لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية ’’6’’

لطفي توفيق   

تعتبر التجربة البرلمانية في سوريا من أولى التجارب في المنطقة، حيث تم انتخاب أول مجلس نيابي في بلام الشام، التي كانت تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، في السابع من حزيران عام 1919، تحت اسم المؤتمر السوري، وعقد أول اجتماع له في دمشق بمشاركة 85 نائباً، ومثّل أول صيغة برلمانية فريدة من نوعها في الوطن العربي.

وتتالت التجارب البرلمانية في سوريا تحت تسميات مختلفة.

وقبل ذلك، بدأت محاولات أولى للتجربة البرلمانية، ولكنها كانت تتهمش أو تتعطل أو تلغى، بسبب فرمانات الإمبراطورية العثمانية، أو قرارات الانتداب الفرنسي، أو عدم الاستقرار السياسي وتتالي الانقلابات العسكرية في مرحلة الاستقلال وما بعدها.

ورغم قصر هذه التجارب، وتعثرها غالباً، لكنها ساهمت في بلورة العمل البرلماني، وتراكم الخبرات خلال هذه التجارب، قبل أن تصل إلى مرحلة النضج في بعض مراحلها.

 

التجربة البرلمانية في ظل الاستعمار الفرنسي 4

طرح برلمان عام 1932 المسائل الهامة المتعلقة بتنمية البلاد وتنفيذ عدد من المشاريع الاقتصادية الهامة فيها.

وكان في تلك الفترة صلة الوصل بين الشعب والدولة إذ كان يعبر عن أمزجة الناس ويعكس مطالبة الأحزاب والمنظمات السياسية .

وعلى الرغم من أن سلطة البرلمان الفعلية لم تكن كبيرة، إلا أنه قام بدور كبير في تكوين المناخ السياسي في البلاد.

وبعد أن رفض البرلمان المصادقة على “معاهدة الصداقة والتحالف مع فرنسا” بسبب مساسها بحقوق الأمة، نشبت أزمة بينه وبين المفوضية الفرنسية، وعلى إثرها قرر المندوب الفرنسي  تعليق عمل البرلمان في 21 كانون الأول عام 1933.

واستمر تعليق عمله حتى عام 1936، حين توصلت المفوضية الفرنسية لاتفاق مع الكتلة الوطنية في أعقاب الإضراب الستيني الذي نفذته دمشق بمواجهة سلطات الاحتلال الفرنسي.

ونتج عن هذا الاتفاق إجراء انتخابات عام 1936، حصلت من خلالها الكتلة الوطنية على غالبية مقاعد البرلمان، وجرى انتخاب هاشم الأتاسي رئيساً جديداً لسورية، كما تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة جميل مردم بك.

واتخذ هذا البرلمان الذي ترأسه فارس الخوري عدداً من القرارات الهامة المرتبطة بالحصول على الاستقلال، وعادت منطقتا جبل العرب واللاذقية لتدخلا في الخريطة السورية.

وطرحت بقّوة، مسألة وضع لواء الإسكندرون نظراً لوجود خطر سلخ هذا اللواء عن سورية.

واستمرّ البرلمان بتسيير شؤون البلد عبر السلطة التنفيذية المنبثقة عنه حتى 1939، حين ثارت الاضطرابات في مختلف أنحاء سورية بعد أن ألغت السلطات الفرنسية قرار إعادة جبل العرب واللاذقية إلى سورية.

وعلّق العمل بالدستور، واضطر رئيس الجمهورية إلى الاستقالة، وأصاب الشلل عمل البرلمان.

 

وبعد حسم الحرب في الشرق الأوسط، جرت انتخابات أسفرت عن فوز الكتلة الوطنية مرة أخرى بغالبية المقاعد.

وانتخب برلمان جديد عام 1943برئاسة فارس الخوري، وانتخب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية، وتم تشكيل حكومة جديدة.

وأعلن البرلمان في جلسته الأولى بتاريخ 17 آب 1943، إعادة السلطة التمثيلية إلى البلاد.

وتمكنت الحكومات المتعاقبة خلال تلك الفترة من تحقيق خطوات استقلالية في البلاد، مثل عدم طلب موافقة المندوب الفرنسي على التشريعات النافذة منذ 1941.

واتخذ المجلس قرارات مهمة باتجاه الاستقلال عن فرنسا.

وخلال انتفاضة الاستقلال عام 1945، رفض حرس البرلمان تحية العلم الفرنسي، فقام الجند من الجيش السنغالي الفرنسي، باقتحام المبنى وعاثوا فيه فساداً، كما قتلوا 29 دركياً من حرس المجلس يوم 29 أيار 1945، ما تزال البلاد تحتفي بهذا اليوم تكريماً لهؤلاء الشهداء.

وقد أفضت الجهود الديبلوماسية بعد الانتفاضة لتحقيق جلاء فرنسا، واستقلال البلاد الكامل في 17 نيسان عام 1946.