لكل السوريين

سائقة “التكسي” الأولى في مدينة حلب تواصل المهنة الصعبة

السوري/ حلب  

تجوب “أم محمد” شوارع مدينة حلب وأزقتها باحثةً عن لقمة عيشها بسيارتها القديمة وهي تعمل كسائقة لسيارة أجرة في مدينة حلب. الظروف المعيشية “الصعبة جداً” وفق ما تقول “أم محمد” هي التي دفعتها إلى مزاولة مهنة غير معتادة عند النساء، خاصة في المدينة ذات الطابع الشرقي المحافظ والعادات والتقاليد التي لا تسمح للنساء بمزاولة مهنٍ متعبة وشاقة.

وتبلغ “سمية” المعروفة بـ”أم محمد” (44) عاماً، وتقيم في حي صلاح الدين بمدينة حلب، وكانت لحادثة مصرع ابنها البكر في ريف حمص أثناء تأديته لخدمته العسكرية في العام 2015، أثر في تحولها إلى مزاولة مهنتها الجديدة، وذلك بعد أن تركت عملها السابق كموزعة موسيقية في حفلات النساء بالأعراس الحلبية.

قبل ذلك فقدت “أم محمد” زوجها في العام 2011 إثر نوبة قلبية، تاركاً لها خمسة أطفال، “كنت مجبرة أن أعيل نفسي وعائلتي بعدما بقيت وحيدة في مواجهة مسؤولية تربية أولادي الخمسة، وها أنا أعمل على قيادة سيارة أجرة عمومية منذ أكثر من تسع سنوات”.

ومنذ بداية عام 2014 ازداد تدني الوضع المعيشي لسكان حلب بسبب تداعيات الحرب السورية وعدم قدرة الحكومة السورية على توفير فرص عمل وزيادة رواتب الموظفين، إلى جانب فقدان أعداد كبيرة من الذكور نتيجة المعارك الدائرة، مما أجبر النساء على امتهان أعمال لم يعتدن عليها من قبل، من أجل تلبية احتياجات عائلاتهن.

ومنذ ذلك الوقت باتت حالة “أم محمد” ظاهرة لافتة بمدينة حلب، وبالرغم من أن الكثيرين وجودوا في حالتها أمراً غير مرغوباً به، إذ كيف لامرأة أن تقود سيارة أجرة (تكسي)، لكن رويداً رويداً تمكنت السيدة الأربعينية، من فرض رغبتها في العمل واكتساب احترام محيطها، ليتقبلها الشارع الحلبي وتغدو السيدة الأولى والوحيدة التي تعمل كسائقة في المدينة.

تقول عبر حديثها (لصحيفة السوري): “أحب عملي رغم الانتقادات التي حصلت في البداية، لكني فضلت المتابعة على كلامهم، إلى أن اكتسبت احترام الجميع لي، متقبلين توصيلي لهم”.

وتواظب السيدة على الاستيقاظ باكراً كل يوم، وتتفقد سيارتها قبل الانطلاق إلى العمل وسط شوارع وأحياء مدينة حلب، فتبدأ بنقل ركابها حسب وجهتهم دون تمييزٍ بين الرجال والنساء.

ولا تخفي “أم محمد” أن بعض النساء ممن يركبن معها يعبّرْن عن اعجابهن بشجاعتها ويتمنّيْن أن يكنّ مثلها في قيادة السيارة.

واكتسب السيدة مع طول أمد مزاولتها لمهنتها أصدقاء من سائقي سيارات الأجرة “التكاسي” الذين يتعاملون معها بطريقة لائقة، وما أن يرونها واقفة بسبب عطل، حتى يهرعون إلى تقديم المساعدة من أجل حل مشكلتها.

وتقول: “بات لديّ زبائن خاصين يتصلون بي دائما، ومن بينهم نسبة كبيرة من النساء، وهذا ما يشعرني بالسعادة”.

وخلال سنوات الأزمة السورية فقدت كثير من العائلات في مناطق سيطرة الحكومة، معيلها، بسبب الخطف أو الاعتقال أو القتل، حيث بلغت نسبة الذكور من وفيات الحرب السورية نحو 82 %، وفق دراسة لـ “مركز دمشق للأبحاث والدراسات”.

وتحاول “أم محمد” أن تكون مثال لغيرها في مواجهة قساوة الحياة وعدم الاستسلام للظروف السيئة التي تمر بها العوائل بسبب التدهور المعيشي والتراجع الاقتصادي الناتج عن انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي.

وتقول إنها لم ترغب أن تكون عرضة لاستجلاب الشفقة، بل على العكس حاولت أن تغيّر من نظرة مجتمعها تجاه المرأة العاملة، مختارة العمل كسائقة سيارة أجرة، حتى أثبت قدرتها على القيام بأعمال ظلت محتكرة على الرجال.

وتقيم “أم محمد” حالياً مع ابنتها الصغرى التي تدرس في كلية الاقتصاد بجامعة حلب، بعد أن تزوج ابناءها الثلاثة، وهي لا تزال مصممة على متابعة عملها إلى حين ما يسمح لها جسدها على التحمّل.