لكل السوريين

قد تحدد نتائجها شكل الدخول إلى القرن الثاني.. جولة الانتخابات التركية الثانية

بعد جولة من التنافس الشديد، لم يتمكن أي من المرشحين من الحصول على النسبة المطلوبة للوصول إلى كرسي الرئاسة التركية في جولة الانتخابات الأولى.

وشكلت نتائج هذه الجولة خيبة أمل لرئيس النظام التركي الذي كان يشعر بثقة مبالغ فيهاـ حيث كان يتوقع فوزه أو أن يكون الفارق كبيراً بينه وبين منافسه الرئيسي كليجدار أوغلو.

وقبيل جولة الإعادة، يسعى كل من المتنافسين إلى توظيف أقصى طاقاته، وتلافي الأخطاء التي وقع بها في الجولة الأولى، وإلى استهداف فئة الشباب التي تمارس حق التصويت لأول مرة، وعقد مزيد من التحالفات والتفاهمات أملاً بالفوز بمقعد الرئاسة.

وبدأ المرشحان العمل على حشد المؤيدين واستمالة المترددين، قبيل هذه الجولة التي قد تشكل علامة فارقة في تاريخ تركيا.

وتحاول المعارضة التركيز على نقاط الضعف لدى أردوغان، وخاصة في الملف الاقتصادي المتردي للحكومة الحالية، وملف اللاجئين السوريين، لتتمكن من كسب أكبر عدد من الأصوات،

في حين يراهن رئيس النظام التركي على متضرري الزلزال حيث تصدّر تحالف الجمهور الذي يقوده حزب العدالة والتنمية نتائج الانتخابات في المناطق التي ضربها.

عوامل خارجية

تحظى الانتخابات التركية بمتابعة واهتمام دول الشرق الأوسط إضافة إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وروسيا.

وكان التوتر السمة الأبرز لعلاقات الولايات المتحدة مع رئيس النظام التركي، ولكن الشهور الأخيرة حملت بعض المتغيرات في هذه العلاقات مثل موافقة أنقرة على انضمام فنلندا للناتو. وقد اعتادت واشنطن على إدارة العلاقات مع أردوغان وأسلوبه ومناوراته، وبالتالي قد لا ترغب في بديل لا تضمن كيف سيدير العلاقة بين البلدين، وإلى أي حد سينجح بذلك.

ومن مؤشرات تبدل الموقف الأميركي من أردوغان، موافقة واشنطن قبل شهر من الانتخابات على بيع تركيا مجموعات تحديث نظام الاتصال، ومعدات لتحديث مقاتلات إف16 لديها.

وفي المقابل، تبدي روسيا رغبة ضمنية في استمرار الرئيس التركي في منصبه بسبب موقفه من الحرب الروسية على أوكرانيا، وعلاقاته الجيدة مع بوتين، مقابل تصريحات المعارضة التركية بالعودة إلى الموقف التقليدي الأقرب للغرب.

ويمكن قراءة مشاركة بوتين في افتتاح محطة “أك كويو” النووية، وتأجيل جزء من الدفعات المستحقة من فاتورة الغاز الطبيعي الروسي، وتسريع مسار التقارب مع دمشق، كخطوات دعم ضمني لأردوغان.

فيما يبدو دور دول أوروبا والشرق الأوسط هامشياً، وغير مؤثر في نتائج هذه الانتخابات.

أفاق مستقبلية

ستؤثر نتائج هذه الانتخابات على كيفية الدخول إلى القرن الثاني من عمر الدولة التركية الحديثة في ظل رؤيتين متنافرتين على جميع الأصعدة، بما يضعها في مخاض اتجاهين متناقضين حول الشكل السياسي للبلاد.

حيث تسعى المعارضة إلى إعادة النظام البرلماني وتقليص دور الرئيس، في حين يسعي أردوغان إلى ترسيخ نظامه الرئاسي، وتشديد قبضته على كافة المؤسسات الحكومية الأخرى.

ومن المعروف أن تركيا الحالية قامت على أنقاض الدولة العثمانية المتهالكة، قبل مائة عام بقيادة مصطفى كمال أتاتورك.

ولكن الإرث العثماني، والعلماني الأتاتوركي أصبح في غياهب التاريخ، في عهد أردوغان الذي يميل إلى محو الإرث العلماني الأتاتوركي، وإعادة إحياء الإرث العثماني.

ومع ذلك سيلقي هذا التاريخ بظلاله على المشهد السياسي المتناقض في الرؤية السياسية وملامح الهوية التركية خلال المئوية الثانية.

ويسعى حزب العدالة والتنمية جاهداً لقيادة هذه المئوية بعد أن قاد البلاد لأكثر من عقدين، بما يشكّل استفزازاً لأحزاب المعارضة التركية التي يقودها حزب الشعب الجمهوري بوصفه المنافس التقليدي لرئيس النظام الحالي، مما يعني أن التوتر السياسي سيكون عميقاً بين الطرفين.

وستساهم في تفاقمه الخطابات السياسية الانتخابية المتناقضة، انطلاقا من عمق الخلافات في الرؤية السياسية، والاختلافات العميقة بطريقة حكم البلاد خلال المئوية الثانية.