لكل السوريين

صناعة مكانس القش.. مهنة قديمة تحافظ عليها نساء اللاذقية

اللاذقية/ سلاف العلي 

مازالت مكنسة القش متواجدة في مختلف البيوت الساحلية، حيث تعتبر هذه المكنسة من أدوات تنظيف المنازل التقليدية التي كانت معظم البيوت بحاجة إليها قبل وجود المكانس الكهربائية، وعلى الرغم من ذلك مع مرور الزمن مازالت سلعة رائجة ,ولازال القسم الأكبر من سكان الريف  وبخاصة كبار السن يستخدمون في حياتهم اليومية العديد من الأدوات التقليدية البسيطة التي يصنعونها بأيديهم، عبر ما توفره لهم الطبيعة من مواد أولية.

ومن هذه الأدوات مكانس المصنوعة من القش، لقد عادت صناعة مكانس القش اليدوية للتداول في أسواق مدن اللاذقية وجبلة والقرداحة، بعد أن اضمحلت هذه الصنعة وبدأت تنازع وقاربت على الموت والزوال، وأهم أسباب عودتها هي “أسعارها الرخيصة واستخداماتها الكثيرة، والحاجة الماسة إليها، والوحيدة والبديلة، في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وانتهاء دور المكانس الكهربائية”.

والتقينا السيدة أم باسل, من قرية سربيون من ريف جبلة ,وسألناها عن هذه المهنة , فقالت: “يحتاج العمل في هذه المهنة إلى مواد بسيطة ونوع خاص من القش, نحن نزرع نبتة المكنس وهي نوع من نبات الذرة, في محيط الأراضي, وحين يأتي موعد القطاف في نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف، نقوم بقطفها وتنظيفها من البذور، ثم استخدمها في صناعة المكانس أو الأطباق للخضار والفواكه, ونحتاج في عملنا إلى جانب عيدان القش، لمطرقة وخيوط متينة، والمسلة (إبرة ثخينة), وأولى خطوات العمل، تكون بوضع القش في الماء لإكسابه ليونة ما يسهل التحكم به”.

وتضيف “ثم نقوم بجمع القش مع بعضه ضمن حزم متساوية العدد, وفي خطوة لاحقة، نقوم بتوزيع القش بشكل متناسق حتى تأخذ المكنسة شكلها، وتبدأ بعدها عملية خياطة المكنسة بواسطة خيوط بلاستيكية متينة، لشد القش مع بعضه، وبعد ذلك يتم قص نهايات القش لتصبح متساوية الطول, وتبيع منتجاتها لبعض المحلات , ولبعض الجارات, مما يساعدها وعائلاتها في هذه الظروف المعيشية الصعبة”.

والتقينا ام جودت من سكان بلدة بيت عانا بريف القرداحة، والتي قالت لنا: ندور في الأراضي ونقوم بقطع نبات المكنس ونحضرها الى بيوتنا، وننظفها من البذور، وننقعها في الماء، ومن ثم نقوم بخياطتها، وقص الزيادة منها، ومن ثم نقوم بربطها بحزم بلاستيكية، وباستخدام مواد بسيطة كالخيط والمسلة ومطرقة خشب، ومن ثم تصير مكانس ونبيعها ونسترزق من اثمانها، وهي يتم استعمالها في البيوت للتكنيس وللتنظيف، وتؤمن حاجاتنا وتبعدنا من احتياج الاخرين.

والتقينا الأرملة أم سعيد وهي خمسينية العمر، ومسؤولة عن خمسة شباب، وهي من قرية الحصان، ومعروفة في محيطها بصناعة المكانس الجميلة والممتازة، وقالت لنا: انها بهذه المهنة وتواصلها بالشغل فيها, تعتبر نفسها مثل الكثيرين, قد حافظوا على بقاء هذه الصنعة وعدم موتها, لأنها جزء مهم جدا من عاداتنا وتقاليدنا.

وقالت أم سعيد “أنا أعمل بهذه الشغلة منذ اكثر من ثلاثين سنة, وهي احد المصادر الرئيسية لرزقنا, ويوجد هنا اكثر الأهالي ليس لديهم القدرة على شراء المكانس الكهربائية, والذين عندهم مكانس كهربائية , مع انقطاع الكهرباء المتواصل, زاد شغلنا وزادت الطلبات على مكانس القش, وسألناها ماهي أنواع المعاناة والصعوبات التي تعانون منها”.

وأوضحت “على طول مدة الزمن بهذا الشغل نتعرض الى الكثير من الامراض في عيوننا وفي صدرنا وتنفسنا، وفي ظهرنا وايدينا وارجلنا ورقبتنا وخاصة امراض الديسك والمفاصل، وصعوبات المواصلات والأجور المرتفعة للتنقل والخيطان، وغياب الكهرباء تقلل من زيادة انتاجنا ولأننا لا نستطيع أن نعمل بعد غياب الشمس”.

وفي قرية البستان في ريف القرداحة، هنالك ثلاث أخوات في الأربعينيات من العمر، يعملن بهذه المهن منذ أكثر من ثلاثين، ويعتشن من شغلهن، قالت أكبرهن وتدعى منيرة: “نقوم بتجميع أكوام القش، وثم نصففها بكل ترتيب، ثم نجمعها الى بعض قشة قشة لنصنع منها رؤوس المكانس، ومن ثم نقوم بشدها بالمسلة والخيطان، وبعد الانتهاء منها نبيعها الى معظم سكان القرى المحيطة”.

وفي بلدة الرصيف بريف جبلة، أبو عيسى صاحب محل كبير ومليء بكل شيء من فواكه وخضار ومواد تموينية واغراض تراثية, وفيه مقشات مكانس كما يسميها , ولدى سؤالنا عن تجارة المكانس ,قال لنا: “الحمد لله الأوضاع كتير صعبة, ولكن متل ما يقولوا مصائب قوم عند قوم فوائد, فقطع الكهرباء المتواصل , ساعد بشكل كبير بتنشيط تجارة المكانس , وصار الطلب كتير عليها, وفيه ناس كتير كانت تشتريها لتحطها زينة, اليوم أصبحت تريدها ضروريا للاستعمال بالتنظيف”.