لكل السوريين

بسبب أزمة المياه بينهما.. اشتباكات بين طهران وطالبان ومحاولات إيرانية لاحتواء الأزمة وتحاشي التصعيد

تحقيق/ لطفي توفيق

تحول الخلاف حول المياه بين إيران وحركة طالبان التي تسيطر على أفغانستان إلى اشتباكات مسلحة وقعت على الحدود بين البلدين وأسفرت عن قتلى وجرحى بين الطرفين.

وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن المسؤولية عن البدء بإطلاق النار، إذ أكد مصدر عسكري من طالبان أن القوات الإيرانية أطلقت قذائف هاون على المطار القديم لمدينة زرنج عاصمة نيمروز، واتهم المتحدث باسم وزارة داخلية طالبان القوات الإيرانية بإطلاق النار أولًا،

وأغلقت سلطات طالبان معبر جسر الحرير الحدودي في ولاية نيمروز مع إيران بسبب الاشتباكات.

وبالمقابل، اتهم نائب قائد الشرطة الإيرانية طالبان بأنها أطلقت النار باتجاه قوات حرس الحدود الايراني في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانيتين، وقال إن مقاتلي طالبان فتحوا النار على معبر ساسولي الحدودي.

وأغلقت إدارة الطرق والنقل البري الإيرانية بمحافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران معبر “ميلك” الحدودي مع أفغانستان ولكنها أعادت فتحه في اليوم التالي.

وفي سياق متصل، أعلن نائب قائد الشرطة الايرانية أن قيادة الشرطة “أصدرت أمراً لقوات حرس الحدود بالرد الصارم على أي اعتداء على الحدود بين البلدين”.

وحمّل الحكومة المؤقتة في أفغانستان مسؤولية “أي عمل غير مدروس ومخالف للقوانين والأعراف الدولية”.

وكان الرئيس الإيراني قد حذّر الشهر الماضي حركة طالبان من انتهاك حقوق بلاده المائية وحثها على “الإسراع في تصحيح الأمر”.

ورد المتحدث باسم طالبان على تحذير رئيسي بقوله “لا توجد مياه كافية في الخزانات تتدفق إلى إيران بسبب الجفاف”.

وشككت طهران في مزاعم طالبان، وطلبت السماح لفريق خبراء إيراني بزيارة أفغانستان لتقييم منسوب المياه في الخزانات، لكن طالبان رفضت الطلب.

محاولات احتواء الأزمة

اتجهت طهران إلى تجنب تصعيد الاشتباكات من خلال الحفاظ على بقاء القنوات الدبلوماسية فعّالة، حيث تزامن وقوع هذه الاشتباكات الحدودية، مع لقاء مبعوث إيراني لدى أفغانستان بالقائم بأعمال وزير خارجية طالبان، أمير خان متقي، بما يشير إلى محاولة إيران احتواء أزمة المياه مع أفغانستان ورغبتها بحلها عبر الوسائل الدبلوماسية.

ويعتبر اتهام “طرف ثالث” بتأجيج الصراع بين الجانبين خطوة بهذا الاتجاه، حيث حاول قائد القوة الجوية في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده، التقليل من أهمية المواجهات، وأشار إلى “أطراف ثالثة” دون تسميتها، معادية لكل من إيران وطالبان، تسعى إلى إثارة الصراع وربما الحرب، مؤكداً اتخاذ خطوات لمعالجة الوضع.

ووصف وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، التصعيد بين الجانبيْن بأنه اشتباك محدود، وأنه تم حله لاحقاً بعد مفاوضات مع طالبان.

إضافة إلى أن إيران قامت بفتح المعابر الحدودية التي كانت قد أغلقتها على هامش التصعيد، مثل معبر ميلك الحدودي، فيما يعتبر مؤشراً على عدم رغبتها في التصعيد مع طالبان.

وكانت إيران قد سلمت حركة طالبان السفارة الأفغانية بطهران في شهر شباط الماضي، في مؤشر آخر على رغبتها في الحفاظ على قنوات دبلوماسية للتواصل مع طالبان، رغم عدم اعترافها الرسمي بها.

