لكل السوريين

ابراهام ميخائيل.. اكيتو ٦٧٧٣ الافضل على الاطلاق، والسبب تلاحم شعوب المنطقة وتكاتفهم

حاوره/ مجد محمد

يحتفل الآشوريون والسريان والكلدان في سوريا في الأول من نيسان من كل عام بعيد رأس السنة البابلية الآشورية، وهو أقدم تقويم بشري معتمد حتى اللحظة، او ما يعرف بعيد (أكيتو)، البابلي الآشوري الأقدم في تاريخ البشرية، فبحسب المصادر التاريخية إن عيد الأكيتو الذي يحتفل به الآشوريون والسريانيون والكلدانيون هو أقدم المناسبات، ويوافق هذا العام السنة ٦٧٧٣، ويسبق التقويم البابلي الاشوري كلاً من التقويمين العبري بألف عام، والفرعوني ب ٥٠٠ عام.

وللحديث عن تاريخ العيد، وقصته ، وطقوسه، عقدت صحيفتنا لقاء مطولاً مع الاستاذ ابراهام ميخائيل الحائز على اجازة في التاريخ، ودار بينهم الحوار التالي:

*استاذ ابراهام مرحبا بك، اكيتو بريخو، هلا تحدثنا عن اصل العيد؟

رد الاستاذ ابراهام ميخائيل رادّاً التهنئة، اكيتو بريخو، اكيتو هو اقدم عيد عرفته البشرية وهو التقويم القديم لحضارات ما بين النهرين، تاريخيا يوجد خلاف بين المؤرخين في تحديد معناه وبداية ضهوره، وبحسب المصادر التاريخية، فإن بدايات ذلك العيد تقع بين الألفين الرابع والخامس قبل الميلاد، فيما يشير عدد من المؤرخين إلى أن السومريين والساميين احتفلوا به منذ عصر أريدو أي ٥٣٠٠ ق. م، وبالذات في جنوب بلاد ما بين النهرين وباسم (زاكموك)وكان يحتفل به مرتين في العام الواحد، في الربيع والخريف، اما الساميون الذين سكنوا العراق القديم قبل وأثناء وبعد السومريين فقد اختاروا له تسمية أكيتو وتعني الحياة، ولكن المصادر التاريخية الاكثر وضوحا تشير إلى أن بدايته تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد وتحديداً في مدينة أور عند حضارة وادي الرافدين.

* بين اكيتو، وحجتو، وريش شاتم، تعددت التسميات هل العيد هو نفسه؟

بالتأكيد هو نفس العيد ولكن التسمية تختلف من قومية إلى اخرى حينذاك ، وكلمة أكيتو كانت تسمى أو تلفظ عند بعض الساميين (حجتو)وذلك في اللغة الأكادية والعربية لاحقاً، أما في اللغة السريانية الآرامية فلا تزال كلمة حج تعني الاحتفال إلى اليوم، وفي اللغة البابلية القديمة كانوا يسمون هذا العيد (ريش شاتم) وتعني كلمة ريش: رأس، و شاتم تعني: سنة ، وفي لغة (السورث) المحكية حتى اليوم في العراق وجزء من سوريا من قبل الكلدان لا يزال يلفظونها : (ريش شاتة ) أي رأس السنة

*ما بين سوريا والعراق، العراق تقول ان هذا العيد هو رأس السنة العراقية، وسوريا كذلك تقول هو رأس السنة السورية، لأي منهما؟

نعم، بالتأكيد سوريا والعراق كلاهما على حق، فالعيد هو رأس السنة البابلية السريانية الاشورية، وحينذاك سابقاً عند اصل العيد واحتفالاته كانت تحتفل فيه الحضارات البابلية والاشورية والسريانية التي كانت تقع في سوريا والعراق حالياً، فجغرافية الحضارات القديمة كانت تمتد على مدد الاراضي السورية والعراقية، لهذا فهو عيد سوري وعراقي في آن واحد

*طقوس العيد، ماذا كانت سابقا؟

اكيتو لم يكن عيدا دينيا فقط، بل سياسي حينذاك ايضاً، لأن الطقوس تتضمن تجديد حكم الملك والكاهن الأكبر، وإبداء خضوعهما للإله الذي ينعم بالقرابين والناس بالمآدب، إذ تبدأ الطقوس قبل طلوع الشمس، أي عندما يكون الظلام مخيما، فيتلو الكهنة فيه الصلوات، كما تتلى قصة الخليقة البابلية (إينوما إيليش)، وكان الادهان بالزيت من الطقوس الرئيسية، كما تقدم الأضاحي فيه للآلهة (إنانا) ولاحقاً للآلهة (عشتار)  وعدة الهة اخرى حسب كل شعب، ويحرق البخور لطرد الأرواح الشريرة، ويلجأ الناس إلى الحزن والطهارة والاستغفار والتكفير عن الذنوب، ما الملك فكان يسير في موكب محاطاً بالعظمة والأبهة من أجل إثارة المشاعر الدينية، وتذكير الناس بأنه ممثل الله على الأرض، واستعدادا لنقل الصلاحيات وتجديدها، وعند البابليين كان طقس إذلال الملك ذا مهابة وإجلال، وذلك بتجريده من منصبه وسلطاته حتى يعيدهما الكاهن الأكبر إليه مرة أخرى بأمر من الإله (مردوخ) لاستثارة المشاعر والعواطف، وليستمد الملك سلطته الدينية منه، معتمدا على الأيدولوجيا لدى العامة، فيظهر أمام الناس بأنه الحاكم الأوحد بأمر من الإله، فقد كان للأسطورة تأثير كبير في حياة الشعوب القديمة وبنوا عليها معتقداتهم، وصاغوا الملاحم لتفسير كل ما هو غامض حولهم.

