لكل السوريين

الأديب خليل الإبراهيم: “وجود الكثير من أدباء الرقة خارج البلاد جعل الحراك الأدبي بين خفوت وارتفاع”

حاوره/ عمار الحميدي
اعتبر، الأديب السوري، خليل إبراهيم، أن الرقة مدينة ناهضة من بين الرماد، فهي لا تزال تنفض تعبها وألمها، فالرقة بعد الـ 2017، تراوحت فيها الحركة الأدبية بين الخفوت والارتفاع.
وكانت الحركة الأدبية قد شلت بشكل كامل في الرقة إبان سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة على المدينة، وبعد التحرير عادت الحركة الأدبية للبريق مجددا، بسبب الأنشطة الثقافية التي أعادت للمدينة رونقها الثقافي.
وحول هذا الموضوع ومواضيع أخرى أجرى مراسلنا حواراً مع الشاعر كما يلي:
ـ ما هي التطورات التي شهدتها الحركة الشعرية بالرقة منذ عام 2017؟
بداية دعنا لا نتوسع في التقييم فالرقة بعد 2017 تعتبر مدينة ناهضة من بين الرماد فهي ما تزال تنفض تعبها وألمها، لذلك سنقول باختصار أن الحركة الأدبية بشكل عام والشعرية بشكل خاص ما زالت في محافظتي الحبيبة تتراوح بين خفوت وارتفاع، وقد ساعد على هذا التذبذب وجود الكثير من الشعراء الذين يمتلكون القدرة والخبرة خارج نطاق المحافظة.
مع احترامي لمن آثر البقاء فيها وهم المناضلون حقاً، ولكن يا صديقي مع انطلاق بعض الفعاليات الأدبية بدأت الحركة الشعرية والأدبية تأخذ سياقاً صاعدا، وخصوصاً بعض المنتديات الأدبية دون تخصيص، حيث كان لها دور فاعل في إعادة تأهيل الحركة من جديد وإعطاؤها شيئاً من الاندفاع.
وهنا لا يسعني إلا أن أطلب من أبناء المحافظة ولا سيما المنتمون إلى الأدب من قريب أو بعيد أن يرفدوها بما لديهم من طاقة وألا يبخلوا عليها فهي لم تبخل عليهم يوما.
ـ مشروع منظمة رؤيا (ثقافة لمدينة تعيش بعد الحرب).. ما هي مخرجات قسم الشعر العربي؟
بالنسبة لمنظمة رؤيا ومشروعها الجميل (ثقافة لمدينة تعيش بعد الحرب) كان انطلاقة حقيقية لدعم الحركة الثقافية في محافظة الرقة رغم الإمكانيات البسيطة في تنفيذ العمل والسبب في ذلك عائد إلا الصعوبات التي واجهتها المنظمة في إيجاد الروافد الحقيقية للعطاء الثقافي، ومع ذلك استمرت المنظمة في طريقها. فواجهتنا في الشعر بعض الصعوبات منها قلة القادرين على كتابة الشعر الفصيح سليماً من الأغلاط اللغوية والنحوية وذلك عائد إلى انقطاع معظم المتدربين عن الدراسة لأكثر من عشرة أعوام إلا قلة قليلة منهم.
كما واجهتنا مشكلة المخزون الثقافي واللغوي وعدم قدرة بعض المتدربين على مجارات البحور الشعرية لقصر مدة المشروع. لذلك أقول برأي شخصي على اعتبار أنني كنت أحد مدربي الشعر في هذا المشروع: لقد أنجزنا الكثير وكانت المخرجات جيدة هناك شعراء امتلكوا الموهبة فأبدعوا ومنهم من لم يمتلك زمام الأمور جيدا ولكنه مع ذلك تعب وصار في النهاية متذوقا للشعر والأدب.
ولعل الأيام القادمة كفيلة بتعليمه وإعطائه القدرة على النظم. وهنا دعني أقدم الشكر لمنظمة رؤيا لما بذلته من جهد مضنٍ مدة ستة أشهر كاملة.
