لكل السوريين

بزخم أكبر وتأكيد على وحدة الصف والمصير.. انتفاضة السويداء تنهي أسبوعها الثاني

مع بداية الاسبوع الثاني لإضرابهم، أغلق المحتجون في مدينة السويداء مبنى قيادة حزب البعث ومعظم مؤسسات الدولة، وتجمع العشرات من الشباب أمام مبنى قيادة الحزب الكائن في مدخل المدينة الشمالي، يهتفون للحرية ويغنون الأهازيج الشعبية، ومنعوا الحزبين الموظفين من دخول المبنى، كما أغلقت مجموعة من المحتجين مكتب أعضاء مجلس الشعب في مدينة السويداء، وتوزعت مجموعات شبابية على باقي دوائر ومؤسسات الدولة في المدينة باستثناء الخدمية منها، ومنعوا من حضر من الموظفين من الدخول إليها.

وشهدت المحافظة مظاهرات حاشدة، تفنن الأهالي فيها بابتكار الأغاني الثورية، وجعل شبان السويداء ساحة الكرامة منبراً لهم يعبرون عن أفكارهم كلّ وفق طريقته، فهذا يرفع لافتة وذلك يرسم كاريكاتيراً ونساء تهزجن وتغنين للثورة، كما شهدت عشرات الفرى والبلدات وقفات احتجاجية مسائية.

لم تقتصر المشاركة في احتجاجات السويداء في أسبوعها الثاني على فئة دون غيرها بل تميزت بانخراط جميع الشرائح الاجتماعية، واللافت في هذا الأسبوع المشاركة النسائية الواسعة التي شملت ربة المنزل والعاملة والسياسية المعارضة والشابات في مقتبل العمر، مما أعطى زخماً واضحاً لحراك الشارع.

ومع كثرة البيانات واختلاط الأخبار وتضاربها، بقيت ميادين وساحات التظاهر المكان الوحيد الذي يعبّر عن مطالب أهالي، وعلت أصوات المطالبين بالحرية وبدولة العدالة والمساواة، فوق كل الأصوات الأخرى.

وواصل النظام صمته وتجاهله للتطورات والمطالب المعيشية والسياسية، ولم يقدم أي طرح أو فكرة أو مفاوضات، بما رسّخ قناعة الشارع في المحافظة بأنه لا يملك أي شيء ليقدمه على صعيد الظروف المعيشية والاقتصادية والسياسية.

واختتم إضراب السويداء أسبوعه الثاني بأكبر تظاهرة منذ بدء الاحتجاجات شارك فيها أكثر من ألفي متظاهر من كافة الشرائح الاجتماعية.

الحراك مستمر

توافق شباب الانتفاضة الشعبية في السويداء على عدة قرارات تحرص على سلمية الحراك وحضاريته وتلتزم بسلامة الأهالي وحماية مصالحهم وممتلكاتهم وحماية المنشآت الحكومية من أي محاولة للعبث والتخريب.

وأعلنوا قرارتهم في بيان أكدوا في مطلعه على استمرار الحراك بشكل سلمي حتى تتحقق

مطالبهم بالتغيير السياسي وتطبيق القرار ٢٢٥٤ لتحقيق السلام.

كما أكدوا على رفضهم لأي مشاريع تقسيمية، وإصرارهم على أن تكون سورية موحدة بكل أطيافها، وعلى كامل التراب السوري.

وأشاروا إلى أن “إغلاق  فرع الحزب في السويداء وكافة المقرات الحزبية في مدن وبلدات وقرى المحافظة  قراراً لا رجعة فيه”.

وأكدوا على استمرار إغلاق كافة الدوائر الحكومية “باستثناء المياه والهاتف والكهرباء والمؤسسات الخدمية، حيث سيكون إغلاقها جزئياً.

كما توافقوا على استمرار إغلاق المحلات التجارية حتى الساعة العاشرة صباحاً من كل يوم.

وطلبوا من أبناء القرى المشاركين في الحراك “قطع الطريق على الموظفين غير الملتزمين بالإضراب”، على أن يستثنى من الإضراب قطاع الصحة والتربية نظراً لبداية العام الدراسي.

كما أكدوا أن “طريق دمشق السويداء يفتح لتمرير الطحين والمحروقات والحالات الإنسانية والصحية والطلاب”،

واختتم المنتفضون بيانهم بالقول “نرجو من أهلنا الكرام الالتزام  بقرارات البيان ودعمنا لتحصيل جميع حقوقكم المغتصبة”.

