لكل السوريين

انقلاب الغابون.. يربك الحسابات الفرنسية وقد يسهّل توجه إفريقيا نحو الشرق

استولت مجموعة من ضباط الحرس الجمهوري والجيش والشرطة في الغابون على السلطة بعد دقائق من إعلان فوز الرئيس الغابوني بولاية رئاسية ثالثة، وخرجت في شوارع العاصمة ليبرفيل مظاهرات حاشدة مؤيدة للانقلاب.

وقالت المجموعة التي تضم أكثر من عشرة ضباط إنها تتحدث باسم “لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات”.

وفي بيانها الأول من القصر الرئاسي، ألغت المجموعة نتائج الانتخابات وحلت مؤسسات الدولة وأغلقت حدود البلاد حتى إشعار آخر.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول عسكري من قادة الانقلاب قوله “إن الجيش يتعهد باحترام كل الالتزامات الداخلية والخارجية”

وأرجع الانقلابيون الخطوة التي أقدموا عليها إلى أن الانتخابات كانت مزورة ولا تحظى بأي مصداقية.

وكانت لجنة الانتخابات في الغابون قد أعلنت فوز الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة بحصوله على 64.27% من الأصوات، في  انتخابات أجريت بعد جدل طويل وتأجيلات عديدة، وطعنت المعارضة بنتائجها.

وأدى قائد الحرس الجمهوري في الغابون الجنرال بريس أوليغي نغيما القسم كرئيس للمرحلة الانتقالية بعدما عينه قادة الانقلاب رئيساً مؤقتاً، كما أعلنوا إحالة الرئيس المطاح به على التقاعد ووضعه قيد الإقامة الجبرية.

ردود فعل واسعة

محلياً، أدان الاتحاد الإفريقي انقلاب الغابون، وقال رئيس مفوضية الاتحاد إنه يشكل انتهاكاً صارخاً للقواعد القانونية والسياسية للاتحاد.

كما نددت المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا “إيكاس” باستخدام القوة وسيلة لحل النزاعات السياسية والوصول إلى السلطة، وطالبت بعودة النظام الدستوري في ليبرفيل.

وعالمياً، شدد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي على أنه لا ينبغي مقارنة الانقلاب العسكري في الغابون بانقلاب النيجر، وأشار إلى أن العسكريين في ليبرفيل “تدخلوا بعد أن سرقت الانتخابات”، واعتبر جوزيب بوريل تزوير الانتخابات “انقلاباً مؤسساتياً”.

وأعربت باريس عن إدانتها للانقلاب وشددت على ضرورة احترام نتائج الانتخابات.

وقالت رئيسة الوزراء الفرنسية إن بلادها تتابع الموقف في الغابون دون تقديم تفاصيل أخرى.

وطالبت الولايات المتحدة الجيش الغابوني بالحفاظ على الحكم المدني، في حين أدانت بريطانيا خطوة الجيش “غير الدستورية”، مع إقرارها بالمخاوف التي أثيرت بشأن الانتخابات الأخيرة.

وقالت وزارة الخارجية الإيطالية إنها تراقب تطورات الوضع في الغابون عن كثب.

ومن ناحية أخرى، دعت الخارجية الصينية الأطراف المعنية في الغابون “للعودة إلى النظام الطبيعي فوراً” وضمان سلامة الرئيس علي بونغو.

وفي موسكو، قال الكرملين إنه يراقب الوضع في الغابون عن كثب، في حين قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية إن روسيا تتابع بقلق تلك التطورات.

هل انتهت فرنسا إفريقياً

هزّت سلسلة الانقلابات في إفريقيا ركيزة فرنسا التاريخية فيها، وشكّل انقلاب الغابون ضربة جديدة لنفوذها في القارة، وأضعف مهمتها في مقاومة القوى التي تسعى لإخراجها منها، حيث ستجد باريس نفسها مرتبكة في تعاملها مع الانقلابين المختلفين.

ومع أن الشارع الغابوني الذي رحب بالانقلاب لم يرفع شعارات تنادي بإنهاء وجود فرنسا في البلاد كما حدث في نيامي، ومن غير المتوقع أن تتعامل معه باريس كما تعاملت مع انقلاب النيجر، حيث تحث مجموعة “إيكاس” على استخدام القوة لإسقاطه، مما يضعها أمام معضلة تبرير المعايير المزدوجة في التعامل مع هذين الانقلابين، ويجعل تهديدات الرئيس الفرنسي بالتدخل العسكري في النيجر غير مبررة في ظل عدم تدخله ضد انقلابيي الغابون.

كما ساهمت سلسلة الانقلابات الإفريقية المرشحة للتزايد فيما يبدو، بتعجيل خروج فرنسا من القارة السمراء، حيث اكتفت باريس بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية بالدول الإفريقية، بينما قامت القوى العظمى الأخرى بدخولها عبر القروض الميسرة والأعمال التجارية، مما هدد وجود فرنسا التاريخي في القارة.

ولعل صرخة ماكرون الغاضب “لقد انتهت فرنسا إفريقياً” تشير إلى ذلك، كما تشير إلى أنه أدرك الخطر الذي يواجه بلاده التي أصبحت أمام حقيقة خروجها من إفريقيا.

إفريقيا تتوجه شرقاً

اعتمد قادة معظم الانقلابات الإفريقية خطاباً سياساً مناهضاً للغرب عامة، ولفرنسا بشكل خاص، كما حدث في مالي وبوركينا فاسو وفي النيجر مؤخراً، حيث تعالت الأصوات المطالبة بطرد سفراء فرنسا وخروج قواعدها العسكرية من هذه الدول، وقد خرجت قواتها فعلاُ من مالي.

ومن جهة أخرى حضر الدور الروسي في هذه الانقلابات، بشكل مباشر عبر الدعم السياسي والدبلوماسي، أو عن طريق الدعم العسكري والإعلامي من خلال مجموعة “فاغنر” الروسية التي تتواجد بقوة في قارة إفريقيا، وتتمتع بنفوذ سياسي وعسكري وإعلامي كبير في منطقة الساحل الإفريقي.

وأشارت التقارير إلى أن الانقلابيين الذين أطاحوا بالرئيس المالي تلقوا تدريبات في روسيا قبل تنفيذ الانقلاب الذي وقع في مالي بعد تسعة أشهر من عودتهم، وأدى إلى تولي عاصمي غويتا السلطة الذي عمل على تقويض الوجود الفرنسي في بلاده، ونسج علاقات قوية مع روسيا، وعزّز وجود مجموعة فاغنر في منطقة الساحل الأفريقي.

كما أصبح سعي الصين لترسيخ وجودها في القارة الإفريقية جزءاً من سياسة بكين الخارجية عبر تقديم القروض الميسرة لمعظم دولها وإقامة المشاريع الاقتصادية فيها.

وقد يعزز استمرار الانقلابات العسكرية المتوقع في مختلف مناطق إفريقيا توجه الفارة نحو الشرق خلال الفترة المقبلة في ظل التحولات الجارية على النظام الدولي، والصراع المستمر بين القوى الكبرى التي تسعى لتوطيد نفوذها في القارة السمراء.