لكل السوريين

أيها الراحل الثقيل.. إلى غير لقاء

لطفي توفيق

بعد غدٍ.. يلفظ هذا العام الثقيل أنفاسه الأخيرة..

ويضع عباءته السوداء على كتفيه..

ويرحل غير مأسوف على رحيله..

ولا مرحب بقدوم مثيله.

وقبل أن أفكر بما سأتمناه في العام القادم..

الذي لانعرف إن كان أقل سوءاً من سابقه..

بل من سابقيه منذ عقد من الزمن.

اجتاحت ذاكرتي المسكونة بالوجع والتعب..

أرقام ينزف كل رقم منها دماء ودموعاً ورعباً وأرقاً.

فعلى ذمة الراوي..

ترك لنا العام الراحل أكثر من طفل قتيل كل يوم..

وأكثر من طفل جريح كل يوم.

وعلى ذمة الراوي..

ولد ما يزيد عن خمسة ملايين طفل على مدى سنوات المحنة..

لم تسكن ذاكرتهم سوى ألوان الموت وأشكاله.

ولم تسمع آذانهم سوى دويّ القذائف..

وحشرجة الموت..

وعويل الثكالى والأيامى..

وصراخ اليتامى.

ولم تقع أبصارهم إلّا على مناظر الدماء والأشلاء المبعثرة..

والدمار.

وولد ما يزيد عن مليون طفل سوري في مناطق الشتات..

لا يعرف معظمهم سوى خيام تتلاعب فيها الرياح..

وتجتاحها مياه الشتاء ووحولها.

ولفحات هجير الصيف وغبارها.

ولم يجلس معظمهم على مقعد دراسي في مدرسة ما.

أيها الوطن  المثخن بالجراح..

كيف ستعيد هؤلاء البراعم إلى دفء عينيك الدامعتين.

وكيف ستشعرهم أنك لهم..

ومن أجلهم سترتفع فوق جراحك..

وفوق رؤوس جلاديك.

أيها الوطن  الأكثر نبلاً.. ونقاء..

رغم كل أنياب الغدر التي نهشت لحمك.. وماتزال.

وكل الأفاعي التي نفثت سمومها في جسدك .. وماتزال.

وكل الخناجر التي طعنت خواصرك..

وحاولت تقطيع أوصالك.. وماتزال.

مازال لدينا بعض شذرات من قصائد الياسمين الدمشقية..

وبعض من حنين النوارس إلى مياهك الزرقاء.

وشموخ الجبال التي علّمتنا ملحمة الشموخ.

وطيف ابتسامة الفرات بوجه محبيه الطيبين.

وحنين النواعير إلى مياه العاصي.

وبوح سنابل الجنوب والشمال للنسمات التي تداعبها.

والكثير.. الكثير من الحلم..

ومن الأمل.

فكما تنطلق الفراشة من الشرنقة..

قبيل احتضارها..

قد ينطلق الأمل من ركام الأشلاء..

وشلالات الدم.

فكل لحظة ونحن على هكذا أمل.

وكل يوم ونحن على ثقة بالخلاص من المحنة.

وكل زمن وأنت بخير..

أيها الوطن الأكثر نبلاً.. ونقاء.. وعطاء.