وحدة الصف والمصير

أصدر أبناء عشائر البدو في محافظة السويداء بياناً أعلنوا فيه تأييدهم للاحتجاجات الشعبية والحراك السلمي بالمحافظة، وأكدوا انضمام عشائر السويداء للانتفاضة الشعبية ومشاركتهم الفاعلة فيها.

كما أكدوا دعمهم “لكل من يتكلم بوجع الشعب السوري من أي طائفة كانت”، وتوجهوا بالشكر للهيئة الدينية بالمحافظة لوقوفها مع أبناء هذا الوطن ومطالبتهم برفع المعاناة عن أبناء الشعب السوري الواحد.

كما أكد البيان على ضرورة تعاون الجميع لإرساء قيم العيش الواحد والتسامح والمحبة،

وأشار إلى أن “هذا الأمر ليس سهلاً في زمن تهب فيه رياح البغضاء التي اكتسحت الشعب السوري الواحد”.

وجاء في البيان “إن الرياح العاتية لهذه الفتن تحتاج منا إلى وقفة أكثر صلابة من كافة طوائف المجتمع في كل المحافظات السورية”

واختتم أبناء العشائر بيانهم بالقول “نحن أبناء الجبل منذ آلاف السنين، وما يوجع الجبل فهو يوجع الجميع ولا يو جع فئة دون أخرى.

من هنا ننوه بأن النظام بدأ بتشكيل خلايا لضرب السلم الأهلي وعلى ذلك نرجو أخذ الحيطة والحذر وعدم الانجرار وراء أي فتنة كانت من أي طرف كان لزعزعة استقرار السلم الأهلي في الجبل”.

جذور سوريا تؤيد انتفاضة السويداء

أيدت منظمة “جذور سوريا” للمجتمع المدني التي تنشط في محافظة السويداء، مطالب الحراك الشعبي فيها، واعتبرت أن الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير السياسي حق لكل السوريين.

ونشرت المنظمة بياناً أكدت فيه أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، وقد خرج أهلها للمطالبة بحقوق جميع السوريين والسوريات، وشددت على  “سلمية الحراك وعدم الانجرار إلى العنف أو السلاح”.

كما طالبت بالحفاظ على مؤسسات الدولة وضمان استمرار أعمالها الخدمية للمواطنين وعدم تعطيل مصالح الناس، ودعت “جميع شرائح ومكونات المجتمع للمشاركة في هذا الحراك، مع التأكيد على احترام رأي وموقف كل من ينكفئ عن المشاركة، فسوريتنا تجمعنا على اختلاف آرائنا”.

وأكدت المنظمة على “رفض الإقصاء أو التخوين واحترام جميع الرايات والأعلام التي يتم رفعها في الحراك طالما هي رايات تعبر عن مكونات سورية سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية، وبغض النظر عن الاتفاق أم الاختلاف معها”.

ودعت “إلى عدم الانجرار وراء بعض الأصوات أو المنابر التي تحوّل الغلط إلى فضيلة، وأصحاب الحق والمطالبين فيه إلى خارجين عن القانون بهدف إثارة الفتنة”.

وأشارت إلى أهمية “التنسيق مع أخوتنا وأخواتنا في باقي المناطق السورية بهدف توسيع رقعة الاحتجاجات في كل أرجاء الوطن السوري وفي وجه جميع الطغاة”.

بيان لا إجماع عليه

رفض العديد من المشاركين في الاحتجاجات الشعبية بالسويداء، البيان الذي أذاعه بعض المحتجين من ساحة الكرامة، معتبرين أنه يمثل فئة محددة من الشارع لها الحق في قول رأيها، ولكنه لا يمثل الحراك الشعبي بأكمله.

وقال منظمو الاحتجاجات إن البيان الذي طلب تدخلاً دولياً، لا يعكس رغبة الشارع، وعبّر الكثيرون منهم عن فقدان ثقتهم بالمجتمع الدولي، وقناعتهم بأن لا خلاص لسوريا من محنتها إلّا من الداخل، وبجهود السوريين أنفسهم.

وكان البيان الذي أُذيع خلال الاحتجاجات باللغة الإنجليزية، قد طالب المجتمع الدولي بالتحرك لحماية السوريين العزّل ودعم مطالبهم المشروعة، من خلال عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لوضع القرار 2254 تحت البند السابع، وفي حال استخدام روسيا أو الصين الفيتو لمنع القرار طالب باللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار القرار المذكور.

وهذا ما اعتبره ممثلون عن الحراك يمثّل رأي فئة محددة، ولا يمثّل الحراك بأكمله.

كما طالب البيان باللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار بإنشاء محكمة خاصة بسوريا لمحاسبة جميع مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وذلك بسبب منع الفيتو الروسي والصيني إحالة ملف سوريا لمحكمة الجنايات الدولية عدة مرات.

