طرطوس/ اـ ن
يرى البعض أن كل ما هو قديم يجب أن نسميه تراثاً، والبعض يرى أن المعاني الجميلة والقيم السامية الموروثة من الأجداد هي التي تستحق اسم التراث، والفريق الثالث يرى بأن التقاليد والمعارف الشعبية والآداب المتشابهة في تاريخنا هي التراث بعينه وهي التي يجب الحفاظ عليها لأنها تربط بين البشر وتزيد من لحمتهم أما الخصوصيات الدقيقة فهي من أسباب الفرقة، كما أن من أهم خصائص التراث الشعبي الخصوصي والمحلي، أنه إرث شعب من الشعوب الإنسانية بأوجهها المختلفة من خير وشر وطيبة وقسوة، وهو ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية، وأن أكثر ما أنتج عن تراث طرطوس وريفها فهو قليل، وهو ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل، وهو يشمل كل الفنون والمأثورات الشعبية من شعر وغناء وموسيقى ومعتقدات شعبية وقصص وحكايات وأمثال تجري على ألسنة العامة من الناس، وعادات الزواج والمناسبات المختلفة وما تتضمنه من طرق موروثة في الأداء والأشكال ومن ألوان الرقص والألعاب والمهارات.
ومن أمثلة الموروثات الشعبية تعليم المرأة ابنتها الخياطة والتطريز والغزل والنسيج والعجن والطهي، وتدريب الرجل لأبنه على عادات الكرم واستقبال الضيوف وعمل القهوة لهم، ومجالسة الرجال والوجهاء ومعرفة أمور القضاء الاهلي والقوانين والأعراف المجتمعية، وكذلك معرفة الفلاحة وزراعة الأرض وتربية المواشي من أجل العيش والارتزاق، وهنا تكمن أهمية التراث في نقل كل ما هو جميل من العادات والقيم والأخلاق الحميدة من جيل إلى جيل، والحفاظ على التراث هو حفاظ على الهوية الوطنية واللغة من التلف والضياع، وما تكرر فعله حتى أصبح ديدناً انه العادة، وألفته الأبصار لكثرة مشاهدته في حياة الناس اليومية ، واهل طرطوس وريفها، يكرهون إنشاء العادات الجديدة خشية على عاداتهم المتوارثة، وخوفاً أن يكون في هذه العادات الجديدة ما يفقد مجتمعهم بعض المواصفات الكريمة التي يفضلون بقاءها حية فيه، وفي تراث وحياة أهالي طرطوس وريفها، الاجتماعية عندما نرى فتاة تطرز قطعة من القماش لتعمل منها ثوباً، فإننا ندرك أنها تقلد والدتها في ذلك، وكذلك لو بدأت تعجن الدقيق أو تتعلم الطهي على الحطب أو تخبز على التنور أو الصاج، فهي تكتسب تلك المهارات مما تراه عند والدتها وتقلدها في ذلك متخذة إياها قدوة لها تسير على نهجها وتتبع خطواتها وتسلك مسلكها، وكذلك في السلوكيات لأهالي طرطوس فإن للبيت أثره البارز على تنشئة الأولاد وتربيتهم على الأسس السليمة، فمن يتربى في أسرة محافظة ملتزمة بدينها يسير على نهج والديه، ومن يتربى في أسرة فاسدة فالنتيجة معروفة.
وأن الحفاظ على التقاليد والعادات في طرطوس وقراها، هو السير في أثر آبائهم وتقليدهم في تصرفاتهم ودون أي تغيير أو تبديل، لكن كثيراً ما نرى بعض الصفات التي تدل على القدم والجهل والعمى تلتصق بكلمة التقليد مثل: تقليد أعمى، وتقاليد بالية وغيرها من الألفاظ والعبارات التي يستعملها البائسون في أغلب الأحيان.
إن سكان هذه القرى والمدن، كانت تتمتع بقيم حضارية واجتماعية، والفكر هو المختبر الجماعي الذي تعد النفس الإنسانية في رحابه تغيراتها الكبرى، ومع عصر الحداثة كادت البشران تنسى كل شيء، لكن الذاكرة أقوى من كل المؤثرات الأخرى، ومازالت الذكريات والاحاديث عن بعض العادات والتقاليد التي كان يمارسها الآباء والأجداد، فهذه التقاليد وتلك العادات كانت ومازالت تشكل جزءاً من الثقافة الشعبية لأهالي طرطوس، وكان التعبير عن هذه الثقافة يتم عبر الممارسات التي تتم بشكل جماعي، وأحياناً تأخذ شكلا احتفالياً، لقد استوعب سكان طرطوس وريفها المحيط البيئوي الذي يلفهم، وهذا الاستيعاب ناتج عن أن هذه الجماعات كانت تتمتع بقيم حضارية واجتماعية، وأن النفس الإنسانية وراء كل تجديد مبدع، وأن الفكر هو المختبر الجماعي الذي تعد النفس الإنسانية في رحابه تغيراتها الكبرى، والذاكرة أقوى من كل المؤثرات الأخرى.
وتتميز طرطوس بشاطئها الرملي المشمس وقمم جبالها ووهادها المكسوة بالأشجار الباسقة دائمة الاخضرار وعلى أكتاف وديانها وسهولها مواسم مفعمة بالخير زرعته المياه المتدفقة من بطون تلك الأودية وسفوح تلك الجبال، طرطوس تلك الرقعة من الأرض التي تنتشر عليها مدن وقرى جميلة، وفيها خيرات سياحية وأثرية وطبيعية لكنها غير مخدمه، وتتميز بقرب البحر من الجبل فيها، وبشاطئها الرملي، والمدينة فهي ميناء بحري رئيسي تقع في منطقة سهلية ضعيفة التموج وأكسبها إنجاز الكورنيش البحري الجديد جمالاً أخاذاً يضاهي أفضل المدن السياحية.