التي تُرجمت بالنار والبارود وعلى وجه الخصوص في ريف دير الزور، حيث تعرض محيط مدينة البو كمال إلى قصف جوي أمريكي مفاجئ نفذته طائرة حربية أمريكية، واستهدفت الطائرة الأمريكية مواقع عسكرية موالية للميليشيات الإيرانية وذلك رداً على هجمات نفذتها هذه الفصائل في وقت سابق.

وللحديث عن استقطابات القوى المتدخلة وتأثيراتها في الأزمة السورية، عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ عاصف السلطان الحاصل على الإجازة في العلوم السياسية، ودار الحوار التالي:

*استاذ عاصف مرحباً بك بداية، بين التشابك والتعارض والتقاطع، استقطابات القوى المتدخلة، إلى أين سيصل في ظل وضع الشرق الأوسط على صفيح ساخن؟

أهلاً بك، لا شك إن المنطقة فعلاً على صفيح ساخن فهناك حالة ارتباك، وكل المعطيات التي تشير إلى أن هناك تغييرات كبيرة قادمة إلى المنطقة، أعتقد أن المنطقة اليوم على أعتاب تحول كبير، وجميع الملفات الملتهبة في المنطقة والتي تتمحور في سوريا أعتقد إنها تؤشر إلى أن مرحلة جديدة ربما من هذه المخططات دخلت اليوم حيز التنفيذ، ما يجري في غزة أمر لا شك إنه مهم جداً وله دلالات كبيرة وحقيقة، وتحول بشكل أو بآخر إلى ملف عالمي تم تدويره بشكل كبير جداً، إضافة إلى ما يجري في سوريا ربما منذ عشر سنوات وأكثر، وبالتالي من خلال ما يجري استنتج بأنه هناك خريطة كبيرة للمنطقة، يجب أن لا ننسى بأن الخرائط التي كانت تحكم هذه المنطقة منذ بداية القرن الماضي قد انتهت واليوم العالم والدول المؤثرة في صدد إنجاز خرائط جديدة لهذه المنطقة، هذه الخرائط سوف تفرز قوى جديدة وربما تفرز دول جديدة وقد تؤدي إلى غياب دول أخرى، وبالتالي المعادلات التي يتم أحكامها اليوم في المنطقة معادلات كبيرة وخطيرة، ولا شك إنها ليست وليدة اللحظة واعتقد أن ما يجري اليوم في شمال سوريا من اشتباكات واحتكاكات وإذا أضفنا إليه ما يجري في غزة وجنوب لبنان سوف سيؤدي إلى أحداث أكبر سوف تأتي وسوف يكون هناك توسيع لرقعة الصراع في المنطقة، ولذلك بكل الأحوال القادم خطير وكبير ولكن كما ذكرت لك هو ليس بجديد وهو عبارة عن مخططات أعدت سابقاً وتم البدء بتنفيذها، المنطقة اليوم وصلت إلى نسبة لا تقل عن ٧٠٪ من تنفيذ هذا المشروع وما بقي هو الأقل ولكنه بلا شك الأخطر.

*في ظل ما تحدثت عنه في التغييرات التي تحدث على المنطقة بالكامل، هل تتوقع أن تحدث تغييرات في سوريا؟

تأثيرات ما يجري في غزة لم تتضح بعد، وإذا بقي الوضع في الحرب الإسرائيلية الفلسطينية بالشكل الذي يجري حالياً، لا أضن أن هناك تغييراً كبيراً بالنسبة لسوريا، المناوشات التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية في سوريا هي فقط لرفع العتب وتبيان وإظهار أنهم موجودين وأنهم قوى كبيرة مؤثرة في سوريا، والضربات الأمريكية على الميليشيات الإيرانية في سوريا هي ليست جديدة، والاستقطابات في عموم المنطقة ظاهرة فهناك إيران في جهة وإسرائيل في جهة، والموقف الإيراني هو دفع حماس للانتحار وهو ما نشاهده الآن، والتغييرات في سوريا قادمة لا محالة، ستختفي قوى وتبرز وتكبر قوى أخرى وسيتم تحجيم قوى أخرى، لا ملامح واضحة حتى الآن ولكن التغيير قادم في سوريا لا محالة.

*بالحديث عن المخاوف، هناك أقاويل إنه ستحدث حرب كبيرة في المنطقة وستكون سوريا ساحة حرب غير معلنة بشكل مباشر، إيران وأمريكا على الساحة السورية يتبادلون الرسائل المشفرة، كيف تقرأها لنا؟