*ذكرت لي ان العيد يستمر لمدة ١٢ يوماً، كيف كانت؟

نعم، تستمر الاحتفالات بهذا العيد لمدة ١٢ يوماً متواصلة، وتم تقسيم هذه الأيام إلى طقوس مختلفة، فيبدأ في ايامه الثلاثة الأولى بطقوس الحزن، ويتبعها يومان للطهارة، وطلب الغفران، ويتبعهما يوما الأمل والرجاء وهما السادس والسابع، لتنتقل الاحتفالات بعدها إلى يوم القيامة، اهم ايام الاحتفالات، وتم فيه إعلان الزواج المقدس، بينما يتم في اليوم التاسع والعاشر الترحيب بشهر نيسان، وباليومين الاخيرين مراسم تنصيب الملك، وفي سوريا اعتمدت الحضارات المتعاقبة هذا التقويم، فاستمر مع حضارات ماري وأوغاريت وتدمر وغيرها، ويحتفل بهذا العيد حتى اليوم السوريون من الآشوريين والسريان وغيرهم كما ان الآثار التي تمّ اكتشافها في سوريا والعراق تشير إلى أن أول عيد للأكيتو في التاريخ بدأ على شكل عيد للحصاد الزراعي.

*سابقاً، وفي المنطقة غالبية سكان المنطقة لم يعرفوا هذا العيد ولم يسمعوا به ابدا، اما اليوم نرى احتفالات به كعيد رسمي، تحدث لنا عن ذلك؟

في سوريا كنا نحن السريان والآشور والكلدان نحيي احتفاليات عيد الأكيتو ضمن الكنائس او دور الثقافة بشكل مختصر، لأن الانظمة الحاكمة لم تكن تسمح بأن يظهر العيد بالشكل الصحيح، نظراً لأهميته، فهو لم يكن عيداً دينياً فحسب بل له ارتباط بالثقافة والتراث وكذلك الحاكم والسياسة، كما يساهم ايضاً في توطيد اواصر المحبة والتكاتف والتلاحم بين مكونات المنطقة، ولكن اليوم وفي ضل الإدارة الذاتية، لدينا منصات اماكن وحماية، وهذا ما يؤكد روح التكاتف والتلاحم بين ثقافات المنطقة، وتعكس روح طقوس عيد الاكيتو في السابق كما كان في بابل العظمى، فاليوم شعوب المنطقة اعادت العلاقات القديمة فيما بينها، والآن تتشارك جميع المكونات مناسبات بعضها البعض الدينية والثقافية والاجتماعية، فعبر الإدارة الذاتية أعدنا احياء الوحدة الوطنية والاجتماعية والثقافية والمعرفية والأخلاقية.

*في اكيتو، كانت جميع الالهة الوثنية هي المعبودة حينذاك، واليوم السريان الاشوريين الكلدان والبابليين جميعهم يدينون بدين آخر وهو دين التوحيد؟

بالتأكيد، نحن نحتفل بهذا العيد حاليا كعيد قومي، ونحيي ارث اجدادنا واسلافنا اصحاب الحضارات العريقة، فسابقا كانت ديانتهم كما ذكرت سابقا آلهة وثنية، لأننا قدماء وحضارتنا كانت قبل الميلاد، اما اليوم حالنا مختلف فديننا مسيحيين من ابناء قومية اشورية او سريانية، وكذلك تجد اشخاص مسلمين ولكنهم ايضا ابناء قومية سريانية او اشورية او بابلية، فعيدنا قومي وقوميتنا ايضاً نعتز بها وهي مدعاة للفخر فأجدادنا بغض النضر عن ديانتهم حينذاك، فهم اول من علم الحضارة في العالم.

* ختاماً، كلمة اخيرة تحب ان تقولها؟

سأذكر شيئا قبل ان اختتم وهو ان اغنية (ام الزلف) المشهورة التي يغني لها السوريون، حيث كثيراً ما نسمع مواويل واغاني شعبية في القرى والبلدات السورية تغني (لأم الزلف) و هي الآلهة عشتار، التي يحتفل بها الآشوريون القدماء والسريان والكلدان بعيد (اكيتو)، عيد الخصب، آملين بأن تكون السنة وفيرة الإنتاج، ويرتبط هذا العيد بها كونها الأم منجبة الحياة، فحتى ان لم يكن يعرف الشعب عيد الاكيتو فهم متأثرين به، وختاما سأتقدم بالتهنئة إلى عموم الشعب باحر التهاني القلبية بحلول هذا العيد، والذي يعد من الأعياد التي تدل على بداية الربيع المتجدد والحياة، متأملاً أن تكون الأعياد القادمة اعياد خير واستقرار، وخلاص لبلادنا من الأزمات التي ألمت بها، وأن يحل الأمان والسلام على مناطقنا، وان يبقى شعبنا يداً واحدة في مواجهة كافة الظروف والتحديات، واكيتو بريخو.