لكل السوريين

في يومه العالمي.. الاختفاء القسري تحت المجهر، وإحصائيات مروعة في سوريا

حاوره/ مجد محمد

عندما يكون الشخص مختفياً، هناك احتمالات كبيرة بأن يكون أيضاً تحت التعذيب أو مقتولاً، هذا ما نص عليه القانون الدولي لحقوق الأنسان عن الاختفاء القسري، والذي عرفته أيضاً الأمم المتحدة ضمن تعريفات عديدة، إنه الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.

وفي اليوم العالمي الذي يصادف في ٣٠ آب/أغسطس من كل عام، والذي صادف في الأسبوع المنصرم، عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الاستاذ عزيز النواف الحاصل على الإجازة في الماجستير بالقانون الدولي، ودار الحوار التالي:

*استاذ عزيز مرحباً بك بداية، في اليوم العالمي للاختفاء القسري، تعددت التعريفات والمفاهيم له، بلهجة بسيطة حدثنا عنه بلمحة عامة؟

اهلاً بك، في البداية يجب ذكر أنه تم تحديد ٣٠ من شهر آب/أغسطس من كل عام يوماً دولياً للاختفاء القسري, وهو اليوم الذي حددته الأمم المتحدة استجابة لمبادرة جهة غير حكومية تأسست في كوستاريكا عام ١٩٨١, وأطلقها اتحاد روابط أقرباء المعتقلين المختفين قسرياً في أميركا اللاتينية، والاختفاء القسري يعتبر جريمة ولها ضحايا في دول العالم أجمعه، وضحايا الاختفاء القسري هم أشخاصاً اختفوا فعلياً بعد القبض عليهم من قبل عناصر مسلحة غير تابعة للدولة أو سلطات أمنية رسمية ينكر مسؤولوها أو يرفضون الكشف عن مكان وجود المختفين، ومؤخراً أصبح الاختفاء القسري وسيلة للضغط السياسي على الخصوم في النزاعات المحلية بعد أن كان يقتصر على الدكتاتوريات العسكرية.

* إذاً باعتبار الاختفاء القسري جريمة، فلا بد إنه لكل جريمة أركان وذلك حسب القوانين الدولية وأيضاً القوانين الوضعية المعمول بها داخلياً لكل بلد، فما هي أركان جريمة الاختفاء القسري؟

تماماً، ولجريمة الاختفاء القسري عدة أركان وهي، أن يقوم مرتكب جريمة الاختفاء القسري بإلقاء القبض على شخص أو أكثر أو احتجازه أو اختطافه، وأن يرفض الإقرار بقبض أو احتجاز أو اختطاف هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، وكذلك أن يعقب هذا القبض أو الاحتجاز أو الاختطاف رفض الإقرار بحرمان هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم وعن أماكن وجودهم وأن يسبق هذا الرفض الحرمان من الحرية أو يتزامن معه، أيضاً الركن الثالث يتعلق بمدى توافر القصد الجنائي المتمثل بالعلم، أي أن يعلم مرتكب الجريمة أن إلقاء القبض على هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم سيليه في سير الأحداث العادية رفض الإقرار بحرمانهم من الحرية أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو مكان وجودهم.

وكذلك أيضاً الاختفاء القسري جريمة دولية تمارس من قبل أفراد يتمتعون بالسلطة فتمثلت باقي أركان الجريمة في أن تقوم بهذا القبض أو الاحتجاز أو الاختطاف دولة أو منظمة سياسية أو يتم بدعم منها مع رفض الإقرار بحرمان هذا الشخص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن مكان وجودهم بالإضافة إلى حرمان الشخص من الحماية القانونية المكفولة له قانوناً، وأركان أخرى تتمثل بالإقرار بارتكاب هذه الجريمة فهناك رفض الإقرار بأنه قد تم حرمان هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن مكان وجودهم،  ويتم ذلك من قبل الدولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم أو إقرار منها، والنية المصاحبة لارتكاب الجريمة؛ أي أن  ينوي مرتكب الجريمة منع الشخص أو الأشخاص من الحماية التي يكفلها القانون لفترة طويلة من الزمن، وكذلك النمطية، أي أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين، وأيضاً أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزء من ذلك الهجوم.

*إذاً جريمة دولية بهذا الحجم، ولها أركان كثيرة وكبيرة، فلا بد أيضاً أنها تنتهك حقوق اثناء الاختفاء، ماذا بذلك؟

