لكل السوريين

عقب عودة التصعيد على الحدود السورية التركية، هل سيكون هناك صِدَامٌ مرتقب؟

حاوره/ مجد محمد

شهدت الأشهر الماضية عمليات إعادة انتشار ودمج لنقاط عسكرية تابعة للاحتلال التركي في مناطق شمال غرب سوريا، وهي نقاط تأسست بموجب اتفاق تركي روسي عام ٢٠١٧ ضمن محادثات ما يعرف بمسار أستانة، واتاح الاتفاق لتركيا بالتوسع في نشر نقاط عسكرية في مناطق التماس ضمن مناطق هذا الاتفاق المعروف باسم منطقة بوتين اردوغان.

بعملية طردية التصعيد العسكري في الملف السوري يرتفع من جديد، رغم كل المعطيات التي تراها تخدم الهدوء والسلام، لكن على العكس تماماً من كل ما يتم الترويج له إعلاميا وميدانيا، تستمر تعزيزات الاحتلال التركي بالتدفق إلى الأراضي السورية المحتلة من قبله، وبوادر تصعيد أمريكي روسي، فعودة التصعيد إلى مناطق الإدارة الذاتية ضمن الأراضي السورية من أبرز ملفات الولاية الرئاسية الجديدة للنظام التركي فيما يخص الملف السوري، فما أن انتهت الانتخابات التركية حتى بدأت الطيارات المسيرة بحملة تصعيد جديدة ضمن الأراضي السورية، ناهيك عن وجود الاحتلال التركي في سوريا الذي يشكل عائقا أمام أي حل للأزمة السورية.

وفي هذا الشأن وعن هذا الموضوع عقدت صحيفتنا في الحسكة حواراً مطولاً مع المحامي ابلحد سينو، ودار الحوار التالي:

*استاذ ابلحد مرحباً بك بداية، رغم كل المشاورات مع روسيا، تركيا تثبت احتلالها في الداخل السوري بعدد كبير من القواعد وإدخال ١٠ آلاف جندي تركي لسوريا، ماذا بهذا الشأن؟

اهلا بك، الموضوع يتعلق بطبيعة المرحلة القادمة وما تطمح إليه تركيا من خلال تحركاتها على الساحة السورية، وإعادة تموضع على مستوى مسائلها الأساسية ضمن إقليم لم يستقر بعد ويبحث عن هوية ونظام جديد، الأمر يتعلق بمجموعة من الرسائل، رسائل على مستوى الداخل السوري في المفاوضات التي تجرى بمستويات معينة، مستويات أمنية، ومستوى معاونين وزراء خارجية، فهناك تناقضات وتباينات كبيرة بين الطرفين التركي والسوري من خارج رغبة موسكو وطهران بشكل أساسي والآن الرياض هي جزء من هذا التموضع، هناك مرحلة تسعى إليها الآن تركيا لتحديد الادوار، فالمسألة تتعلق بشكل أساسي وهو كيف سيكون الدور التركي في سوريا، فسوريا تعني شيئاً كبيراً بالنسبة لتركيا، وهي لا يمكن أن تحقق دورها على مستوى منطقة بلاد الشام والهلال الخصيب وشمال أفريقيا إلا من خلال البوابة السورية، فهي تحاول بأي شكل من الأشكال عدم الخروج من سوريا.

*بعد الحديث عن تطبيع بين دمشق وأنقرة وخارطة طريق، تركيا الآن تثبت أقدامها في سوريا ولا تريد الخروج منها، هذا الأمر إلى أي درجة يصيب مصداقية دول أستانة؟

