لكل السوريين

نباشو القمامة في اللاذقية ما بين مطرقة تأمين سبل العيش وسندان الأمراض

اللاذقية/ سلاف العلي 

 

بعد تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية في سورية عموما وفي الساحل السوري خصوصا، إذ تبلغ نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر ما يقارب ال 75% استنادا للأسعار الأساسية وموارد الدخل، وتبلغ نسبة العائلات الواقعة تحت حد الجوع 30% من إجمالي العائلات الواقعة تحت خط الفقر، وذلك لعدة اعتبارات، أهمها عدد أفراد العائلة العاملين، وأسعار الصرف المتغيرة، بحسب إحصائية أعدتها الأمم المتحدة. ومن المظاهر المترفقة لهذه الأوضاع الكارثية، بات من المألوف رؤية أطفال حول الحاويات في اللاذقية ومكبات النفايات على أطراف شتى المناطق باللاذقية.

تطلع صباحا البنت فايزة 12سنة برفقة إخوتها الأربعة، لجمع ما يمكنها من داخل حاويات القمامة الموزعة في المدينة، ويبيعون ما تم جمعه هي وأخواتها للتجار المختصين بتجميع بقايا النفايات، وهنالك شبكة كبيرة من النباشين تديره كل من يعمل بتجميع النفايات وتدير المكبات وتوزعها فيما بينها، يتوجه النباشين من أطفال او غيرهم إلى مكبات النفايات بأكياسهم الفارغة، ومن الصباح الباكر، ثم يعودون حاملين على ظهورهم تلك الأكياس وقد امتلأت بما تيسر، وما يفيد في تامين اكلهم وشربهم.

فارس وهو صاحب دراجة نارية، يقوم بجولته اليومية مع زوجته مساء بعد الساعة العاشرة صيفا وبعد الساعة السابعة شتاء، يدورون على حصتهم من الحاويات، وينبشونها حاوية حاوية, ويجمعون مكاسبهم من أكياس القمامة  الموجودة بالحاويات او في الطرقات المخصصة لهم, وجدير بالذكر انهم يعملون بهذه المهنة وتجميع ما يفيدهم من القمامة منذ اكثر من 10 سنوات.

ميثم طفل عمره 13سنة، ينطلق بصحبة عدد من 6اطفال، ويوزعون العمل بينهم على الحاويات المسموحة، وأحيانا يقصدون مكب النفايات خارج المدينة، طبعا إذا سمح لهم بالنبش والتفتيش، حيث يقومون بنبش النفايات بحثا عما يمكن بيعه من مواد، البلاستيك وأنواعا متعددة من المعادن والملابس والأحذية المهترئة، وغيرها مما يمكن أن يستفيد منه إما ببيعه وإما باستعماله كحل بديل عن الوقود في الشتاء, اما المكب فهو مقسم وموزع بين أصحابه من المافيات المختصين بنبش القمامة وهم معروفين على مستوى المحافظة ولديهم شبكات طويلة من الأطفال ومن الرجال والنساء النباشون.

تدخلنا مع احد الأطفال وكان ينبش في احدى الحاويات لوحده، ومعه أكياس الفارغة ليملؤوها، لكن ما لفتنا انه يأكل من احد الاكياس , حيث ان الحاوية موجودة قريبة من احد مطاعم المدينة ويبيع الفول والحمص والفلافل,  فسألناه عن اسنه وشو قصته, فقد طلب عدم التصوير , وطبعا لم يذكر لنا اسمه الحقيقي , انما ذكر اسم اخر, حاولنا ان نعطيه ثمن سندويشة  فلافل, بدلا عن تناوله البقايا,  واخبرنا انه لم يدخل المدرسة بحياته وهو امي ولا يعرف يمسك القلم, لوعليه ان يجمع ما يمكن تجميعه من الحاويات المسموحة,  بعد ان يقوم بتجميع النفايات وبيعها، وصرف ما يجمعه من مال في تأمين الاحتياجات الأساسية لأهله، وعلق تعليقا مهما, نحن لا يمكننا ان ننبش بالأكياس  وبالحاويات في حارة تانية, واذا شافونا فورا يضربوننا ويطردوننا , كل شيء مقسم وموزع بشكل مرتب, لا يكننا ان نلعب معهم, فسألناه من هم هؤلاء ,فأجابنا : كبار المعلمين, عندهم زلمهم ومعاهم سلاح, هدوا ما في مزح معهم , وهم انفسهم مسؤولين عن كل ما بيشغل بفتح أكياس القمامة والحاويات, المهم عندانا نستطيع ان نساعد أهلنا في تأمين اكلنا وشربنا وبعض  الحاجيات الأساسية.

احمد طفل في الأربعة عشر ربيعا، عرفنا عليه زميله في النبش ميثم، قال انه لم يتوقف عن العمل هذه الأيام، رغم سعاله المتواصل ووجع راسه، لأنه كان يبقى وقتا طويلا بين الروائح الكريهة والعفن والغبار، فيما تنتشر الحشرات والجرذان والكلاب الشاردة، بكثرة عند المكبات, ويعلق على حالته والوضع, بدنا نعيش بدنا نشتغل او بدنا نموت.

نبش القمامة لا يقتصر على الأطفال، وإن كانوا الأكثر تأثرا من الجانب الصحي والنفسي، بل يعتبر مهنة للعديد من الشبان أيضا في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وسط تجاهل وعجز السلطات المحلية عن احتواء هذه الظاهرة المأساوية.

الطبيب الاختصاصي بالأمراض الجلدية عارف، المقيم في مدينة اللاذقية , اقتحمنا عيادته, وطلبنا منه بعض توضيحات طبية حول هذه الظاهرة , بعد ان وعدناه الا ننشر اسمه , ولا مكان العيادة بالضبط,، وقال لنا: إن القمامة بما تحويه من بقايا الطعام والأطعمة التالفة، والحيوانات النافقة، وفوط الأطفال المتسخة، وفضلات الحيوانات، والأثاث التالف، والركام الناجم عن انهيار أو هدم المباني، إضافة إلى الفضلات الطبية، مثل المحاقن، والإبر، والمباضع والشفرات المستعملة، والمواد الكيماوية المستعملة في الطب مثل المواد المطهرة وغيرها، تعرض الشخص العامل في جمع النفايات لأمراض متعددة.

وأهم تلك الأمراض هي الكزاز والكوليرا والأمراض الجلدية الفيروسية والتحسسية، كما تعرض الجهاز التنفسي لأمراض كالربو والتهاب الحلق والبلعوم وذات الرئة والتهاب الجيوب الأنفية، وأن داء المقوسات واليرقان والسحايا والتهاب الكبد والأمعاء، من أكثر الأمراض التي يسببها هذا النوع من العمل، وخاصة بالنسبة للأطفال، نظرا إلى ضعف أجسادهم ومناعتهم.

وأخيرا من الضروري جدا الابتعاد عن هذه المهنة، والاستعاضة عنها بمهن أخرى أقل ضررا، وتفعيل دور الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لمساعدة هؤلاء، وإنشاء مشاريع تنموية تساعدهم على مواجهة ظروف الحياة الصعبة ومخاطر المرض والأوبئة.