لكل السوريين

صرخة صمت

في معابد الغياب نثرت بخور الآهات، تشهق بها كما مبضع يستوطن مواجع، وكل مواجع الآهات، مزاراتها انتماء، ترفض عبودية الاستقلال، وتستقيل من التحرر، فـ يا لـ ذاتها هذه!؟ صارت تجهل شائك الطريق، وحيث تكون المرساة!؟

وفيها…. فيها، تنسم لـ قمم، قمم تستوضع مرساتها، تشتعل ظلالا تفترش لهيب القناديل، وتستبدل امتعتها بزيوت الاشتعال، تترك قصاصة من شرايين، محطة منها تبتسم للأخرين.

فيتوشح السواد ويسائلها الزحام، علها من وقته يعطيها عينا ليرى، فيدعو بسره خطوة خجلة تخذل زحف دعوته الى بدء الطريق من ألم، ولا يعرف شيء إلا واحدا يجهله “قدرها” قدرها الذي ما زال يحبو، عله ينجلي ساعة نزق دون ان يسألها الرحيل.

لأن الغروب لن يقوى على احتمال ساعات الشذا العطر بأساور الأوهام، وهذا الزمن، الزمن الذي تبحث عنه في متاهات الحكايات وأسرار لم لتكتمل، تهديه كل اوراقها في قصة حكاية، تكتب تاريخ ضياع البحر مداده، قدر يومها بألف سنة.

يقلب صفحات العمر أوراقا تشهق الأيام معها، تراصفها كما أضلاع أو أغصان سنديان، تحررها من وهم غيبوبة عمر يلازمها وأيام لا تغتفر، تلملم جراحات على قارعة الماضي وكسرات مثلمة، تخاله الحاضر منها يثلم كسرة خبزه شاكرة، تتوسل نوافذ القادم وإغفاءة على قناديل مستقبل مطعون.

يربت على مدنها ويمد يد على مرافئها حانية، علها تبتعد عن التأرجح وفضاءات الوجود، دون افئدة سقيمة ودون ان ترائي الطرقات على عودته، تتنسم شعله المسافات بالرماد، وتبعثر تبجحها على قارعة الانتظار، تتلف من غيب مرمي إلى حيث ينعق الصمت ترتتيل.

تعتاش الغربة كاحتكار المطر حبات التراب حين يغوي عبق رائحته، آه، آه من حنين يتأوه يعصف بلمام اشلاءها، عله يعود ليعرف من هي، فتسابق ذاكرتها متكورة من براثن القديم، وسادة ينتابها الكبح ورأس لا يرتاح من هزات سعف بعض حياتها.

فتتشوه في كاهلها ملحمة المرافئ باحرة في كيانها، تضييعها بين يومها وأمس يتهافت الصمت عليها، مذهولة حين تضيع، تعيش اطفال كثيرون في داخلها وامرأة واحدة، تستجدي دموع الآخرين حيث الأحزان تتراقص وأمنيات، فتغفو الأيام ثكلى حيث مهاد المقل يناجي العيون من يتسلق آهات الليال.

تسير منتشلة صوت شجون من بعيد، تتهالك على ترنيمة عهد بلسمي يسلمها عرينا به تحتمي، وعلى أعرف النسيان تتصبب ساكنة في معصم الذكريات.

هو ذا زمن الانتظار يداهمها، يضوع منه كحل نوارس كسيرة لظله هائمة، تحتضر على مذبح اعترافات يضيق منه الكون فتدرك أن ذاكرتها نسيان، فتلهث أنفاس على عطر من أوردة المآقي، تنشج العبث ببلاغة الكحماء.

وما الصمت إلا اغتيال لعيون دامعة، يغادرها الأمل وخيبات تعودت أن ترحل إلى بقعة من زواياها، تتنهد رحيل يدمي شوكتها، وسنين مضنية تتهجأها، علها تتحرر من فحيح الرحيل، وتخلع غبار الصبر ورفوف الانتظار، تتنفس الصبر يغفو على مزامير اللازمكان، وجياد هزيلة تمنحها أقداما جسورة.

تتصنع منها الرقاد، وتغتصب جيد المحطات المستجدة، تدفن رأسها متكئة على عنابر يزينها وقار الصمت سيدا، يستقرء المسافات ويتحدى الامنيات، لا ابجدية تكفيها، وأقلام تتوه ونقوش فرعونية، يغيب عندها المداد وحروف من هيام وأنين، تبارك اعتناق الاغلال فيه وتأبى التناسخ، وشوق يرسم سفن فنار يبحث عن مساء تجوبه الشواطيء، وقارب من حنين.

تراودها الهداية تجاه هزيع ليل يتوق لخمر الدهور، تتوضأ من عشب يزهر فجرا، وينعفر بحضرة النجوم بابتسامة قلب عظيم، تتفيأ من قاحل سنين بحنين حبلى، تهب ما سيأتي من سنين عمرها تلابيب تباركها، وقدر أكثر رحمة من سجون روحها عند بقعة أخرى، وبقعة بين دمع يجري، ودم لم يكتمل معها اللحن الأخير.

يومها الذي ليلها فيه قتيل، صامتة مساءاتها، كخرائب طريد، على معصميها تنسكب انفاس ترنيمات السنون، وأمنيات تتثائب جوف الليل وأمان كعويل الذكريات، ثم …… لـ تكون ……  صرخة صمت

الصحفية العراقية: مكارم المختار

وكالة أنباء المرأة العراقية