لكل السوريين

عود الرمان والطريقة التقليدية للتنقيب عن المياه الجوفية في القرى الساحلية، فكيف تتم؟

اللاذقية ـ طرطوس/ سلاف العلي ـ ا ـ ن  

لا تزال الطّريقة القديمة في الاستدلال على المياه الجوفيّة بواسطة “قضبان الرّمّان” تحتلّ مكانةً مهمّة، كوسيلةٍ ناجعةٍ في تحديد موقعِ حفرِ الآبار لدى المزارعين، على الرّغم من اقتناع بعضهم بها، ورفض آخرين لها.

أنّ هذه الطّريقة في البحث عن المياه، قديمةٌ جداً. وهناك كثيرٌ من رسومِ الحضارات القديمة، تؤكّد وجود رجالٍ يقومون بهذه العمليّة وهم محاطون بشيءٍ من القداسةِ؛ لكونها ترتبط بحالةٍ من التنبّؤ، والاطّلاع على الغيب، واكتشافِ مصدرٍ من مصادر الحياة

ولا يعرف بدقة متى بدأ الإنسان بممارسة الكشف عن مخابئ المياه عبر التاريخ ولكن يعتقد أنها تعود إلى 8000 سنة مضت، حيث عثر على نقوش مرسومة على جدران كهوف تيسيلي المكتشفة في شمال أفريقيا يرجع تاريخها إلى 8000 سنة تصور رجالاً من القبيلة يحيطون برجل يحمل عصا بشكل شوكة، ويفترض أنها استخدمت للكشف عن مخابئ المياه، كذلك تم العثور على أعمال فنية قديمة من الصين ومصر تصور أناساً يستخدمون أدوات على شكل شوكة لنفس الغرض.

لقد اعتاد أهالي القرى الساحلية قديما عندما تقل الأمطار ويحل الجفاف، البحث عن المياه الجوفية وحفر الآبار وكان بينهم من يمتلك القدرة والخبرة لاستكشاف اماكن المياه الجوفية مهما زاد عمقها وقلت كميتها باستخدام غصن من الرمان.

وهذه الطريقة، تنشط غالباً في وقتِ الجفاف ما بين “آب” إلى “تشرين الثّاني”، ويتمّ البحث عن المياه في وقتِ الصّباح الباكرِ، وعند الغروب، وفي ساعات اللّيل المُتأخّرة

ويؤكد الأجداد أن لغصن الرمان حساسية كبيرة تجاه المياه الباطنية حيث يبدأ هذا الغصن بالارتجاف التدريجي كلما اقترب المنقب من موضع المياه في مساحة مربعة تصل إلى مترين وهو قادر على اكتشاف المياه الجوفية حتى في حال وصل عمقها إلى مئة متر ولهذا فإن الأعراف الشعبية تؤكد أن غصن الرمان لا يخطئ أبدا.

السيد أبو فهد، وهو مشهور، باستعماله قضيب الرمان في التنقيب عن المياه الجوفية، يقول عن طريقة العمل: “نختار قضباناً غضّةً، وغيرَ سميكةٍ، وانسيّابيّةً، من أجل سهولة الالتواءِ والمسكِ بلا مُقاومةٍ، وتكونُ بطولِ مترٍ واحدٍ أو أقلّ أو أكثر من ذلكَ بقليلٍ”.

ويتمّ مسكُ قضيبي الرّمّان بطريقةٍ مُحدّدةٍ بعد ربطهما بخيط نايلون في الطّرف الحرّ، حيث تأخذ شكل حرف v، وتكون راحةُ اليدِ للأعلى، ويتمّ إسنادهما بواسطة الخاصرة بعد لَيّ الطّرف الممسوك بشكلِ حرف اللام. ويجب ألا نضغط كثيراً باليد عليهما كي نمنحَهما حرّيّةَ الحركةِ، والتّأثّرَ بمجرى المياه والينابيع. وعند الاقتراب من نبع ماءٍ نشعرُ بخدرٍ بسيطٍ، و”تنميلٍ” في اليدين، ثمّ ترتفعُ القضبان تدريجيّاً. وعندما يكون النبعُ غزيراً جدّاً فإنّ القضبان قد ترتطمُ بالأنفِ أو بالجبهة.

ولكن أحياناً قد يرتفعُ القضيبان بشكلٍ مُخادعٍ، ويشيران إلى نبعٍ قويّ في وقتٍ لا يُوجد فيه أيّ نبعٍ؛ وهذه الحالة: “ضربٌ على الفراغ”؛ وحقيقة السّبب هو أنّه كان يوجدُ نبعٌ في السّابقِ، ولكنّه جفّ حاليّاً..

ويقول السيد فاتح: “إنّ 70 بالمئة من المياهِ الجوفيّة في أراضينا بشكلٍ عامّ تتّجهُ من الشّرق إلى الغرب، و30 بالمئة منها تتجّه من الجنوب إلى الشّمال، وتشكّل نقطةُ تقاطعِ هذين المجريين أكبرَ درجةٍ من غزارة المياه، وغالباً ما تكون هذه النقاط هي مكانُ حفر الآبار بنسبةِ نجاحٍ عاليةٍ، وتكون بغزارة 5 إنشات، وهي تكفي لري المحاصيل الزّراعيّة والحمضيات”.

ويقول المهندس الزراعي السيد سميح: “تُسمّى هذه الطّريقةُ علميّاً باسم “الاستنباء المائيّ” أو “الاستطلاع”؛ وهي الكشفُ عمّا يُوجَد من مياهٍ تحت الأرضِ بواسطة عصا طبيعيّة أو معدنيّة”.

ويعتمد هذا على وجود بلوريّاتٍ مغناطيّسيّةٍ في الدّماغ البشريّ تُسمّى “البلوريّات القابلة أو المُتقبّلة”، ويؤكّد العلماء أنّ الأشخاص الّذين لديهم حساسيةٌ لحالات المغنطةِ هذه، يملكون في دماغهم ما يصل إلى 85 مليون وحدةٍ من هذه البلّوريّات.

وفي حالِ اكتشاف النّبع، أو المياه الجوفيّة تُرسَلُ إشاراتٌ مغناطيّسيّة إلى عضلات الباحثِ عن المياه، ما يؤدّي إلى اهتزاز القضيبِ أو العصا المُستخدَمة، وبالتّالي تتحرّك مُشيرةً إلى مصدر المياه. ولكن لا بدّ لنجاح العمليّة من معرفةِ الشّخص بتضاريسِ منطقتِه، وطبقات الأرضِ، إضافة إلى وجود الاستعدادِ المغناطيسيّ في دماغه.

ويشيع في قرانا أنّ هناك علاقةً معيّنةً بين زمرة دم المُستكشِف عن الماء، وبين الماء. ولكن لا يوجد دليلٌ علميّ يؤكّد هذا الأمر على الرّغم من أنّ النّجاح الأكبر يحدثُ عند أولئك الحاملين لزمرٍ دمويّة معيّنة؛ وخصوصاً زمرة الدّم o السّلبيّ والإيجابيّ».