لكل السوريين

قبل 4 عقود.. مباراة أشعلت حربا بين دولتين، ماذا تعرف عنها!

الشرارة الصغيرة التي لا يعيرها أحد أي اهتمام قد تشعل حريقاً كبيراً إذا ما اصطدمت بمادة ملتهبة. أما صفارة الحكم بالملعب فقد تحقن المشاعر بحماسة الى القتال أكثر من قرع طبول الحرب.. هكذا، وفي كل ساعة يزيد فيها احتدام الأجواء بين مصر والجزائر، يتذكر العالم، غداً بالذات (الأربعاء 18-11-2009)، حرباً استمرت 100 ساعة قبل 40 سنة بين دولتين جارتين في أمريكا الوسطي وانتهت بكارثة: أكثر من 4000 قتيل، معظمهم مدنيين، ومعهم 10 آلاف مشوّه و120 ألف مشرد، ودمار مئات البيوت والمنشآت التي تزيد قيمتها اليوم على ثمانية مليارات دولار، وكله بسبب شرارة صغيرة من مطاط تقاذفتها الأقدام فوق عشب يوحي لونه بالسلام.

يكتبون عن “حرب الكرة” بين هندوراس والسلفادور أن المباراة الكروية بينهما لم تكن سوى فتيل للحرب. أما السبب الغافي ذلك الوقت تحت الرماد فكان سيطرة نافذة وقوية لمجموعة من الاقطاعيين على معظم الأراضي الصالحة للزراعة في السلفادور المكتظة بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة زمن الحرب في 1969 على مساحة 12 ألفاً و600 كلم مربع، ما سبب بهجرة أكثر من 300 ألف من فلاحيها الفقراء الى جارتها هندوراس، الفقيرة مثلها، ما زاد من نسبة البطالة في البلاد التي كان سكانها مليونين و233 ألف نسمة، لكن مساحتها تزيد على 70 ألف كلم مربع.

وباحتدام الأمور بين الدولتين قبل المباراة قررت حكومة هندوراس حظر امتلاك الأراضي على مواطني السلفادور، كما طرد سلفادوريين عاشوا فيها لأجيال، وعلى أثرها انقطعت من بعدها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الى درجة أن الرئيس الأمريكي الراحل، ليندون جونسون، تدخل شخصياً في ما بعد لاعادتها بعد كد وتعب، لأن وسائل الاعلام في البلدين كانت تزيد في الطين بلة، فلعبت دوراً مهماً في احتدام الأمور، وشجعت على الكراهية بين الهندوريين والسلفادوريين، تماماً كما يحدث الآن في الحقن الإعلامي للمصريين والجزائريين قبل مباراة الغد الحاسمة بين منتخبيهما في الخرطوم.

الغضب ينزل الشارع

تصفيات بطولة كأس العالم بكرة القدم لعام 1970 حملت هندوراس والسلفادور الى مواجهة حاسمة لتحديد الفريق الذي سوف يتأهل الى المباراة النهائية التي تقرر أقامتها على ملعب في المكسيك، فجرت المباراة الأولى بين البلدين في 8 يونيو (حزيران) 1969 في العاصمة الهندورية، تيغوسيكالبا، وفيها فازت هندوراس على السلفادور 1 صفر، لتفوز الأخيرة 3 صفر على أرضها بعد 19 يوما، فاحتكم الطرفان الى مباراة فاصلة بينهما على ملعب “أزتيكا” في العاصمة المكسيكية، حيث فازت السلفادور 3/2 في الوقت الاضافي فصعدت الى الدور النهائي للتصفيات، وعلى أثرها نزل الغضب الهندوري الى الشارع.

هندوريون بالآلاف راحوا يعتدون على الفقراء السلفادوريين المقيمين عندهم. وتطورت الأمور الى مهاجمة أحياء يقيم فيها السلفادوريون ممن اضطر معظمهم للفرار الى بلادهم تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم، وسريعاً تقدمت السلفادور بشكوى لدى الأمم المتحدة وهيئة حقوق الانسان ومنظمة الدول الأميركية (اي.ايه.أو) خصوصاً بعد انتحار فتاة سلفادورية تحولت الى بطلة وطنية شبيهة قصتها بالايرانية ندا أقا سلطان، فكان لابد للحرب من أن تقع.

وبدأ القتال فجأة برا وجوا في 14 يوليو (تموز) ذلك العام، وانتشرت القوات البرية للجيشين على طول الحدود، وبدأ القصف المدفعي عشوائياً من الطرفين على القرى والبلدات في البلدين، وانتهكت طائران هندوراس أجواء السلفادور مرات مرات، فردت السلفادور بهجوم بري واسع النطاق حمل قواتها لأن تتوغل مسافة زادت على 60 كيلومتراً داخل الأراضي الهندورية، لذلك ردت هندوراس بغضب: راحت تقصف مدينتي سان سلفادور وأكابوتل بالقنابل، فقتلت مئات المدنيين. ولم تنته “حرب الأيام الأربعة” بين الجارتين اللدودتين الى الآن الا بعد وساطات وتدخل من دول مهمة، ثم راحت كل منهما تلملم أشلاءها وتعيد دراسة ما جرى، لأنه كان درساً قاسياً تعلمته، هي ووسائل إعلامها، لذلك تختلف مباريات كرة القدم في البلدين، ومنذ زمن بعيد، عن سواها في عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية، فالخسارة أو الفوز يليها كرنفال من الفرح في معظم الأحيان.

وكالات