لكل السوريين

لبنان على أبواب مرحلة انتقالية خطيرة.. والعلاج بالمسكنات لا يجدي

تقرير/ لطفي توفيق 

بسبب استمرار الأزمة الاقتصادية في لبنان فقدت الليرة اللبنانية معظم قدرتها الشرائية، وصار أكثر من نصف الشعب اللبناني يعيشون تحت خط الفقر.

واستفحلت الأزمة لدرجة لا يمكن حلها بالطرق التي اعتاد النظام في لبنان اعتمادها، فقد كسرت هذه الأزمة حاجز الخوف لدى المواطن اللبناني، كما كسرت الحواجز بين الطوائف بعدما بات معظم اللبنانيين غير قادرين على تأمين لقمة العيش لأطفالهم.

وصارت إثارة النعرات الطائفية لتقسيمهم وإضعاف حراكهم، لعبة قديمة وغير مجدية في ظل هذه الأزمة الخانقة.

فالطبقة السياسية الحاكمة في لبنان لا تعنيها مصالح البلد بقدر ما تعنيها مصالحها الخاصة، وهي غير قادرة، وربما غير راغبة، بتشكيل حكومة قادرة على التعامل مع الأزمة الاقتصادية وإخراج لبنان منها.

وحتى لو تمكنت من تشكيل حكومة توافقية أو اختصاصية، لن يتغير شيء على أرض الواقع،

فالوقت قد تأخر على تشكيل حكومة قادرة على وضع خطط إصلاحية، وعلى التفاوض مع صندوق النقد الدَولي للحصول على قروض مالية تساهم بوقف التدهور الاقتصادي.

وبغض النظر عن الأسباب، التي أوصلت لبنان إلى حافة الانهيار، وسيان إن كانت ناجمة عن صراعات سياسية ومذهبية وحزبية داخلية، أو صراعات إقليمية ودولية في ظل مرحلة التسويات التي بدأت ملامحها بالظهور، يقف لبنان على أبواب مرحلة انتقالية دقيقة ومعقدة، لن يكون اللبنانيون، بمختلف أطيافهم، من اللاعبين الأساسيين فيها.

احتجاجات وقطع طرق

جدد محتجون لبنانيون قطع الطرق الرئيسية في العاصمة، وفي مدن أخرى شمالي وجنوبي البلاد، تنديدا بسوء الأوضاع المعيشية، في وقت سجلت فيه العملة المحلية مزيداً من الهبوط.

وشهدت بيروت قطع عدة شوارع بالإطارات المشتعلة وحاويات النفايات، كما أقفل المحتجون أوتوستراد “جل الديب”، وركن آخرون سياراتهم في الطريق الساحلي شمال بيروت.

وفي صيدا قطع المحتجون الطريق في شارع رياض الصلح ، ومنعوا السيارات من العبور، وسط انتشار لعناصر الجيش الذين عملوا على إعادة فتح الطريق.

وردد المحتجون هتافات رافضة للارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية، والغلاء المعيشي المستفحل، وغياب الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وبنزين وأدوية.

ولنفس الأسباب أغلق محتجون أوتوستراد المنية الدولي شمالي البلاد، عند مستديرة عرمان، بعدما وضعوا مركبات وحجارة وسطه.

كما انطلقت مسيرة في مدينة طرابلس يتقدمها الأطفال، وجابت شوارع المدينة احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية.

علاج بالمسكنات

وافقت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية على تمويل استيراد المحروقات للأشهر الثلاثة المقبلة وفق سعر صرف 3900 ليرة للدولار بدلاً من السعر الرسمي البالغ 1500 ليرة لبنانية، مما يسمح للحكومة بتوفير إمدادات من الوقود لفترة أطول.

ولكن ذلك سيؤدي إلى رفع جديد لسعر البنزين سيواجهه المستهلك اللبناني عندما يدخل القرار حيز التنفيذ.

ويشهد لبنان نقصاً حاداً في المحروقات جراء الأزمة الاقتصادية، ما دفع عدداً من القطاعات الإنتاجية والمستشفيات والمصانع والمخابز للتحذير من تداعيات أزمة المحروقات على عملها.

وتنفذ الحكومة برنامجاً للدعم يغطي السلع الأساسية مثل القمح والأدوية والوقود وتبلغ تكلفته نحو 6 مليارات دولار سنويا.

واستحدث هذا البرنامج العام الماضي في الوقت الذي تمخضت فيه الأزمة الاقتصادية للبلاد عن ظروف معيشية صعبة.

ويرى المتابعون للشأن اللبناني أن هذه الإجراءات تشبه علاج المرض المزمن بالمسكنات التي لا تعالج المرض وأسبابه.

تحرك فرنسي أميركي مشترك

أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن باريس وواشنطن “ستتحركان معا للضغط على المسؤولين عن الأزمة التي يغرق فيها لبنان منذ أشهر”.

وقال لودريان في مؤتمر صحفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في باريس “نلاحظ معا المأساة التي يمكن أن تحصل في حال تفتت هذا البلد أو زال”، وأضاف “قررنا أن نتحرك معا للضغط على المسؤولين”.

وأشار وزير الخارجية الفرنسي إلى أنه وبلينكن لديهما “التقييم نفسه للوضع بشأن الانهيار المأساوي لهذا البلد”، منتقدا القادة السياسيين اللبنانيين و”عجزهم عن مواجهة الوضع في بلادهم، أو الشروع  بأي عمل لإنهاضها “.

تناحر على السلطة

أكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن جوهر الأزمة الحكومية في لبنان ينبع من تناحر الزعماء اللبنانيين على السلطة.

وقال إن البلد يواجه أزمة اقتصادية كبيرة، ومن أجل حلها يحتاج اللبنانيون إلى حكومة تتمتع بقدرات فنية وسلطة حقيقية، وقادرة على تجاوز الأزمة، وحثهم على تنحية خلافاتهم وتشكيل هذه الحكومة، أو المخاطرة بانهيار مالي كامل والتعرض لعقوبات.

وأشار بوريل بعد محادثاته مع الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء المكلف ورئيس مجلس النواب، إلى إنه وجّه رسالة صريحة مفادها أن بعض الزعماء قد يواجهون عقوبات إذا استمروا في عرقلة الخطوات الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة وتنفيذ إصلاحات.