لكل السوريين

سوريا.. حكومة جديدة وأسدٌ هارب إلى الأمام

في أول كلمة لرئيس النظام السوري بشار الأسد أمام حكومة عرنوس الجديدة بدا وكأنه مرتاحاً وكعادته لم تخلو كلمته من عبارات الاستفزاز والسخرية والتنظير ، وحتى النكت الساذجة،

ما جاء في كلمة الأسد هو استكمال لما بدأه حلفاءه الدوليين روسيا والصين من خلال إعادة تدوير هذا النظام وتقديمه للعالم بشكل مختلف، وهذا يتطابق مع ما صرحت به واشنطن بأنها ليست بصدد تغيير النظام السوري إنما تريد منه إصلاحات  جوهرية، ولكن فعلياً ما قدمه النظام من انتخابات هزلية أعادت وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم، وكذلك تشكيل حكومة على غرار الحكومات السابقة كل هذا لا يوحي أبداً بوجود تغيرات جوهرية، ولكن هذا النظام كعادته يريد أن يسوق لنفسه بطريقة إعلامية مبتكرة، وذلك من خلال الجرأة في الطرح الذي قدمه بشار الأسد في حديثه إلى الحكومة الجديدة، و إذا ما قرأنا ما يجري على أرض الواقع بدقة نجد أن خطاب الأسد منفصل تماماً عن الواقع، وكأننا نتحدث عن كوكب آخر، ولم  يخلو طرح الأسد بما يخص اللامركزية من فخ جديد يريد به الالتفاف على المشروع المقدم من  الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي تعتبر أكبر منافس للأسد سياسياً على الساحة الدولية في ظل ترهل المعارضة وتحولها إلى مرتزقة وأدوات رخيصة في يد الخارج، والإدارة الذاتية قدمت مشروعاً واضح المعالم، ويعتبر مشروعها هو الحل الأمثل لما تعاني منه البلاد في السنوات الأخيرة، أما على أرض الواقع نجد أن مؤسسات الأسد العسكرية والأمنية والمليشيات الرديفة لهن قد بدأوا بتطبيق اللامركزية وفق مفاهيم خاصة ووفق مصالحهم، فكل مليشيا تقيم حواجز عسكرية لها مستقلة عن البقية، وكل مليشيا تفرض قوانينها وضرائبها الخاصة دون الرجوع إلى الحكومة المركزية في صورة تشرح مدى التفكك في بنية هذا النظام ومؤسساته الأمنية والعسكرية، مما زاد من معاناة الشعب السوري في مناطق النظام حتى المؤسسات الاقتصادية في مناطقه أصبحت تدار بعقلية مافياوية مستقلة عن الحكومة، وذلك من قبل أشخاص متنفذين من النظام.

و حديث الأسد عن الشفافية أمام المواطن فيه الكثير من المعاني فبعد أن تحدث عن إشراك المواطنين في صنع القرار التف على الموضوع وطرح ضرورة إن يكون المسؤولين شفافين مع المواطن السوري، ووصل إلى الخلاصة وهي “أن يتفهم المواطن الظروف وأكد أنه سيتفهم” ولكن هل نظام الأسد قادر على فهم الظروف التي تمر بها سوريا وخطورة ما يقود إليه البلاد؟!!

ولم ينسى الأسد الحديث عن إصلاح نظام الضرائب ومكافحة التهرب الضريبي فيما يبدو أنها رسالة وتوضيح لما جرى مع شركة الاتصال الخلوي سيرياتل، والمملوكة لابن خاله رامي مخلوف، والذي خرج عن صمته وكال الاتهامات للنظام السوري بسرقة أمواله وشركاته، وذلك عبر فيديوهات بثها من خلال حسابه على الفيس بوك.

وفى نفس الكلمة أقر الأسد عدم إمكانية عودة الأوضاع في سوريا إلى سابق عهدها، وهذا التصريح جاء بعد أن رضخ الأسد لخطط حلفاءه، وفي مقدمتهم الصين التي يبدو أنها تريد إكمال ما بدأته روسيا واستلام زمام المبادرة لإعادة إنعاش هذا النظام اقتصاديا بعد أن استطاعت روسيا تأمينه عسكريا، إقرار النظام بهذه الحقيقة هي بوابة لإعادة هيكلة سوريا عسكريا واقتصاديا وربطها تماماً بالصين وروسيا، والأسد يعني ما يقول تماما فسوريا التي يسعى إليها الأسد ستكون وفق تصوره مفصلة على مقاس نظامه وحلفائه وداعميه الدوليين، ونجد فعلياً أنَّ الأسد لا يسعى لإعادة سوريا لما كانت عليه أبداً، حتى المناطق المحتلة من قبل تركيا لم يذكرها  الأسد في كلمته إما ناسياً أو متناسياً وكأنها خرجت من خارطة سوريا الأسد ، وكذلك أيضاً لم يتحدث عن المجاميع الإرهابية التي لا زات تنتشر في إدلب وغيرها من مناطق الشمال،٠و كالعادة لم يفاجئنا خطاب الأسد المنفصل عن الواقع، وكأنها محاولة منه للهروب إلى الأمام، أو وضع العراقيل والعصي في عجلة المشاريع الأخرى كمشروع الإدارة الذاتية والذي يعتبر أكبر تهديد لمنظومة الاستبداد التي قام عليها حكم البعث وآل الأسد.