لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية 1

لطفي توفيق   

تعتبر التجربة البرلمانية في سوريا من أولى التجارب في المنطقة، حيث تم انتخاب أول مجلس نيابي في بلام الشام، التي كانت تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، في السابع من حزيران عام 1919، تحت اسم المؤتمر السوري، وعقد أول اجتماع له في دمشق بمشاركة 85 نائباً، ومثّل أول صيغة برلمانية فريدة من نوعها في الوطن العربي.

وتتالت التجارب البرلمانية في سوريا تحت تسميات مختلفة.

وقبل ذلك، بدأت محاولات أولى للتجربة البرلمانية، ولكنها كانت تتهمش أو تتعطل أو تلغى، بسبب فرمانات الإمبراطورية العثمانية، أو قرارات الانتداب الفرنسي، أو عدم الاستقرار السياسي وتتالي الانقلابات العسكرية في مرحلة الاستقلال وما بعدها.

ورغم قصر هذه التجارب، وتعثرها غالباً، لكنها ساهمت في بلورة العمل البرلماني، وتراكم الخبرات خلال هذه التجارب، قبل أن تصل إلى مرحلة النضج في بعض مراحلها.

التجربة البرلمانية في الحقبة العثمانية

بدأت بوادر التجربة البرلمانية في عهد الإمبراطورية العثمانية التي عرفت بالتسلط وانتهاك الحقوق وغياب الحريات العامة والعدالة الاجتماعية.

ولكن رياح التغيير التي عصفت بأوروبا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وصلت إلى هذه الإمبراطورية الغارقة بالظلام والتخلف، وأجبرتها على بعض التغيير بسياستها الداخلية والخارجية.

وفي التاسع من شهر تشرين الأول عام 1876، وعد السلطان عبد الحميد الثاني بإقامة برلمان على أساس الدستور الذي اقتبست أحكامه الرئيسية من الوثائق التشريعية لبعض الدول الأوروبية، والولايات المتحدة.

وتشكل أول برلمان في الإمبراطورية من مجلسين هما مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

وطبقاً للدستور كان كل من المجلسين يبدأ دورته في بداية تشرين الثاني من كل عام، ويواصل عمله في غضون أربعة أشهر.

وكان السلطان يملك حق دعوة البرلمان للانعقاد قبل الموعد المعين، أو يؤجل عقده، ويحدد برنامج عمله في خطابه عند افتتاح دورته.

وكان السلطان يعين ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ويجري انتخاب الآخرين بموجب اقتراع سري، بنسبة نائب واحد لكل خمسة آلاف من الذكور.

كما يعين في مجلس النواب 25 نائباً، من أصل 125 يمثلون جميع مناطق الإمبراطورية العثمانية، ومنهم 16 نائباً عن البلدان العربية.

أما سن القوانين الجديدة، أو إدخال تعديلات على التشريعات السارية المفعول، والاقتراحات المتعلقة بها، فكانت تعالج في مجلس الشورى أولاً، ثم ترسل إلى مجلس النواب، وبعد ذلك إلى مجلس الشيوخ.

وبعد أن يحظى مشروع القانون بموافقة غالبية الأصوات في المجلسين، كان يرسل إلى السلطان للمصادقة عليه وإقراره.

وجرى افتتاح هذا البرلمان بصورة رسمية، وبشكل احتفالي، في السابع من شهر آذار عام 1877، وترأسه أحمد وفيق باشا.

وكان الدستور يضمن لأعضاء البرلمان حرية التعبير عن آرائهم ويحميهم من الملاحقة القانونية بسبب هذه الآراء.

ولكنه لم يسمح لهم بانتقاد سياسة السلطان، أو التعليق على أقواله، ولم يكن النواب يتعرضون للسلطان خلال خطاباتهم في البرلمان.

ولكن الوزراء وغيرهم من كبار الموظفين كثيراً ما كانوا يجدون أنفسهم تحت نيران النقد بسبب المحسوبيات والرشوة وغيرها من حوادث الفساد.

وكانت ترتفع بعض الأصوات مطالبة بإجراء إصلاحات جذرية للنظام الإداري في البلاد.

وتقدم النواب إلى السلطان بمقترحات إيجابية لإصلاح وتطوير هذا النظام.

ولكن السلطان لم يعمل بهده المقترحات، بل قام بحل هذا البرلمان بعد ثلاثة أشهر من افتتاحه.

ومن الفوائد التي تحققت عبر هذه التجربة رغم قصرها، التقاء نواب البرلمان الأول الممثلين لمناطق متخلفة، ومنعزلة عن بعضها في الدولة العثمانية المترامية الأطراف، وتبادل الخبرات والآراء، واكتشاف وجود قضايا وهموم مشتركة فيما بينهم، وإدراك أن أسباب التذمر والاستياء من غطرسة هذه الإمبراطورية، موجودة بكافة الأقاليم المحتلة من قبل العثمانيين.