في ظل تضارب الروايات حول نتائج الحرب وتعليق طهران التعاون مع الوكالة الدولية.. هل يصمد وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
بعد مرور أكثر من أسبوع على سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، تتضارب الروايتين الإيرانية والإسرائيلية حول نتائج هذه الحرب، ويستمر الجدل حول مصير مخزون اليورانيوم الإيراني، ويتصاعد القلق من تعليق طهران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومع ذلك، تبدو فرص صمود الاتفاق مرجّحة، بسبب حاجة البلدين إلى تقييم الأضرار العسكرية والاقتصادية والسياسية الناجمة عن الحرب غير المسبوقة بينهما، وتبدو رغبة إيران في التهدئة أكبر لإعادة ترتيب أوراقها مع الولايات المتحدة، في محاولة لتجنب أي مواجهة مباشرة معها قد تهدد بقاء النظام واستقرار الدولة.
بينما تبدو إسرائيل أقل حماسة لهذه التهدئة، حيث فشلت في تحقيق أهدافها الكبرى مثل إسقاط النظام الإيراني أو فرض تغيير في توازن القوى، ولذلك قد تسعى تل أبيب إلى إفشال الاتفاق، ولكنها قد تواجه موقفا أميركياً حازماً.
حيث أن طريقة إعلان ترامب الأحادي لوقف إطلاق النار، دون إعلان متزامن من الأطراف الأخرى، هدفت إلى إظهار أميركا كطرف ممسك بزمام المبادرة، وتسويقها على أنها من أوقفت الحرب وسعت للسلام، في محاولة لتكريس صورة الرئيس ترامب كصانع سلام دولي لتعزيز موقعه داخل الولايات المتحدة وخارجها.
كما أن الرغبة الإقليمية والدولية في تجنب التصعيد، ستساهم في استمرار وقف إطلاق النار،
وستدعمه قوى دولية كبرى مثل روسيا والصين، حماية لمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، ومنها استقرار أسواق الطاقة، وتفادي زيادة النفوذ الأميركي في المنطقة.
الرواية الإيرانية
تعكس الرواية الرسمية التي تروّج لها طهران رؤية النظام الإيراني بأن وقف إطلاق النار، جاء ثمرة لهجمات “أحدثت توازن ردع في المواجهة المفتوحة مع إسرائيل والولايات المتحدة”.
وركَّز الخطاب الإيراني الرسمي على أن ضربات إيران جاءت رداً على العدوان الإسرائيلي، ودخول واشنطن على خط المواجهة، وتسببت بضرر للطرفين الإسرائيلي والأميركي، وأسست لما تعتبره طهران “معادلة ردع متوازنة”.
وأشار الخطاب إلى أن طهران تمكنت، بعد الضربة المفاجئة التي تلقتها، من استعادة زمام المبادرة خلال ساعات قليلة، فأعادت تشغيل منظومتها الدفاعية، قبل أن تنفذ ضربات هجومية وصفتها بالنوعية، استهدفت من خلالها عدة مدن إسرائيلية.
وحسب التقديرات الإيرانية، فإن “حجم الأضرار التي لحقت بإسرائيل خلال هذه الحرب يتجاوز مجمل ما نجم عن هجمات حماس وحزب الله اللبناني منذ تشرين الأول 2023 حتى الآن”.
ولفت الخطاب الإيراني إلى أن صحيفة “ذا ماركر” الاقتصادية الإسرائيلية، قدَّرت الخسائر المباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي بنحو خمسة مليارات شيكل، وهي أرقام توظفها طهران للتأكيد على فاعلية ردها ونجاحها بفرض كلفة باهظة على الطرف الآخر.
الرواية الإسرائيلية
وفي المقابل، تصوغ الرؤية الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة رواية مغايرة، إذ تعتبر أن طهران تلقّت ضربات قاسية ستحتاج سنوات لتعويضها، سواء على مستوى البنية التحتية الدفاعية أو القدرات النووية والصاروخية، التي تضررت بشكل كبير.
