لكل السوريين

الحوار السوري.. الحل الأمثل للأزمة السورية، وأي مماطلة ستمدد في عمرها

تسعى الإدارة الذاتية من خلال دعواتها المتكررة للتحاور مع حكومة دمشق المركزية إلى الوصول لحل شامل يفضي لإنهاء أزمة قاربت من الوصول إلى عقد من الزمان، في وقت يترنح فيه النظام بمواقفه، اتضح ذلك في عدة محاولات كانت الإدارة تبدي من خلالها الجدية لإيقاف حمام الدم السوري.

تتبع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا مسار التفاهمات مع النظام السوري بغية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإنهاء أي مسعى للمحتل التركي الذي لم يتردد في عرقلة محاولات الإدارة الذاتية لإجهاضها، وهذا ما اتضح عندما شن ومرتزقته عدوانا غاشما أدى إلى تهجير قرابة الـ 300 ألف سوري، ناهيك عن احتلاله لمساحة تقارب مساحة لبنان.

وتجاوزت الإدارة الذاتية الكثير من نقاط الخلاف مع النظام السوري، بحسب ما أعلنته إلهام أحمد قبل بضعة أيام، في وقت أكدت فيه أن الاجتماع الأخير الذي عُقد في حميم مع الجانب الروسي، وتلاه سفر إلى العاصمة السورية دمشق، كان إيجابيا، وأشارت إلى أنها ومجلس سوريا الديمقراطية ينتظرون أن يبدي النظام جدية هذه المرة على عكس الاجتماعات السابقة.

ولأن تجربة الإدارة الذاتية تمتلك ثوابت واضحة يحددها الشعب السوري وطموحاته في بناء الواقع السوري جاء العمل من أجل التكاتف في وجه التهديدات الجارية سياسية وعسكرية تفرض قراراتها على أطياف السوريين وتجردهم من حالات الاستقرار والأمن الغذائي، ليدخلوا في متاهة الضياع والموت، ولإنهاء هذا الواقع ترى الإدارة الذاتية أن الحوار السوري الوطني دون مشاركة المتدخلين في سوريا هو السبيل الوحيد لمنع محاولات الاحتلال العثماني.

وتعود أهمية التفاهمات مع النظام السوري من أجل استقرار المنطقة باعتباره الحكومة المعرف بها دوليا ومن الواجب عليها أن تقبل أي مساعي سلمية تنهي العقبات.

النظام رفض الحوار بالبداية

فور تشكيل الإدارة الذاتية؛ سارعت إلى عقد لقاءات عدة مع ممثلين عن النظام السوري، الذي كان يبادر برفض تلك المحاولات، فتارة يتهم الإدارة بأنها تسعى للانفصال عن سورية الأم، وتارة أخرى أنها تخضع لإملاءات خارجية لا تصب في مصلحة الشعب السوري، إلا أن التضحيات التي قدمها السوريون المنضوون في صفوف قوات سوريا الديمقراطية بوجه الإرهاب ربما غيرت وجهة نظر النظام صوب المنطقة.

عراقيل عدّة

لعبت تركيا دورا كبيرا في تعقيد الأزمة السورية، ففور بدء الاحتجاجات في البلاد مطلع الشهر الثالث من العام 2011 فتحت حكومة العدالة والتنمية الحدود أمام الإرهابيين من كافة أراضي العالم، وأمددتهم بالسلاح والمعدات.

وبعد ظهور تنظيم داعش كقوة فاعلة في الأزمتين السورية والعراقية، اتجهت البوصلة التركية صوب التنظيم الذي رأت فيه أنه هو خير تنظيم يحارب عنها بالوكالة، فقامت بدعمه بكل ما يحتاجه شريطة القضاء على الإدارة الذاتية، لكن الإرادة كانت أكبر فتمكن مقاتلو قسد من القضاء على التنظيم كليا، مما جعل تركيا تتجه للتلاعبات السياسية لإفشال المشروع الديمقراطية الذي تتبناه الإدارة الذاتية.

عندما قضت قسد على داعش سارعت تركيا لفتح قنوات حوار مع روسيا الداعمة للنظام، ورجح محللون أن توجهها هذا كان للإجهاض الإدارة الذاتية حديثة العهد، وروسيا بدورها لعبت دورها أيضا هي الأخرى، فكلما كانت الإدارة تتجه لدمشق لعقد لقاءات مع الجانب السوري تعرقله موسكو للحفاظ على علاقتها مع تركيا.

اقتنعت تركيا بأن الإدارة الذاتية تسعى للحفاظ على الإدارة الذاتية، لا سيما وأنها كانت تحاول لإضفاء الطابع الانفصالي عليها، مما جعلها تتدخل عسكرياً ثلاث مرات في سوريا، المرة الأولى كانت في عفرين، والثانية بمعركة شكلية في الباب وجرابلس ضد داعش لا سيما وأنها كانت تحارب الوقت، والمرة الأخيرة في شمال شرق سوريا.

