لكل السوريين

التصحر.. ظاهرة مناخية عالمية تغزو المساحات الخضراء

حاوره/ مجد محمد

يعتبر التصحر من أكبر الأخطار المحدقة بدول العالم كافة وآليات مواجهتها، وذلك في ظل مجموعة من الأزمات المتلاحقة التي ضربت الدول ومنعتها من دعم تسريع جهودها لمواكبة سرعة تفاقم أزمة التصحر الآخذة في الاتساع والتهام الأراضي، خاصة في المنطقة العربية، التي تعاني من تأثيرات التصحر نظراً لموقعها الجغرافي المتأثر بالأشكال المختلفة من التصحر البيئي، والتصحر هو ظاهرة طبيعية تضرب المناطق القاحلة وشبه القاحلة، وتسببها عوامل جيولوجية وبيولوجية وإنسانية تؤثر سلباً على مؤهلات الأراضي وتجعلها هشة وغير قادرة على المقاومة، ومن أهم وسائل مواجهته التشجير ومحاربة قطع الأشجار العشوائي، إلى جانب إجراءات أخرى بينها عدم استنزاف الأراضي الزراعية، فالتصحر هو مشكلة عالمية تعاني منها الأراضي الزراعية، حيث يقل الإنتاج الحيوي لهذه التربة فينخفظ الغطاء النباتي، فهنا يجب أن تتكاتف الجهود لمواجهة هذه الظاهرة.

وفي هذا الصدد، وعن هذا الموضوع عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع المهندس الزراعي محمد الساير، ودار الحوار التالي:

*أستاذ محمد مرحباً بك بداية، ما هي اسباب التصحر برأيك؟

أهلاً وسهلاً بك، السبب الأول والأبرز هو إزالة الغابات يساهم الناس في تشكيل ظاهرة التصحر من خلال مشاركتهم في إزالة الغابات عند الرغبة في الانتقال إلى منطقة ما، أو عند الحاجة للأخشاب من أجل بناء المنازل أو لأغراض أخرى، فمثلاً شهدت مدينة الحسكة قطع كافة الاشجار المحيطة بها خصوصاً في شتاء عام ٢٠١٢ وانعدمت المظاهر الخضراء حولها تماماً، وكذلك التحضر وتنمية الأراضي فإن عملية التحضر تقود الناس إلى قتل الحياة النباتية، كما قد تسبب المشاكل المختلفة للتربة نتيجة للمواد الكيميائية والمواد الأخرى التي قد تضر الأرض، فعندما تصبح المناطق مدنية أو مأهولة بالسكان سيؤدي ذلك إلى تقليل المناطق التي تنمو بها النباتات مما يقود إلى التصحر، وتغير المناخ كذلك يلعب دوراً رئيسياً في عملية التصحر، فعندما يصبح الطقس أكثر دفئاً وتزداد فترات الجفاف سيصبح التصحر أكثر انتشاراً، وفي حالة تغير المناخ السريع ستصبح مناطق واسعة من الأرض صحراء، كما قد تصبح بعض هذه المناطق غير مأهولة، وأيضاً الاستيلاء على مصادر الطبيعة فعند احتواء الأرض على المصادر الطبيعية كالغاز، أو النفط، أو المواد الخام سيأتي الإنسان لحفرها للحصول على هذه المواد، مما يؤدي إلى تجريد الأرض من العناصر الغذائية، وقتل الحياة النباتية، وعند الاستمرار بهذه الأفعال ستتحول الأرض إلى صحراء.

*ما هي مراحل شدة التصحر؟

تصحر أولي خفيف وفيه تبدأ مؤشرات بسيطة تمس البيئة بشكل سلبي بالظهور كانخفاض وتراجع في حجم ونوعية الغطاء النباتي، وتصحر متوسط وتعد هذه المرحلة خطرة، وينبغي البدء فيها بالاعتماد على سياسيات تحول دون تفاقم الأمور، حيث ينخفض الإنتاج النباتي بمقدار الربع، وذلك بسبب انجراف التربة وتعريتها بفعل المياه والرياح أو لارتفاع درجة ملوحتها، وتصحر شديد تتفاقم مخاطر التصحر وتبدو مظاهرها أكثر وضوحاً من ذي قبل، فمع زيادة ارتفاع معدل ملوحة التربة ودرجة تعريتها ينخفض إنتاجها إلى النصف، وتبدأ أنواع جديدة ضارة من النباتات بالظهور لتحل محل النباتات المفيدة، ويمكن القول إن الوقت لم يتأخر بعد في هذه المرحلة لتدارك الأمور، إلا أن تكلفة الاستصلاح ستكون مرتفعة، وستتطلب العملية الكثير من الوقت، وتصحر شديد جداً وهي آخر مراحل التصحر وأقصى درجات التدهور البيئي، حيث تنعدم قدرة الأرض على الإنتاجية بسبب تحولها إلى كثبان رملية أو أراضي صخريةٍ خالية تماماً، ومن الصعب في هذه المرحلة إعادة الأرض إلى سابق عهدها أو استصلاحها نظراً للتكلفة العالية.