نقطة تفتيش أهلية

تلبية لطلب الفعالية الدينية والأهلية بالمحافظة، نصبت مجموعات محلية نقطة تفتيش على طريق دمشق السويداء، كإجراء وقائي لحماية المحافظة.

وحسب مصدر من النقطة، هدفت إقامتها إلى مراقبة حركة الدخول والخروج من وإلى محافظة السويداء، في ظل الأوضاع الراهنة التي تشهدها المحافظة، والاحتجاجات المستمرة فيها.

وأكد المصدر أن “نصب نقطة التفتيش لا يهدف لإعاقة حركة المرور إنما هو إجراء وقائي لإحباط أي تهديدات، لا سيما مع انتشار تحذيرات عن مخاطر محتملة”.

وحسب المصدر يكتفي الشباب المتواجدون على نقطة تفتيش بالتدقيق على هويات المارة والسماح لهم بالمرور، مع تفتيش السيارات التي يشتبهون فيها فقط، ولا يمنع الحاجز أي جهة من المرور، حتى من أفراد الجيش والشرطة.

ورداً على هذا الإجراء، بدأ حاجز المسمية التابع للمخابرات العسكرية، بين دمشق والسويداء، بمنع أفراد الجيش والشرطة من دخول محافظة السويداء، ومحاولة الضغط بوسائل مختلفة لإزالة الحاجز الأهلي الذي يبدو أنه يشكل قلقاً للأجهزة الأمنية.

في حين ذكر المشرفون على الحاجز أنهم لن يمنعوا أي شخص من دخول المحافظة، مدنياً كان أو من أفراد الجيش والشرطة، ولكن فساد الحواجز الأمنية وإمكانية تمرير أشياء مشبوهة باتجاه المحافظة دفعهم لنصب نقطة التفتيش هذه بعد التوافق عليها.

ضجّة مفتعلة حول الراية

أفردت الفضائيات المسموعة والمغمورة ساعات كبيرة من بثها للتعليق على رفع إضراب السويداء لراية المسلمين الموحدين الدروز خلال مظاهرات الاحتجاج، واستضافت من أطلقت عليهم لقب المحلل السياسي والاستراتيجي وغير ذلك من الألقاب، للتعليق والتحليل والتنظير على هذه “الظاهرة” وسعى الكثيرون من خلالها إلى التشكيك بوطنية الانتفاضة الشعبية في السويداء، وإلباسها ثوباً طائفياً.

كما اعتبرت أوساط مقربة من النظام السوري رفع هذه الراية على أنها “مؤشر يدل على دعوات الانفصال والحكم الذاتي”، في حين أن هذه الراية “رمز يتجاوز المسألة المذهبية والدينية ولا يحمل أي تفسير سياسي”.

وأكدت الشعارات التي طرحت خلال إضراب السويداء هذه المقولة، حيث تجاوزت المنطقة والمحافظة إلى الوطن السوري بكل مناطقه، وأكدت ذلك الهتافات التي رفعها المتظاهرون ومنها واحد واحد واحد الشعب السوري واحد.

ولمعرفة رمزية هذه الراية، لابد من العودة إلى مراحل رفعها لتجميع وتحفيز الأهالي لمواجهة المخاطر، حيث كانت كل قرية وبلدة ومدينة في السويداء تمتلك بيرقاً خاصاً بها وترفعه خلال تصدّيها للأخطار والغزوات، وكانت راية الموحدين التي تحمل دلالات دينية تمثّل كل هذه القرى وتوحّد نشاطها، ومع استخدامها المبكر والمتكرر لتوحيد موقف الجميع في مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة، تجاوزت هذه الراية رمزيتها الدينية ، ولم تحمل أي بعد سياسي، ولكنها شكّلت هوية خاصة بأهالي المنطقة.

ورفع أهل جبل هذه الراية أثناء حروبهم ضد العثمانيين، وضد حملات إبراهيم باشا المصري

عندما احتل بلاد الشام وحاول فرض التجنيد الإجباري على أهالي السويداء، فرفضوا ذلك مؤكدين أن “ليس لديهم بنادق للإيجار”.

فأطلق ضدهم حملات عسكرية شرسة، تصدّى لها الأهالي من عشائر البدو والمسيحيين والدروز تحت هذه الراية.

وفي مرحلة الاستعمار الفرنسي لسوريا كانت هذه الراية حاضرة إلى جانب البيارق الأخرى في معركة الكفر والمزرعة والمسيفرة، وكافة المواجهات مع هذا المستعمر.