اعتقد إنه رغم تمكين وترسيخ التواجد العسكري بشكل أكبر بما يناقض التصريحات التي كانت سائدة في الفترة الماضية، لكن لندخل فعلياً بقراءة واقعية وليس بقراءة التصريحات الإعلامية، فالواقعية السياسية تقول إن من يأتمن للجانب التركي فهو لا يفقه شيء بالسياسة، الواقعية السياسية تقول أن تركيا كانت السبب الرئيسي أو النصف الآخر للخراب في سوريا تتحمله تركيا عبر دعمها للعمليات الإرهابية والمرتزقة، الواقعية تقول لنقرأ تصريحات تركيا وما يصرح به مسؤوليها من خلال ماضيهم وبالتالي سنفهم المستقبل، الأدلة كثيرة جداً على سوء الدور التركي في الملف السوري، تركيا اطماعها واضحة عبر تصريحات من سياسييها وقادتها بأنهم ظُلموا في سايكس بيكو ولوزان وأنه بحسب الاتفاق الملي فهذه أراضي تركية ويجب إعادتها للدولة التركية وكانوا يعملون على ذلك، ولا زالوا يعملون الآن في المناطق المحتلة من تتريك وإحداث تغيير ديموغرافي بشتى السبل والوسائل، فتركيا لن تنسحب من سوريا عبر مفاوضات واتفاقيات حتى لو وافق النظام وروسيا على قتال قوات سوريا الديمقراطية والقضاء على جزء رئيسي من مكونات الشعب السوري وهم الكرد التي تعتبرهم تركيا أعداء لها، وحتى لو شاركها النظام وإيران وروسيا في قتال الكرد فتركيا لن تنسحب من الأراضي السورية إلا في حالة إذا كانت هناك اتفاقات مسبقة، وانا أشك أن هناك اتفاقات بين تركيا وإيران وروسيا والنظام على اقتطاع أجزاء من سوريا وتسليمها لتركيا، كما تم تسليمها لواء إسكندرون في السابق.

*بقراءتك لهذا الواقع الآن، هل ممكن أن يكون اتفاق سابق كما ذكرت بتكرير سيناريو لواء إسكندرون، تركيا وإيران وروسيا تعلن أنها ستحافظ على وحدة سوريا، وعلى الأرض نرى عكس هذه التصريحات، ما رأيك؟

ما تقوم به تركيا حتى عبر تصريحاتها السابقة إنها تدخلت من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لكن الحقيقة هي من تغير في الواقع الجغرافي السوري عبر تتريك مناطق سورية كاملة، ففي المناطق المحتلة اللغة التركية هي الأساس والإعلام مرجعتيه لتركيا والتعامل النقدي بالليرة التركية والبريد تركي وكل شيء أصبح تركياً في تلك المناطق، تركيا لديها هدف واضح في الملف السوري، تركيا تريد أجزاء من الأراضي السورية وتحديداً في منطقة عفرين، حيث تصريحات الساسة الأتراك بأن عفرين ليست كجغرافيا هي مهمة لهم وإنما المهم هو بقية المناطق الكردية وعدم وجود ممر للكرد، فسابقاً صرح أردوغان أنه لو كان للكرد منفذ على البحر فسوف يخرجون من تحت سيطرتنا، وهذا ما يقومون به للمئة عام القادمة، نحن نتحدث عن نهاية عهد مئة عام سابقة لم يكن للكرد دور به، وما يحدث الآن شاءت الظروف أن تتوحد سواعد العرب مع الكرد في شمال شرق سوريا وتكون لهم كلمة الفصل في الشرق الأوسط وخصوصاً بمحاربتهم لأعتى تنظيم إرهابي، فسكان المنطقة حافظوا على نفسهم وحاربوا الإرهاب وما فهمته تركيا بأن هناك مخاوف على أمنها، فتسعى تركيا على اقتطاع أجزاء من سوريا.

