لكل السوريين

بالتزامن مع انتشار الكورونا.. تذكرة لما أنكره العثمانيون عندما تفشى الطاعون في حلب

ضربت، في ثلاثينيات القرن قبل الماضي أمراض عدة مدينة حلب، وكانت سوريا في ذلك الوقت خاضعة للاحتلال العثماني، وأدى الطاعون الذي كان أحد أهم تلك الأمراض التي تفشت آنذاك إلى موت عدد من المواطنين.

وكان العثمانيون قد أنكروا حقيقة تفشي الطاعون، وذلك بتعمدهم إخفاء أكثر من نصف عدد الضحايا، حسب ما ذكره كتاب ألف عن تلك المرحلة، وكتبه طبيبان أقاما في حلب في تلك الفترة، وساعدا أهلها على تجاوز المحن التي سببه الطاعون.

مكان الطاعون

يورد الكتاب الذي كتبه الطبيبان البريطانيان أن أهالي حلب يسود لديهم اعتقاد بأن الطاعون “ينقل إليهم من أماكن موبوءة أخرى مثل كلس وعنتاب وأورفة” التركية المحاذية للحدود مع المدينة.

ويؤكد المؤلفان، صحة اعتقاد الحلبيين في أنهم لا يصابون بالطاعون إلا إذا جاءهم من جهة الشمال، ويقولان إن الطاعون لمّا يتفشى في الاسكندرونة، فإنه يأتي إلى الحلبيين من خلال مدن كلس وعنتاب، مشيرين إلى طواعين كثيرة ضربت المنطقة في أعوام سابقة.

وانتشر أحد الطواعين في حلب ما بين عامي 1742 و1743م، وتفشى بقوة في شهر أيار/ مايو من سنة 1743، وكان الطبيبان يسعيان لمعرفة عدد المصابين والموتى وأماكنهم كجزء من خطط العلاج والوقاية التي يقومان بها، إلا أن جميع الإحصاءات التي كانت بين أيديهم، تبين أنها غير دقيقة، بسبب إخفاء حقيقة الواقع.

ويقولان إنهما لم يتمكنا من معرفة الأرقام الحقيقية، خاصة وأن عدد “الوفيات بين السوريين كان كبيراً” ثم يوضحان أن “الإنكشارية” وهي إحدى الفرق العثمانية العسكرية الشهيرة، لم تقدم إلا نصف الحقيقة فقط: “يتفق الجميع بأنهم لم يجلبوا تقارير عن نصف عدد الوفيات!”

ويبدو أن الطبيبين سمعا كلاماً صريحاً من الانكشارية نفسها، بعدم مقدرتها على الإقرار بحقيقة الواقع، فيذكران: “بالفعل، صرّحوا بأنهم لا يجرؤون على جلب تقارير حقيقية لنا”. ما يعني أن الانكشارية كانت تلقت أوامر عليا، بعدم ذكر حقيقة أعداد المصابين والوفيات’’.

ويؤكدان أن العثمانيين لم يذكروا الرقم الحقيقي من وفيات المسلمين. وتفشى الطاعون بقوة أكبر، وازداد عدد الموتى والجنائز بشكل كبير بين السوريين وغير السوريين في مدينة حلب، ومن جميع الأديان، كما يبين الكتاب.

العلاج ’’كمامة وخل’’ لا يكفيان

ويظهر تاريخ حلب الطبيعي، وبلغة طبية علمية، تشخيص الطاعون والتطور الذي يحل بالمصاب به، وصولا إلى الوفاة، أو التماثل للعلاج، في أحيان نادرة.

ومن جملة إرشادات، ومنذ ذلك الوقت، يوضح الكتاب كيفية الوقاية من الطاعون، بطرق مختلفة، كالاعتكاف في البيوت، ثم إقفال البيوت والمقار بشكل تام وعدم الخروج منها لأي سبب، بعد تأمينها بالمواد الغذائية، مع توظيف عامل خاص يتولى من الخارج، إيصال الطلبات إلى البيوت المقفلة، بواسطة حبْل ومن خلال نافذة من فوق السلالم! ثم يتم غسل أي شيء يتم إدخاله إلى البيت، بالخلّ، حتى الرسائل والأوراق ترش بالخل ثم تدخّن بالكبريت.

أمّا من لديهم قطط، في بيوتهم، فهذا خطر كبير، بحسب كتاب تاريخ حلب الطبيعي، ففيه توصية بحبس القطة المفضلة في بيت صاحبها ومنع خروجها مطلقاً، أما القطط التي تشاهد وهي تتنقل بين البيوت، فمصيرها قاسٍ جدا وينتهي بالموت قتلاً. ويشير الطبيبان، إلى ما يشبه الكمّامة، في وقتنا الحاضر، حيث يوصيان بالتنفس “من خلال طيات مزدوجة من منديل مندّى بخلّ خالص”، إذا ما كانت هناك حاجة ماسة لزيارة مصاب أو المرور في مكان فيه مصابون أو جثث مصابين ماتوا بالطاعون.

وكالات