لكل السوريين

تدهور الرواتب والأجور والأسعار يولد المزيد من الفقر وانتشار الجريمة والفساد

تقرير/ اـ ن

الموظف على العموم راتبه 160 ألف ليرة سورية، إذا حسب فواتير المياه والكهرباء وثمن الخبز واجار الطرقات وحذف فواتير الموبايل وألغي الهاتف الأرضي وليس لدي آجار منزل، وحاول الاقتصاد في راتبه، وإذا لم يكن متزوجا، فراتبه لن يكفيه عشرة أيام، فكيف الحال بالمتزوجين وممن لديهم اطفال او عندهم اجار منزل إضافي.

واذا المواطن تدلل على الزعتر بعدما تراوح سعر الكلغ بين 18 الى 25 الف ليرة والغى اللبنة والتي اصبح سعر الكلغ يتراوح بين 10 الى 15 الف ليرة سورية ونسي الجبنة، واذا بقي على اكل البطاطا في الغداء ونسي فكرة العشاء، ولن يتذكر الفاصولياء ولا الباذنجان ولا الكوسا ولا البازلاء ولا الفول، وتناسى الهندباء والسلق والسبانخ وكل انواع الحشائش وابقى على ربطة بقدونس كل يومين مثلا، ولم يحتاج الى دواء طيلة الشهر، وتناسى شراء البسة جديدة الا شي قطعة كل شهر من البالة وكل شي ستة اشهر حذاء من الأنواع الاستهلاكية والرخيصة بالسوق، هذا المواطن على هذا المصروف الريجيم سيحتاج ملا يقل عن اربعمائة الف أخرى فوق راتبه ليعيش بالحد الأدنى والكفاف، وكل ذلك وهو غير محتاج الى الذهاب الى المطاعم ومحلات الرفاهية ولا المقاهي فشرب كاسه شاي او فنجان قهوة ربما يكسره ماديا طيلة الشهر، وكل هذا الامر وصل الى هنا بسبب السياسة الاقتصادية الحكومية السيئة.

نطالب منذ سنوات أن تنصف الحكومات المتعاقبة العاملين بأجر وترد لهم حقهم براتب عام 1980، بدلا من أن تقوم بتخفيضه ،وليس بزيادته ورقيا، أي أن تقوم بتعديله وفق آخر سعر صرف كي يبقى يوازي تماما مبلغ الـ 250 دولارا آنذاك، فالحكومات المتعاقبة عدلت أسعار السلع والخدمات المنتجة والمقدمة في القطاعات كافة العامة والخاصة والمشتركة مع كل تعديل لسعر الصرف، وبالتالي فعندما استثنت الحكومات المتعاقبة تعديل الرواتب والأجور بما يوازي تعديل أسعار الصرف المتلاحقة، فإن التدهور المريع للأحوال المعيشية ليس مفاجئا، بل تحصيل حاصل لسياسة متعمدة.

نعم رفع القدرة الشرائية لليرة هو في حد ذاته رفع للراتب، ولكن الأصح أن تعديل القوة الشرائية للراتب بعد كل تعديل لسعر الصرف، هو الذي يحافظ على الحد الأدنى لمستلزمات المعيشة لملايين الأسر السورية.

فالحديث عن تخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج كالأعلاف بهدف تخفيض أسعار الفروج والبيض واللحمة الحمراء ومشتقات الألبان والأجبان لأكثر من النصف، اما الحديث عن زيادة كميات الكهرباء للمعامل والمصانع بهدف تخفيض تكلفة المنتجات هو نظري بامتياز، فالحكومة تعلنها جهارا بأنها عاجزة عن تأمينها بما يفي الحاجات الصناعية والخدمية في الأمد المنظور، كما أنها تتبع سياسة تعديل أسعارها وليس تخفيضها لأي جهة كانت حتى مؤسساتها، وهاهي مؤسسة الإسمنت تصرخ عاليا بأنها مهددة بالتوقف بفعل الأسعار التي تتكبدها لقاء تكلفة الكهرباء، فالحكومات المتعاقبة خلال الأعوام الـ 13 الماضية  لم تقم بتعديل وليس بزيادة الرواتب وفق تعديلات أسعار الصرف المتتالية، فالحل بتعديل القدرة الشرائية للرواتب كما كانت عليه في عام 2010 لأننا فعليا لم نسجل أي زيادة للرواتب منذ عام 1986 كما يقول خبراء الاقتصاد السوريين ـ وأي حلول أخرى بديلة ليست أكثر من ترقيعيه.

ما من حقبة تاريخية إلا وكانت هناك كتلة ضخمة من الليرة خارج الحدود ولاسيما في لبنان ودول الخليج، ومع ذلك لم يكن لها أي تأثيرات كبيرة على القوة الشرائية لليرة أو للتضخم بوجود احتياطي ضخم من القطع الأجنبي في المصرف المركزي.

المشكلة بدأت في عام 2011 وستستمر إلى أمد غير معروف وهي تراجع واردات سورية من القطع الأجنبي، فهو الذي يرفع القدرة الشرائية لليرة ويلجم التضخم، ومصادر سورية من القطع منذ تسعينيات القرن الماضي، لم تكن من القطاع الإنتاجي بشقيه الزراعي والصناعي، بل كانت من صادرات النفط تحديدا.

ان استمرار الوضع من دون أي تحسن بمستوى الرواتب والأجور يعني مزيدا من تدهور مؤسسات القطاع العام والمزيد من خسارتها لكوادرها البشرية والفنية، والمزيد من ضعف الأداء الحكومي وترهله، وبالتالي إلى مزيد من خرق القانون وتجاوزه، والمزيد من الفقر الذي سيؤدي إلى زيادة انتشار الجريمة وتفاقمها والمزيد من الفساد.