*ما هي عواقب التصحر؟

يؤدي التصحر إلى العديد من العواقب التي تؤثر سلباً على النظام البيئي، فيؤثر التصحر على توفير الخدمات الأساسية، مثل: الماء العذب، والغذاء، والأعلاف، ويؤثر في تنظيم خدمات أساسية مثل تنقية المياه، كما أنه يؤثر في تنظيم المناخ ويسبب تغيراً في الطقس، وكذلك يؤثر في الخدمات الثقافية والترفيهية ويؤثر في التربة وقلل من إنتاجها، ويسبب هجرة الناس من المناطق التي تعرضت إلى التصحر إلى مناطق أخرى جديدة، وهذا يؤدي إلى تفاقم الزحف العمراني، مما يؤدي إلى مشاكل سياسية واجتماعية، ويؤدي كذلك إلى تحويل المراعي والأراضي الحرجية المتبقية إلى أراضي زراعية، مما يؤدي إلى زيادة الضغط على النظام البيئي الذي يسبب تدهور خصوبة التربة وتآكلها، وأيضاً تعرض التربة السطحية للرياح نتيجة التصحر، الأمر الذي يسبب تآكلها مع مرور الزمن.

*ما هي المناطق المعرضة للتصحر؟

توجد بعض المناطق التي تعد أكثر عرضة للتصحر من غيرها، وهي الأراضي الزراعية المروية فيؤدي ري الأراضي إلى تراكم الأملاح في التربة، وهذا يسبب تدهور حالة الأرض، ويقلل من إنتاجيتها، وتجدر الإشارة إلى أن المحاصيل المروية تحتاج إلى ٨٠ سم من الماء سنوياً، ومع الاستمرار في الري ستتراكم الأملاح في التربة في حال لم تصرف بطريقة صحيحة، والأراضي الزراعية البعلية فيؤدي سقوط الأمطار على تلك الأراضي بكميات متفاوتة إلى تصحرها، فقد تصبح أراضي جافة في المواسم التي يقل فيها هطول الأمطار، وستتعرض التربة إلى الرياح باستمرار مما يؤدي إلى تآكلها، وكذلك الأراضي التي تعرضت إلى الرعي الجائر مما سبب تضررها وأدى إلى تعريتها، مما عرض تربتها للتآكل، إذ تستهلك المواشي معظم النباتات الموجودة في المنطقة وتدوس على بعضها الآخر وتتلفها، والأراضي الحراجية الجافة التي تعرضت إلى التحطيب المفرط، ومعظم هذه المناطق تنتشر في قارتي آسيا وأفريقيا، إذ يوضع الخشب في أفران مخصصة لإنتاج الفحم لاستخدامه لاحقاً للطهي، ولا يعاد زراعة هذه المناطق.

*برأيك، ما هي الحلول للقضاء على التصحر؟

توجد العديد من الحلول التي يمكن اتباعها للقضاء على التصحر، ومن أبرزها إدارة الأراضي والري إذ إن الإدارة المستمرة للأرض بفعالية تصلح بعض المشكلات، مثل: الرعي الجائر، وتآكل التربة، والابتعاد عن الري المفرط المؤدي إلى تصحر التربة، والحفاظ على الغطاء النباتي حيث يكمن دور الغطاء النباتي في حمايته للتربة من تآكل الرياح، كما أنه يحميها أثناء فترات الجفاف، والزراعة البديلة واستخدام الأساليب الزراعية الحديثة فهذه الأساليب تقلل من الضغط على التربة وتآكلها، إذ يمكن عمل برك مخصصة لتربية الأسماك في المناطق الجافة للحد من مشكلة التصحر، وإنشاء السور الأخضر هو مشروع لزراعة الأشجار على شكل خط كالأسوار لمكافحة تدهور الأراضي ولتجديد الحدائق، وهذه المبادرة بدأت في قارة إفريقيا في ١١ دولة، وذلك لإحياء الحياة النباتية وتعزيز المناظر الطبيعية وبدأت الان ايضا في العديد من دول الشرق الأوسط حيث انه بسبب تغير المناخ باتت الدول تتجهز لمواجهة التصحر.

*هل هناك أضرار للتصحر تؤثر على الإنسان؟

نعم بالتأكيد، يؤثر التصحر على صحة الإنسان، ويبدو ذلك واضحاً من خلال أمراض الجهاز التنفسي التي تنتشر بسبب زيادة ملوثات الهواء والغبار وانتشارها، ويعمل التصحر كذلك على انتشار الأمراض المعدية وذلك بسبب الهجرات الجماعية التي يقوم بها البشر للهروب من التصحر ونقص المياه في بلدانهم، ويقوم التصحر بالتأثير على موارد التغذية، حيث إنه يعمل على نقصانها، وذلك بسبب التأثير الذي يقوم به على الإنتاج سواء النباتي أو الحيواني، ويعمل التصحر كذلك على انتشار الفقر وإصابة الأفراد بسوء التغذية والجوع، وذلك بسبب النقص الذي يصيب قطاعات الإنتاج النباتي والحيواني، وإن قلة المياه وندرتها الناتجة عن التصحر تجعل الأفراد يلجؤون إلى استخدام المياه غير النقية، مما يزيد من احتمالية إصابتهم بالأمراض، يعمل التصحر أيضاً على زيادة نسبة الأمراض بشكل عام، والتي قد تتسبب بالموت الذي يعد من أسوأ الأضرار الناتجة عن التصحر.

*ختاماً كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك…

تعد زراعة الأشجار أحد أهم مقومات الحفاظ على البيئة، فمع التغيرات المستمرة في المناخ عالمياً وزحف ظاهرة التصحر بشكل عام وفي المنطقة بشكل خاص، فإنه من المهم زيادة الاهتمام بالتشجير وزيادة المساحات الخضراء، حيث أن ذلك يعد واجباً إنسانياً واجتماعياً وذلك للحفاظ على الأرض والتربة والمناخ بشكل عام.