تحاشي التصعيد

رغم كترة أسباب الخلاف بين إيران وطالبان، يدرك الجانبان حجم وكلفة الخسائر التي قد يتسبب فيها اندلاع مواجهة عسكرية بينهما، لذا اتجهت طهران إلى استيعاب خلافاتها مع طالبان حتى لا تفتح جبهة حرب جديدة تشغلها عن صراعها الدائر مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ولم تظهر أي استعداد لخوض معركة مع طالبان تستنزفها عسكرياً، في الوقت الذي تتحسب فيه لاحتمال تعرضها لعمليات أمنية من قبل واشنطن أو تل أبيب.

ولذلك عملت على تحاشي التصعيد مع حركة طالبان المتمرسة على شن حروب التمرد.

ومن ناحية أخرى، تتخوف إيران من أن تراجع سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان قد يصب في مصلحة تنظيم داعش، بما يمثل تهديداً مباشراً لأمنها.

فقد نشط التنظيم في الفترة الأخيرة بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الأقلية الشيعية في أفغانستان، إذ قام بتصفية حاكم ولاية بلخ، في هجوم استهدف مكتبه الواقع في مدينة مزار شريف شمال أفغانستان في آذار الماضي، وفي  نفس الشهر أعلن مسؤوليته عن تفجير حفل جرى تنظيمه داخل المركز الشيعي لتكريم عدد من الصحفيين في المدينة مما أسفر عن مقتل حارس أمني وجرح عدد من الصحفيين.

كما تتخوف طهران من استغلال طالبان للبلوش الذين يقطنون في محافظة سيستان وبلوشستان الحدودية مع أفغانستان، كقاعدة لدعم التنظيمات المسلحة المناوئة للنظام في طهران، وخاصة جيش العدل البلوشي.

حيث شكلت تلك المنطقة بؤرة تمرد كبرى خلال الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها إيران، وطالب الزعيم الروحي للبلوش بإجراء استفتاء للانفصال عن إيران، بسبب تكثيف نظام طهران استخدام العنف ضد المحتجين في هذه المنطقة.

مصالح مشتركة

رغم الخلافات التي تفاقمت مؤخراً بين طالبان وإيران، هناك العديد من التداخلات بين الطرفين تفرض نفسها على أي قرار يتخذه إي منهما، إذ تحتضن إيران ما يقرب من 800 ألف لاجئ أفغاني شرعي، إلى جانب مليوني لاجئ غير شرعي.

وفي المقابل تنظر طهران بحساسية كبيرة إلى وضع “الشيعة الهزارة” في مدينة مزار شريف الأفغانية، مما يجعل هذه الكتل البشرية، بمثابة “رهائن” يمكن استهدافها في أي نزاع موسع بين الطرفين، كما يمكن أن يشكّل هذا التداخل ورقة ضغط لردع أي طرف عن السعي نحو الحرب.

وتخشى إيران في حال وقوع مواجهات واسعة، أن تنجح طالبان في تحريك الحركات البلوشية المسلّحة في جنوب شرق إيران، حيث ترتبط هذه الحركات بعلاقات أيديولوجية مع طالبان، وتخوض مواجهات بين الحين والآخر مع الحرس الثوري الإيراني.

كما يمثل الوضع التجاري والاقتصادي ورقة مهمة يستفيد منها الطرفان في توفير مخرج مالي لكل منهما في ظل التضييق والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليهما من قبل الولايات المتحدة، وخاصة على صعيد تجارة المواد الغذائية والطاقة وتجارة المخدرات التي توفر دخلاً مالياً يستفيد منه الطرفان في تمويل العديد من مشاريعهما الداخلية.

ومع أن حجم التبادل التجاري بين الطرفين ضئيل مقارنة بحجم التبادل التجاري الذي يربط إيران مع الدول الأخرى مثل تركيا والعراق، ولكنه يبقى ممراً تستفيد منه إيران في ظل تبعات الحصار الاقتصادي عليها.