وتركز الرواية الإسرائيلية على أنها نجحت بكسر احتكار إيران لمجالها الجوي، وتروِّج لفكرة “أنها أصبحت قادرة على تنفيذ هجمات متى شاءت، حتى أثناء وقف إطلاق النار”.
وتحمل رسالة للرأي العام، مفادها أن إيران استسلمت سياسياً دون شروط أو مكاسب، وهي قراءة تحاول أميركا وإسرائيل فرضها، حيث سبق أن طرحت واشنطن أمام طهران خيار الاستسلامِ العسكري أو السياسي.
وتضيف أن إسرائيل حققت هدفاً استراتيجياً، تمثل في تدمير منشآت التخصيب النووي الإيراني، وخاصة في موقع “فوردو”، بدعم عسكري أميركي مباشر، وباستخدام قنابل خارقة للتحصينات، وقد مهَّدت واشنطن لذلك عبر تدمير الدفاعات الجوية والرادارات الإيرانية، وهو ما سمح بتنفيذ ضربات جوية دون تكاليف عسكرية تذكر.
تعليق التعاون مع الوكالة
علّق قانون إيراني جديد التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي خطوة تمثل تحوّلاً لافتاً في السياسة النووية الإيرانية، نص القانون على “منع دخول مفتشي الوكالة إلى إيران ما لم تقدم ضمانات حقيقية لأمن المنشآت”.
وقال رئيس البرلمان الإيراني إن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي رفضت إصدار حتى إدانة شكلية للهجمات على منشآتنا، باعت مصداقيتها الدولية بأبخس الأثمان”.
ورأى أن “العلاقة مع الوكالة بعد الحرب فقدت جدواها، وباتت تمثل خطراً من حيث تسريب المعلومات، وهو ما جعل طهران تتخذ موقفاً أكثر حزماً”،
وأشار إلى أن إيران لن تقطع علاقتها مع الوكالة بشكل دائم، وسيعتمد استمرار تعليق التعاون معها على تغيّر موقف واشنطن.
وكان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية قد حذّر في وقت سابق من أن المجتمع الدولي لا يمكنه أن يقبل انقطاع التفتيش في المواقع النووية الإيرانية، وأشار إلى أن آلية الرقابة معطلة حالياً، وقال “إن إيران تحتفظ بالمعرفة والقدرة النووية، وهو أمر لا يمكن إنكاره”.
جدل حول مخزون اليورانيوم
يستمر الجدل داخل الولايات المتحدة بشأن مدى الضرر الذي أصاب البرنامج النووي الإيراني.
ونقلت صحيفة تلغراف البريطانية عن مسؤولين أوروبيين قولهم “إن حكومات أوروبية تلقت تقييمات استخبارية تفيد بأن مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب لا يزال سليماً على الرغم من الضربات الجوية الأميركية لمفاعلاتها النووية”.
ووفق هذه التقييمات، فإن مخزون إيران البالغ 408 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب لم يكن في منشأة فوردو، وإنما كان موزعاً في مواقع أخرى مختلفة.
ونقلت وكالة رويترز عن مصدر إيراني كبير قوله “إن معظم اليورانيوم عالي التخصيب في منشأة فوردو نقل إلى مكان غير معلن قبل الهجوم الأميركي”.
وكان تقييم استخباري أولي سري نشرته شبكة سي إن إن الأميركية، قد أفاد بأن الضربات الأميركية أدت إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر، دون تدمير مكوناته الرئيسية.
ونددت إدارة ترامب بهذه الأنباء، وقالت إن الهدف منها التشكيك في نجاعة الضربات الأميركية على منشآت إيران النووية وتصوير هذه الضربات على أنها فاشلة.
وجدد الرئيس الأميركي تأكيده أن منشآت إيران النووية محيت بالكامل، وأكد على أنه “لم تنقل أي مواد من منشأة فوردو النووية الإيرانية قبل الهجوم الأميركي عليها”.