نعم، إن اعتبار الاختفاء القسري جريمة يقوم على فرضية أن تلك الجريمة تؤدي إلى انتهاك حقوق إنسانية تكفلها القوانين لذلك كان في تجريمها منع لحصول مثل تلك الانتهاكات، وتتمثل الحقوق المنتهكة نتيجة لارتكاب جريمة الاختفاء القسري في حق الفرد بالاعتراف بشخصيته القانونية، فإخفاء الشخص يعني إخفاء تلك شخصية المعترف بها قانوناً، ونتيجة ذلك الاختفاء القسري هي حرمان الشخص كذلك من حريته وأمنه، وقد يتعرض للتعذيب أو لضرب من ضروب المعاملة القاسية وفي ذلك انتهاك لحق إضافي وهو حقه في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقد ينتج عن مثل هذا التعذيب الموت وفي ذلك انتهاك لحقه في الحياة فيصبح الإنسان دون هوية ودون ضمانات قضائية ومحاكمة عادلة وإنصاف فعّال، وأي جبر أو تعويض، ودون معرفته لماذا يتم إخفاؤه وما هي حقيقة اختفائه, وبإخفائه يصبح في عزلة عن العالم الخارجي فيُحرم من حقه في التعليم وفي الصحة، ويمتد أثر هذه الانتهاكات ليطال أسرته فيعجز عن توفير الحماية والمساعدة لهم وعن تأمين مستوى معيشي مناسب.

*اختلطت الأفكار هنا قليلاً، إذاً ما الفرق بين الاختفاء القسري والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي؟

في حالة الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي تقوم الدولة بالاعتراف بكون الشخص محتجزاً لديها، إلا أنها تمنعه من الاتصال بذويه أو محاميه أو أي شخص آخر، ويعد ذلك انتهاكاً للحق في الزيارة والحق في التواصل بمحامي المرتبط بالحق في الدفاع، إلا أنه لا يعد اختفاءً قسرياً ولا يجب خلط النوعين من الانتهاكات، وكل اختفاء قسري هو احتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، لكن العكس ليس صحيحاً.

*الاختفاء القسري يأخذ انطباعاً إنه اداة للإرهاب فتحول إلى قضية عالمية، من هم المعرضون للخطر؟

يتكرر استخدام الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب بين أفراد المجتمع، إذ لا يقتصر الشعور بانعدام الأمن والخوف الناجم عن الاختفاء القسري على أقارب الضحايا فحسب، بل يطال التجمعات المحلية والمجتمع بأكمله، وكان استخدام الاختفاء إلى حد كبير من قبل الدكتاتوريات العسكرية، أما الآن فيقع في كل منطقة من مناطق العالم، وفي مجموعة واسعة من السياقات، وعادة ما يتم تنفيذه في النزاعات الداخلية، وخاصة من قبل الحكومات التي تحاول قمع المعارضين السياسيين، أو جماعات المعارضة المسلحة، ويبدو أن المدافعين عن حقوق الإنسان، وذوي الأشخاص الذين اختفوا بالفعل، والشهود الرئيسيين والمحامين هم أكثر الأهداف المحددة.

* ما الذي تفعله منظمة العفو الدولية لمنع الاختفاء القسري والعمل على تحقيق العدالة؟

تقوم منظمة العفو الدولية بحملة نشطة من أجل المئات من الحالات التي يتعرض فيها الأشخاص للاختفاء القسري، وتواصل ممارسة الضغط على الحكومات لتحديد مصير ومكان جميع الأشخاص الذين اختفوا، وإذا كانت السلطات لا تعرف حقيقةً مكان احتجازهم، فعليها بذل المزيد من الجهد لمعرفة ذلك وإذا قامت بذلك، فيجب عليها الإفراج عنهم، أو تقديم تفاصيل عن مكان وفاتهم، فالمنظمة دائما ما تدعوا الحكومات إلى تنفيذ الاتفاقيات الدولية وقبول الولاية القضائية للجنة المعنية بالاختفاء القسري والنظر في المراسلات من أو بالنيابة عن الضحايا والدول الأخرى، وضمان حصول الناجين والأشخاص الذين فقدوا أحباءهم الحق في جبر الضرر، ويشمل ذلك التعويض، وإعادة التأهيل، ورد الاعتبار، وضمان ألا تقع حوادث الاختفاء مرة أخرى، وإلغاء أي قانون عفو أو أي إجراءات أخرى للإفلات من العقاب، مثل قانون التقادم، وجعل الاختفاء القسري، سواء تم على أيدي عملاء الدولة أو الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية، جريمة بمقتضى القانون الوطني، والمعاقبة عليها بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار مدي جسامتها.

*ختاماً، الاختفاء القسري في سوريا.. المجال مفتوح لك

للأسف في سوريا الموضوع مؤلم وكارثي جداً، وبمناسبة الذكرى الدولية أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السنوي الثاني عشر عن الاختفاء القسري في سوريا وقالت فيه إن ما لا يقل عن ١١٢٧١٣ شخصاً، بينهم ٣١٠٥ أطفال ٦٦٩٨ سيدة لا يزالون قيد الاختفاء القسري في سوريا منذ آذار/ ٢٠١١، وهذا العدد الكل مع تفصيله البسيط، حيث أن التقرير جاء بحجم ٤٤ صفحة موضحاً عدد الأشخاص الذين اختفوا في أي مكان وعلى يد أي فصيل عسكري، ومن دون التركيز على فصيل أو آخر فأن جميع الفصائل العسكرية المتواجدة على الأرض السورية متهمة بشكل أو بآخر بهذه الجريمة.