نجاح الإدارة الذاتية نجاح لسوريا

يدرك النظام السوري بأن الإدارة الذاتية نجحت نجاحات عديدة، ابتدأت بالقضاء على أعتى تنظيم إرهابي متمثلا بتنظيم داعش، تلاها بالمقاومة الكبيرة التي أبداها مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية بوجه الاحتلال التركي ومرتزقته، علاوة على ذلك فإن إشراك كافة مكونات الشعب السوري في إدارة المجتمع وتنظيمه كان طاغيا أيضا، ولا يختلف اثنان أن النفط السوري لم تخرج أي قافلة خارج سوريا، وهو ما يؤكد أنها وطنية بكل المقاييس.

استطاع القائمون على العمل في مؤسسات الإدارة الذاتية عودة الحياة المؤسساتية إلى المجتمع السوري الذي كان أخطر مستنقع للإرهاب وأكبره، مما مكن المواطن السوري من العيش بحياة مستقرة، فاستطاعت إعادة البنى التحتية إلى المنطقة بعد أن توقفت عدة سنوات، جراء الإرهاب.

وعلى الرغم من امتلاكها لنقاط قوة كبيرة لم تعمل الإدارة الذاتية في استغلالها في وجه الشعب السوري المقيم في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو استعاد السيطرة عليها توالياً، مما أكد أن الهدف هو الحفاظ على البنى التحتية السورية وإيصال خيرات سورية لكافة الشعب السوري.

وأكدت إلهام أحمد في حوار لها مع صحيفة الشرق الأوسط أن أي مماطلة أخرى ستزيد من الأزمة السورية تعقيدا، وستصعب من الوصول إلى نقاط تفاهم أخرى، وستفتح المجال بشكل أوسع للأتراك والتنظيمات الإرهابية للتوغل مجددا في أراض سورية، وأن النظام يعلم كل العلم أن الوجود التركي هو وجود احتلالي تسعى تركيا من خلاله لإعادة أمجاد الدولة العثمانية.

ليس المهم من يبادر، المهم من يحل الأزمة سلمياً

كانت وجهة النظام السوري في القبول بمبدأ الحوار أنها تنتقص من هيبته باعتباره دولة معترف بها دوليا، لكنه يدرك في الوقت ذاته أن أي إطالة للأزمة السورية لن تكون هذه المرة على حساب الشعب السوري فحسب، وإنما سيتضرر هو الآخر، فالمنطقة التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية وتديرها الإدارة الذاتية حاليا تعتبر السلة الغذائية السورية، كما وأنها غنية نفطيا، وبذلك فإن أي سرعة في القبول بالحوار سيكون من مصلحة الكل سواء الإدارة الذاتية أو النظام أو الشعب السوري، المقيم منه في سوريا أو اللاجئ في مختلف أصقاع العالم.

الحوار البنّاء يهدم الفراغ السياسي

يوجد آليات عمل تطرحها الإدارة الذاتية لتجاوز العقبات ومنها تطبيق وتنظيم العلاقات الدولية والاقليمية والداخلية بالإضافة للبدء بتفعيل العلاقات الدبلوماسية بين الدول وتجاوز العقبات التي تعيق حركة المواطنين وتسهيل عمليات الانتقال والتنقل والتخلص من بعض الصعوبات وأهمها إبعاد حالة الفراغ السياسي المرتبط بالدول الخارجية الذي قد يهدد بالوصول لحد الفشل السياسي والاقتصادي إلى ما هنالك من تبعات.

ويشير الواقع لوجود ضغوطات دولية وإقليمية تحرف التفاهم عن مطالب الشعب السوري والإدارة والنظام السوري، وهذه الضغوطات ترتبط في كل لحظة بمصالح الدول لتسلط من خلالها مناطق نفوذ جديدة لها وإشغال شعوبها بالحروب الخارجية، إلا أن الإدارة تدرك أهمية المنطقة لما لها من مركز اقتصادي وعسكري هام، كونها تمتلك الطاقات الطبيعية والصناعية والمواد الأولية والموارد البشرية، في حين أن الإدارة لن ترتهن لأي طرف من الأطراف الدوليين، بل ستسعى الإدارة الذاتية لتكون العلاقات مع الدول انتاجية وليست استغلالية.

ما يهم الإدارة هو القضاء على الإرهاب وداعميه، واتباع سياسة اقتصادية بناءة، والوقوف على المبادئ والثوابت التي تهم الوجود السوري وحواره، وخاصة أن أبناء المنطقة وقفوا صفاً واحداً في صفوف قسد للدفاع عن التراب السوري.

والجدير ذكره أن لدى الإدارة الذاتية خيارات سياسية واقتصادية عديدة ناجحة إلا أن عدم استقرار المنطقة من جهة الجانب التركي وتهديدات تركيا المستمرة بتدمير البنى التحتية وتهجير أبناء سوريا يقف عثرة حقيقية في وجه التنظيم الاقتصادي للمنطقة وإعادة الإعمار.

تقرير/ ماهر زكريا