لكل السوريين

الأزمة السورية إلى متى؟

حسن مصطفى

مما لا شك فيه أن الأزمة السورية وإن كانت قد جاءت بعد ثلاث ثورات ما يسمى بالربيع العربي والتي كان أولها في تونس والثانية في مصر والثالثة في ليبيا إلا أنها كانت متميزة عن سائر هذه الثورات في كثير من الجوانب، في الجانب الأول والأساسي هو فترة الأزمة السورية التي دخلت عامها التاسع في حين أن أزمة مصر لم تتجاوز في أحداثها الشهر وكذلك الثورة في تونس.

أما ليبيا فقد انتهت الصفحة الأولى والرئيسية من الثورة الليبية خلال بضعة شهور، والسؤال هو ترى لم سُمح بانتصار الثورات السابقة في فترات زمنية قصيرة نسبياً إذا ما قورنت بالأزمة السورية إذا علمنا أن مصر تمثل الثقل الديمغرافي العربي، وهي كانت ولا زالت تلعب الدور الحاسم في السياسة والمعادلات الإقليمية والعربية، أما ليبيا بلد الثروات النفطية الهائلة والاقليم الجغرافي الكبير إضافة إلى موقعها الجيوسياسي الهام بالنسبة لأوروبا، أما تونس فكانت إلى عهد قريب هي عرابة الحلول السياسية في المنطقة وفجأة تم التسليم بسقوط النظام التونسي وانسحابه من المشهد السياسي التونسي بالرغم من خصوصية طابعه الأمني بامتياز إلا أنه سُمح للثورة التونسية أن تطيح به خلال ثمانية عشر يوماً.

أما الأزمة السورية التي تميزت عن تلك التغيرات بأنها أطول أزمة في التاريخ البشري حيث استمرت لأكثر من تسع سنوات، وهو ما يعادل مجموع الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهذا مؤشر هام على حجم الأهمية الاستراتيجية التي تختص بها سورية أرضاً وشعباً.

وفي جانب آخر لا يقل أهمية عن سابقه هو حجم التدخلات الدولية الإقليمية والعالمية في الأزمة السورية، ويمكن القول بأن معظم الدول الإقليمية شاركت في الأزمة السورية بدءاً من مصر التي احتضنت إحدى منصات المعارضة مروراً بالرياض التي كانت حاضنة لمنصة ثانية ومن ثم الإمارات التي استقبلت الكثير من رؤوس الأموال السورية المهربة وقطر التي تبنت العديد من الفصائل المتشددة برضى ومباركة من اللاعبين الدوليين.

ولبنان الذي ساهم هو الآخر بإرسال ميليشيات حزب الله للقتال إلى جانب قوات الحكومة السورية، أما العراق فكانت ميليشياته الشيعية متعددة الأسماء تقاتل هي الأخرى بأوامر من إيران إلى جانب الحكومة السورية.

أما تركيا فكانت منذ الأيام الأولى ملاذاً للكثير من السوريين الذين فروا من جحيم الحرب وفي نفس الوقت استطاعت أن تستقطب الكتلة الرئيسية من المعارضة السورية على أراضيها لتصبح فيما بعد لاعباً مهماً ورئيسياً على الساحة السورية.

أما إيران فكانت الداعم المالي الرئيسي للحكومة السورية، إضافة إلى دعمها سياسياً وعسكرياً حتى باتت وإلى حد كبير صاحبة القرار في الشأن السوري، حيث كانت تمثل الحكومة السورية في كثير من المحافل والمؤتمرات واللقاءات الدولية المتعلقة بالشأن السوري.

أما اللاعبين الرئيسيين فهما الولايات المتحدة وروسيا اللذان كانا منذ الأيام الأولى يتبادلان الأدوار، وضمن تفاهم سياسي يقوم على نظرية إدارة الأزمة السورية، وليس البحث عن حل لها ومن خلال هذه الأزمة جرت محاولات عديدة لحل كثير من المشاكل والقضايا العالقة بين الطرفين في مناطق مختلفة من العالم بدءاً بالملف الأوكراني مروراً بالاتفاق النووي الإيراني إلى الثورة الفنزويلية إلى كوريا الشمالية.

وكل تلك الملفات جرى التفاهم عليها على حساب الأزمة السورية دون اكتراث بحجم المعاناة والدمار والتضحيات التي تكبدها الشعب السوري وحجم التهجير الذي طال الملايين منه وتعطيل لمسيرة تنميته، وكل ذلك جرى عن سابق إصرار وعمد لأنهم يعرفون أن الشعب السوري يختلف عن سائر شعوب المنطقة، فهو من الشعوب التي مرت عليها كثير من الحضارات والأمم ولم تتمكن من صهرها وطمس هويتها، بل بالعكس تأثر بها كل المارين على الأرض السورية لأن الشعوب السورية هي من الشعوب الأصيلة والفاعلة في الحضارة الإنسانية، ومنها تأثرت كثير من الحضارات واستمدت منها أبجديتها الأولى التي بها استطاعت أن تسطر أسفار تلك الحضارات لتبقى خالدة على مر العصور.

من هنا، ومن كل ما سبق أن ذكرنا نجد أن سورية الأرض والانسان كانت ولا زالت وستبقى علامة فارقة في تاريخ الإنسانية، وستعود سوريا إلى سابق عهدها ودورها، بعد أن أدرك السوريون أن سر خلاصهم من أزمتهم هو بعودتهم إلى سوريتهم وبمحبتهم لسوريتهم وإيمانهم بسوريتهم ورفضهم لكل التدخلات الخارجية أياً كان مصدرها ومبعثها، لأنها كانت السبب في إطالة أزمتهم التي آن الأوان لانتهائها.