علاقات معقّدة

شهدت العلاقات بين إيران وحكومة طالبان توترات عديدة بسبب دعم طهران للتحالف الشمالي المعارض لحركة طالبان خلال الحرب الأهلية في أفغانستان، إضافة إلى الخلافات الدينية والسياسية العميقة بين الجانين، والصراع على الموارد المائية لنهر هلمند الذي يصب في بحيرة هامون في الأراضي الإيرانية.

وبعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، تراجعت فرص بناء علاقات طبيعية بينها وبين طهران، وانعدمت الاتصالات بين الإيرانيين وطالبان التي تهدد طهران علانية بقدرتها على الاستيلاء على أراض إيرانية.

وفاقمت توتر العلاقات بين الجانبين، إقامة سدّ كمال خان الذي أدى إلى شح المياه في مقاطعتي سيستان وبلوشستان الإيرانيتين، مما دفع طهران إلى اتهام طالبان بانتهاك معاهدة المياه الإيرانية الأفغانية الموقعة عام 1973، إضافة إلى هجماتها على سائقي الشاحنات الأفغان داخل إيران.

كما صعّد التدخل الغربي من توتر العلاقات بين الطرفين، حيث ترى الولايات المتحدة والدول الغربية أن زعزعة استقرار آسيا الوسطى عبر أفغانستان، سيجرّ روسيا والصين إلى مستنقع الصراع في هذه المنطقة، ويخدم مصالحه عن طريق توجيه ضربة لهما ولإيران في آن واحد.

وفي هذا الصدد يشير المراقبون إلى أن الولايات المتحدة بعد انسحابها من أفغانستان تركت كمية كبيرة من الأسلحة والمعدات لأسباب غير معروفة، إلى جانب توقيع اتفاقية سلام في الدوحة مع طالبان تضمنت اتفاقيات لم يعلن عن فحواها.

إدارة الصراع

منذ الصعود السياسي لطالبان في تسعينيات القرن الماضي، حاولت طهران أن تحدد خطوط الصراع والسلام معها، وتفهمت طالبان طبيعة العلاقة التي تربطها مع إيران، الدولة الجارة التي تختلف معها مذهبياً وعقائدياً وسياسياً، وهذه التركيبة المعقدة من العلاقات بين البلدين، أخضعت العلاقة بينهما للعديد من الاختبارات والتحديات في مناسبات عديدة.

وكان أول اختبار حقيقي عرّض العلاقة بين الطرفين لهزة عنيفة عام 1998، عندما هاجمت حركة طالبان مدينة مزار شريف شمال أفغانستان، وحاصرت القنصلية الإيرانية في المدينة، وقتلت 12 موظفًا فيها أغلبهم من وحدة النخبة التابعة للحرس الثوري الإيراني.

وردت القيادة السياسية في إيران، بحشد سبعين ألف جندي إيراني على الحدود مع أفغانستان، تمهيداً لغزو طالبان، ولكن الولايات المتحدة تدخلت وأنهت الصراع آنذاك، حيث كانت ترى أن المصلحة الأمريكية في التصدي لتهديدات “تنظيم القاعدة” أهم من السماح بنشوء بؤرة صراع جديدة في أفغانستان.

واحتفظت طهران بعلاقات جيدة مع طالبان قبل استيلائها على السلطة في كابول في آب 2021 حيث كانت مناهضة التواجد الأمريكي في المنطقة، نقطة التقاء مشتركة بين الحركة الأصولية وطهران.

وقبل ستة أشهر من استيلاء طالبان على السلطة، استقبلت طهران وفداً منها بهدف التوصل إلى اتفاقيات بشأن حقوق المياه.

وعندما استولت على الحكم في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة منها، تواصلت إيران مع المجموعة الأفغانية، ولكنها لم تعترف رسميا بحكومة طالبان، واكتفت بالمحافظة على علاقات معها بهدف التنسيق المتبادل، ولاسيما فيما يخص مسألة المياه موضوع الخلاف الدائم بين الطرفين.