نعم بكل تأكيد هناك دول إقليمية وحتى دولية تريد أن يكون الصراع في المنطقة وبعيد عن أراضيها، وربما يكون هذا الصراع على الأراضي السورية أو ربما على الأراضي العراقية أيضاً، أنا بتقديري الشخصي اليوم الدول الإقليمية والدولية العظمى تحاول أن تتصارع هنا على الأراضي السورية أو العربية من أجل مصالحهم الخاصة، والخاسر الأول والأخير هم شعب المنطقة بكل تأكيد، حتى هذه اللحظة الكيان الإسرائيلي يخشى أن تفتح عليه الجبهة السورية لأنه منذ أحداث عام ٢٠١١ تم توريد العديد من الأسلحة من إيران إلى سوريا، وسوريا الآن هي عبارة عن مخزن كبير للأسلحة الايرانية وإسرائيل وأمريكا يعلمون ذلك جيداً، لذلك حتى في قصفهم لبعض المواقع في سوريا والمطارات هي في حقيقة الأمر عبارة عن استطلاع ليعرفوا ماذا موجود في سوريا، وعن إيران وأمريكا في سوريا كل طرف بين حين وآخر يقصف الطرف الثاني لتذكيره بوجوده، منذ عدة أشهر كادت أن تكون حرب بينهما ولكن لم يصل التصعيد إلى قمته، ولكن بوجود هذه الأزمات في الشرق الأوسط قد يصل التصعيد بين القوتين بشكل أكبر من السابق خصوصاً في مناطق ريف دير الزور، وبالتالي رسائلهم المشفرة وقصفهم لبعض مواقع بعضهم المتمركزة في سوريا هي ترجمة لخلافات حدثت على طاولة التفاهمات التي تجري في السر بينهما.

*يوجد في سوريا رسائل من كل الأطراف، هناك رسائل روسية على جبهة إدلب، كيف يقرأها الجانب التركي، وهناك رسائل تركية إلى جميع الأطراف من سياسة التتريك وهجمات على شمال وشرق سوريا، هل هذه تصب وتشير إلى تثبيت مناطق النفوذ؟

فيما يتعلق بالصراع بين الأمريكان والروس هو صراع  على أوجه عديدة وهو ينتشر على مساحة كبيرة من العالم وخصوصاً في أوكرانيا واليوم في سوريا، الجميع له مصالح والجميع يفرض عضلاته في هذه المنطقة وكما إنه هناك رسائل توجه من قبل الروس في إدلب وتركيا في شمال شرق سوريا، فالتركي كما عادته وليس بجديد إنه يستثمر في الصراعات ويقفز بين الضفاف والأطراف، واليوم بكل وقاحة يستثمر بنفس الاستثمار السابق ويقوم على إنه خليفة المسلمين وحامي الفلسطينيين، وبالمقابل يرسل السلاح ويرسل الدعم اللوجستي إلى إسرائيل والتعاون على أعلى مستوياته بينهما وهذا ما كشفه وزير إسرائيلي، وهذا الاستثمار ينسحب بشكل أو بآخر إلى سوريا فأردوغان المفلس داخلياً لم يصل إلى كل الأهداف التي وضعها لنفسه في بداية الربيع العربي، بل وصل إلى صراعات مع الغرب وأمريكا التي ترفض دائما طلباته بما يريد، فاليوم يحاول أن يستغل هذه اللعبة وهذا التقاطع بين الأمريكان والروس، هذه كلها تقطعات بين دول متدخلة في الشأن السوري وجميعهم يريد إثبات وجوده وتثبيت حصته من الكعكة ليحصل بموجبها على امتيازات من الآخرين.

*أمريكا ترسل أساطيل إلى الشرق الأوسط والجانب الروسي يتحدث عن تعزيز عسكري أيضاً، وتركيا لا تفوت لحظة ولا تستهدف بعدوان متكرر الأراضي السورية، ما هو السيناريو المرتقب؟

برأيي إذا كانت إسرائيل إلى أي جانب من الجوانب فالدور الروسي والتركي سيكون مغيباً، الطرفين الأمريكي والإيراني هم الأبرز، فالروس والترك سيكونون خارج اللعبة، صحيح أنهم يتحدثون ويستثمرون في هذا الموضوع لكن بوجود إسرائيل لن يتدخلون ولن يكونون الأبرز، الوضع حتى هذه اللحظة لم يخرج عن السيطرة ولكن لدي مخاوف من أن هذه الحرب ستمتد إلى بقية المناطق إلا إذا أرادت أمريكا غير ذلك، وصحيح أن الإعلام السوري يهلل ويطبل للحرب مع فلسطين ولكنه أجبن من أن يفعل شيء، لذلك هو يحاول كبح أي محاولة من حدوده مع إسرائيل، فكما أسلفت لك في حديثي سابقاً توجد سيناريوهات كثيرة مرتقبة وسيحدث أحدها بالتأكيد ولكن حتى الآن لم تبرز ملامحه.

*ختاماً، كلمة أخيرة تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

أسباب كثيرة للأزمة السورية وأولها النظام الذي هو نموذج للفساد والقمع، وهو يعتبر النموذج الأسوأ في تاريخ الأنظمة السياسية في سوريا، طبعاً النظام وضع بشرعية خارجية وولاء هذا النظام لأنظمة خارج البلد ولا يدين بالولاء لشعبه لأن شرعيته لم تأتي من الشعب، والشعب في سوريا خائر القوى لا يملك من أمره شيئاً، فمسألة إسقاط النظام هي أولى الحلول للخلاص من كافة الاحتلالات الخارجية المتحكمة في سوريا سواء أمريكا أو روسيا وإيران وتركيا وحتى إسرائيل، واليوم للأسف نتحدث عن الصراعات العالمية التي أصبحت سوريا أرض معركة خاصة بها، وذلك كله بسبب النظام الذي يرفض الحل السياسي والانصياع لقرارات الأمم المتحدة.