*كل هذا الحراك الظاهري الذي يحدث، عودة النظام السوري للجامعة العربية، والمبادرات المتتالية واحدة تلو الأخرى، خطوة بخطوة، الدور العربي، خارطة تطبيع بين أنقرة ودمشق، كل هذا الحراك والتصريحات لم يغير شيء على الأرض بل على العكس تماما، زاد الاحتلال التركي فهناك ٧ ألوية جديدة و٤٩ قاعدة و١٠ آلاف جندي، هل هذا الأمر مجرد زوبعة إعلامية؟ ولماذا لم يتغير شيء على الأرض؟ ما هو العائق أمام تحقق التصريحات؟

أن استمرارية نظام بشار الأسد بحد ذاتها هي بوابة لتدخل جميع هذه الدول، لو كان هناك فعلياً تأسيس لدولة سوريا الحديثة فلن تكون اي من هذه الدول قد استطاعت التدخل بسوريا وبقرارها السياسي وسيادتها والتدخل العسكري على اراضيها، إذا هناك محاولات للحفاظ على هذه المنظومة والتي تسمح لجميع هذه القوى بالتدخل على الأراضي السورية، يعني أعتقد ان جميع السوريين اليوم يدركون أن ما يتم تصديره بالوسائل الإعلامية من قبل هذه الحكومات يناقض تماماً ما يجري على أرض الواقع، فهذه الدول بحد ذاتها جميعها قد مولت فصائل مسلحة في السنوات السابقة والتي فعلياً أدت إلى انحراف الثورة السورية والحراك السوري وأدت إلى الحال الذي نحن عليه اليوم، والذي سوريا مهدده به اليوم هو بتحقيق تمدد وهيمنة وتوسع هذه الدول ومصالحها على الأراضي السورية، وما هو المسبب؟ المسبب هو هذا النظام الذي رفض التغيير والذي رفض تحقيق مصالح المواطنين بكل معنى الكلمة والذي دفع بنا إلى هذا الحال، فعلينا أن ننظر إلى مجمل هذا الوضع في سوريا وكيف نعالج الوضع، والوضع ليس فقط بما يتعلق بشمال غرب سوريا وإنما بسوريا بمجملها، والتي هي اليوم مهددة بالاندثار، هوية وعلى أرض الواقع بكل معنى الكلمة، إذاً المنظور متكامل وتحقيق استقلالية الأراضي السورية واستقلالية منطقة نستطيع منها اليوم أن ننطلق لبناء دولة سوريا الحديثة.

*كل ما يحدث من هذا الانتشار هو نتيجة تفاهمات روسية من بوابة التطبيع مع دمشق، أريد منك تعقيب على ذلك؟

علينا أن ننظر بموضوعية إلى ما حصل في سوريا، نحن أصبحنا أمام دولة غير قادرة بالتنبؤ بمستقبلها، بطبيعة الحال وبغض النظر عن كل النقاط التي تؤخذ على مرحلة قبل ٢٠١١ فأنه بوقتها لم يكن هناك إمكانية لتدخل دول في الساحة السورية، ولكن بسبب تحول الساحة السورية إلى صراع دولي كبير، أتاحت الفرصة لعدد كبير من الدول، هناك ٨٩ دولة تدخلت في الساحة السورية ومخابرات من كل الدول خاضت صراعها على الساحة السورية، فمن الطبيعي أن يصاب هذا البلد بضعف كبير لأن هذه التناقضات الكبرى لا يتحملها بلد صغير كسوريا، والمسألة الثانية أن السوريين يتحملون مسؤولية ما حصل في بلدهم سواء السلطة السياسية وكذلك بقية الأطراف، أصبح انقسام واضح فلا وجود لإمكانية بناء نظام سياسي جديد بسبب كثرة الاستقطابان المتنابذة فيما بينها وامتداداتها الإقليمية والدولية، فبذلك لا يمكن الرهان على كل هذه النقاط.