_سعيد السراج، حسان الشمطي، أحمد اللهلو، شعراء رقيّون يهمنا معرفة رأيك بنتاجهم الأدبي؟
بالنسبة للشعراء الذين ذكرتهم يبقى رأي بهم رأي شخصي لأنني لست في صدد تقييمهم فمن أنا حتى أعطي شاعراً من الشعراء تقييماً. فكل منهم له أسلوبه الخاص والمختلف عن الآخر، لكنني أقول لك:
سعيد السرّاج: شاعر حداثيّ مبدع يسير بخطأ وئيدة في الطريق الصحيح يمتلك القدرة على إنتاج الصورة الشعرية البديعة التي تشد الانتباه إليها فتنغرس في مُخيّلة القارئ، ولعل الأعوام القادمة كفيلة بإعطائه حقّه من الجماهيرية. وكذلك أتوقع أن الأعوام القادمة كفيلة بتجلية اسمه على المستوى العربي.
أما حسّان الشمطي: أستطيع القول وبثقة أنه شاعر اتّباعي يمتلك أدوات عالية في الموسيقا والمخزون اللغوي وجزالة اللفظ ومتانة المعنى، وذلك في مختلف أغراض الشعر العربي الأصيل وأحب في شعره الحكمة والاعتبار.
أمّا أحمد اللهلو فرغم تعرفي عليه خلال فترة التدريب في منظمة رؤيا لكنني شعرت أنني أعرفه منذ وقت بعيد، لديه أسلوب شيق وجزالة لغوية، يحاول جاهداً أن يوازن بين الحداثة والتقليد. أرجو أن تمنحه الأيام حقه في التقدير وألا ينشغل عن الشعر بالعمل الخاص.
_إبراهيم الخليل، كاتب كبير شغل عضوية الكثير من لجان المسابقات وحالياً حكم وميزان لكل ما يكتب بالرقة، ماذا استفدت كشاعر لا كابن من ذلك؟ وما هي السلبيات التي واجهتها؟
بالنسبة لـ إبراهيم الخليل فأنا لا أعتبره والداً فحسب، بل هو النعمة التي منحنيها الله لكي تنير لي درب العلم ولا سيما اللغة العربية، هو المكتبة المتنقلة التي جمعت القديم والحديث فلم تترك شيئاً من اللغة العربية إلا وكانت حفيّة به.. لذل إذا تحدّثتُ عنه فللحديث شجون ولن ينتهي بحوار واحد. لذلك دعني أقتصر على مجال الشعر.
تعلّمت على يديه حب اللغة العربية ولا سيما المترادفات فبدأت أكون لديّ مخزوناً لغوياً من المعاجم اللغوية في مكتبته الثرة واللي جمعت بين رفوفها أكثر من 6500 كتاب.. كما حبّبني بالأدب الصوفي القائم على الرموز والإبداع في الصورة ولكن بعيداً عن الشطح والإيغال.
ولكنني مع دخولي لمجال الأدب بدأت أتّخذ لي منحى خاصا بعيداً عن أسلوبه فأنا محب للجزالة والشعر العمودي أشعر أنني قريب من الاتباعية إلى درجة كبيرة مع بعض التأثر بالأسلوب الصوفيّ. أما والدي فهو حداثي وبجدارة بل أقول هو اتخذ منحى ما بعد حداثي وأصبح أسلوبه لا يماثله فيه أحد وهذا ليس رأيي بل رأي كل من قرأ له.
أكثر ما واجهني من سلبيات أنني كلما دعيت إلى أمسية أو تجمع ثقافي للإلقاء كان المتواجدون من أبناء المدينة يظننوني ظلا لأسلوبه رغم الاختلاف فيما بيننا سواء بالأسلوب أو الخبرة.. فتبدأ المقارنة.. ولكن والحمد لله مع توالي الأيام بدأ المثقفون والقرّاء يلتفتون لهذا الاختلاف فيعطون نصوصي أسماعهم دون خلط بيننا.