فالمسألة المهمة إن الموضوع التركي هو شر مستطير بشكل عام وتركيا لعبت الدور الأكبر في عملية الأحداث الدائرة في سوريا، وإمكانية التفاهم بين روسيا وإيران وتركيا صعبة فهناك بعض التناقضات والتباينات ما قبل التموضع فعلى سبيل المثال منذ بضعة أيام علي أكبر ولايتي والخامنئي تحدث عن رفض التواجد التركي بسوريا وتأييده لوحدة سوريا وقيادتها وسيادتها على أراضيها، والموقف الروسي أيضا هناك مناورات عسكرية استمرت اسبوع مع الجيش السوري وتوجهت ألوية الجيش السوري مع روسيا باتجاه الشمال على حدود الأراضي المحتلة من قبل تركيا، فلا يتصور حينها بوجود تفاهمات تركية وروسية إلا إعلامياً فقط، لأن تركيا لديها قدرة هائلة في اللعب على جميع الاحبال وبين المواقف للحفاظ على أكبر نسبة من المكاسب التي تتيح لها أن يكون لها الدور الأساسي.

*يبدو بأنه بعد فوز أردوغان عادت الأمور إلى المربع الأول قبل الحديث عن التطبيع بين أنقرة ودمشق، وهل سيكون هناك تصادم في ضل هذا الجو المحتقن والتعزيزات التي ترسل إلى نقاط التماس؟

الحديث عن التطبيع جاء لأن النظام التركي كان يريد الاستفادة في الانتخابات وفوز أردوغان، لكن بعد الانتخابات عادت الأمور لمجراها، فلا أعتقد أن يكون هناك صراع عسكري واقتتال وتغيير في محاور الاشتباك بين النظام وتركيا لأنه وبكل بساطة من يحرك النظام هي روسيا وإيران، الحالة في سوريا بين هؤلاء الدول الثلاث هي بالشكل التالي، صراع وتحالف اضداد، صراع وتحالف المتناقضين، لكنهم يتفقون كل حسب مصلحته، تركيا لديها مصلحة في سوريا لا تخفيها وتتحدث بكل صراحة، وإيران أيضا لديها مشروعها الشيعي وهلالها الشيعي، وروسيا بعد أحداثها الأخيرة تحاول تحقيق نصر ولو كان وهمي.

*ختاما، سؤال يمس كل السوريين الوطنيين الشرفاء، كيف سيكون سيناريو إخراج المحتل التركي من داخل الأراضي السورية في ضل الحديث عن عدد كبير من الجنود والألوية وتدعيم القواعد العسكرية؟

للتحدث بواقعية وبغض النظر عن رأيي الشخصي في المسألة، المسألة السورية بطبيعة الحال خرجت من يد السوريين قاطبة، فلا يوجد هناك معارضة قادرة على التحرك ولا يوجد سلطة سياسية مرتبطة بتوجهات نحو التحرك بشكل مستقل بعيداً عن حلفاؤها وأصدقائها، أعتقد بأن زمن المعارك قد انتهى إلا إذا كان هناك شكل من أشكال المعارك التي تتيح إخراج توافق ما بمكان ما، فزمن الحروب والصدامات الكبرى على الأراضي السورية قد انتهى منذ عام ٢٠١٨، الآن نحن أمام مرحلة تحولات كبرى، هذه التحولات سوف تضغط بشكل أو بآخر من خلال مصالح كل الدول المتباينة على إلا يحدث هناك صدام دموي بين سوريا وتركيا، فالجميع حريص على هذه المسألة بما فيهم دمشق وأنقرة إلا ضمن حدود معارك صغيرة جداً، الموقف السعودي والإماراتي والتعاون مع تركيا بنفس الوقت لهم مصلحة بألا تكون أكبر مما هي عليه، هناك مسافة زمنية لتحديد أدوار كل الأطراف الإقليمية على مستوى الساحة السورية، فمن يستطيع السيطرة على الساحة السورية سوف يكون له الدور الأكبر وخاصة لقربها من فلسطين المحتلة، ففي سوريا صراع ناعم على كيف سيكون شكل سوريا بين المبادرة العربية وموقف الولايات المتحدة الأمريكية، بمواجهة استانة، للتوافق على الساحة لإيجاد مخارج تتيح لكل الأطراف أدوارهم، كلامي هذا قد يكون محبطاً ولكن الواقع يقول أن الحل خرج من يد السوريين، فخروج تركيا من سوريا بعيداً جداً حالياً.