_لديك نتاج شعري غزير فلماذا لم تصدر ديوان شعري؟
أستطيع القول يا صديقي أنّ الحياة الثقافية لدي تنقسم إلى مرحلتين: الأولى تبدأ منذ كان عمري خمسة عشر عاماً وحتى انتهاء الدراسة الجامعية كنت فيها أكتب الشعر ولكن مع دخولي إلى مسرح العمل باعتباري مدرّسا للغة العربية انشغلت عن كتابة الشعر وأصبح لدي عشق جديد وهو تدريس اللغة العربية فكنت مدرساً بل أبا روحيا لطلابي وهذا الانشغال أنساني الشعر فترة طويلة تجاوزت خمسة عشر عاماً.. ومنذ بلغت الأربعين من عمري عاد لي زخم الكتابة الشعرية بقوة والآن أصبح ديواني الأول جاهزاً للنشر ولعل الأشهر القادمة ستشهد ولادته.
_ما هي أحبّ قصيدة إليك وماهي الظروف التي ولدت فيها؟
بصراحة سؤالك صعب كثيراً. فقصائدي كلها عزيزة علي.. ولكن هناك قصيدة لها وقع خاص في قلبي كتبتها عندما سافرَتْ زوجتي وأبنائي إلى دمشق للسياحة وكانت المرة الأولى التي يبتعدون فيها عني.. كتبتها بصدق متفانٍ أسميتها (يا لاعج الشوق)، أقول في بدايتها:
**** يا لاعِجَ الشّوقِ ****
الـلَّـيـلُ يمـضِــي عـلـى لأْوَائِــه رَهَــقـا والشَّـوقُ أورى حـنيـنَ القلبِ فاحتـرقـا
صِنْــوَانِ فـي الرُّوحِ أوجــاعُ وقــافِـيـةٌ هـذي تَـصـولُ وتـلـكَ تـعْــزِف الأرقَـا
والصَّـمـتُ في مَسمعـي الولهـانِ يقتلني مُنـذُ استبـاحَ النوى حصني ومـا رَفَـقـا
ما عـادَ في الدار ما ألِـفْـتُ مـن ضحـكٍ هــذا يُـنـاغـي وأخـرى تَـرسـم الشفـقـا
والأمُّ تَحـتَـضِنُ الأقــمـار فــي شَـغــفٍ جَـذلـى تُضَاحِـك وجْـهَ الصُّبـحِ إذ ألِقـا
وتَـنْـثُـرُ اليُـمْـنَ فِـي الأَرْجـاءِ تَغْمُـرُهَـا فَيْضـاً مِـنَ الحُـبِّ لاقى العَـزمَ فاندفقَـا
هُم غـادروني إلى أرضِ الـشـآمِ رضًـا يـا ليـتـني مـا رضيـتُ البـعـد والقـلـقـا
قـالُـوا: أســـابــيــعَ، آهٍ كَــم تُـكـلّــفُـنِـي تِـلْــك الأسَـــابــيـعُ آلامـــاً ومُـخْـتَـنَـقـا
لـم يـمـضِ يـومـانِ حـتَّى كـادَ يُبْرِحُنِي شَــوقٌ أصــمُّ يـبُــثّ الـغَـــمَّ والـحَـنَـقـا
يـلـوي بـعَـزمِ الـجَـنـانِ عــن تـصبُّـرهِ كـأنّـنِـي ثَـمِـلٌ مِـنْ حُــزْنِــهِ اغْــتـبـقـا
الشاعر في سطور:
خليل إبراهيم الخليل مواليد:1977 الرقة ـ سوريا
ـإجازة في اللغة العربية من جامعة حلب لعام 1999م ـ دبلوم اختصاصي في اللغات السامية لعام 2001م.
– تدريس اللغة العربية في مدارس مدينة الرقة ومعاهدها منذ أكثر من 23 سنة
– العمل محاضراً في كلية الآداب قسم اللغة في جامعة الفرات لمدة عام 2008
– العمل مع مشروع Youth College كمدرس للغة العربية لمدة 6 أشهر 2021
– العمل مع مشروع إنجاز كمشرف على العملية التدريسية لمدة شهرين 2018
– مدرّب شعر في مشروع (مدينة تعيش بعد الحرب) لمدة ستة أشهر عام 2022
– حائز على جائزة ربيعة الرقي للشعر سنة 2008