لكل السوريين

الجنوب السوري ساحة لكبار اللاعبين.. والتوتر مستمر في المنطقة

تتزايد الأزمة في سوريا تعقيداً يوماً بعد يوم، في ظل غياب ملامح تسوية لهذه الأزمة، وخاصة في الجنوب السوري، حيث يرجح أن يتحول إلى ساحة صراع إقليمي بسبب أهمية موقعه، وكثرة الفصائل المسلحة العلنية والسرية على أرضه، وتباين مصالحها، ومصالح القوى الإقليمية والدولية التي تتواجد على أرضه مباشرة، أو عبر وكلاء من الفصائل المحلية، وتصاعد التنافس بين الدول المتواجدة على أرضه، حيث تتمسك روسيا بعدم السماح لإيران، وللميليشيات الموالية لها، بالسيطرة على المنطقة القريبة من حدود الهدنة مع الكيان الصهيوني، ومن الحدود الأردنية السورية، عملاً باتفاق غير معلن تم بينها وبين الأردن الذي لا يرغب برؤية الجماعات الإسلامية المسلحة قرب حدوده، وباتفاقها مع الكيان الصهيوني الذي يسعى لإخراج إيران من الجنوب السوري، ومنعها من ترسيخ تواجدها العسكري في سوريا.

وتزيد الاشتباكات المستمرة في الجنوب السوري من هذا لاحتمال، خاصة أنها تزايدت بشكل ملفت خلال الأشهر الماضية بين مختلف الميليشيات المتواجدة في الجنوب، وبين عناصر تنتمي إلى جهات غير معلومة، وتوصف غالباً بـ “المجهولين”.

وحتى الآن، حال الوضع القائم في المنطقة دون تصعيد كبير قد يصل إلى نزاع إقليمي، وهو ما يجعل استمرار هذا الوضع مرغوباً فيه من قبل الكثيرين على الصعيد الإقليمي والدولي، على أن  تستمر الضغوط الروسية على إيران للحد من تواجدها في الجنوب.

وإيران لا تريد فيما يبدو، تقويض هذا الوضع في الوقت الراهن، ولكنها تسعى إلى التخفيف من  القيود الروسية المفروضة عليها، والعمل على تحقيق مصالحها في سوريا.

وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن تغيير المعادلة القائمة ممكن، إذا اختلت معادلة التنسيق بين موسكو وطهران، في تنافسهما على تحقيق مصالح ونفوذ كل منهما على الساحة السورية، وهو ما قد يؤدي في حال حدوثه، إلى تصعيد خطير في المنطقة.

لواء العرين

منذ بداية تدخلها في سوريا، سعت إيران إلى تعزيز تواجدها في منطقة الجنوب، كما فعلت روسيا.

وأبرز خطوة قامت بها طهران على هذا الصعيد، تشكيل ما عرف باسم “اللواء 313” عام 2017، ومحاولاتها المستمرة لاستقطاب شبان المنطقة، عن طرق الإغراءات المالية والأمنية.

وقد تمكّن هذا اللواء المعروف بارتباطه الوثيق بـحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني،

من استقطاب عدد من شبان الجنوب السوري، الذين ساهموا في العمليات العسكرية التي أطلقتها قوات النظام بدعم روسي وإيراني ضد الفصائل المسلحة في الجنوب، قبل تسويات ومصالحات عام 2018.

وكانت مقرات اللواء في مدينة ازرع، تعمل على تجنيد شبان المنطقة مقابل رواتب مغرية، ومنح المتطوعين بطاقات أمنية تضمن لهم المرور عبر الحواجز العسكرية، على أن يخضعوا لدورات عسكرية في معسكرات تابعة لها.

وتحول اسم هذا اللواء فيما بعد، إلى اسم “لواء العرين”، وغاب عن الأضواء الإعلامية خلال العامين الماضيين لأسباب غير معروفة، قبل أن يعود إليها مجدداً عبر عروض انتساب جديدة، تزامنت مع محاولات استقطاب الشبان من خلال تسوية أوضاعهم الأمنية، وتأجيل خدمتهم العسكرية لعام واحد.

الفيلق الخامس

وبدورها قامت روسيا بتعزيز تواجدها في المنطقة الجنوبية، مع أن حساباتها تختلف عن الحسابات الإيرانية، فهي تعتبر نفسها مسؤولة عن الهدوء الذي يسود مناطق الجنوب

بعد المصالحات التي كانت عرّابتها.

ولكنها تتفق مع المحاولات الإيرانية من حيث الشكل، فخلال مرحلة المفاوضات عام 2018، استقطبت روسيا أحمد العودة، أحد أبرز قادة المجموعات المسلحة في المنطقة، وشكلت من خلاله الفيلق الخامس في درعا الذي أصبح رمزاً مهماً لتواجدها وثقلها في المنطقة، تحركه كلما كان الفعل العسكري مطلوباً لها في المنطقة، وتسعى بشكل مستمر لتطوير قدراته العسكرية، وتعزيزه بمقاتلين إضافيين، لتدعيم حضورها المحلي، نظراً إلى العدد المحدود من العناصر الروسية على الأرض، وعدم وجود حاضنة أو تنظيم تابع لها في الجنوب.

رفع إشارة الحجز

تستثمر إيران ورقة الحجز الاحتياطي على الأراضي في الجنوب لتعزيز نفوذها في المنطقة، واستقطاب شبابها، وتعرض خدماتها لرفع هذه الإشارة عن العقارات الخاصة بمن يتعاون معها.

وتشغل عملية رفع الإشارة اهتمام شريحة كبيرة من الأهالي في محافظة درعا وجاراتها

لأن الأراضي والملكيات الشخصية الموضوعة تحت الرهن العقاري أو الأمني كبيرة، لكون الجنوب السوري منطقة حدودية، ويحتاج نقل الملكية فيها لموافقة أمنية تأخذ وقتا طويلا، وقد لا تأتي في بعض الأحيان.

وازداد الأمر تعقيداً بعد الأحداث التي عصفت بسوريا فيما يخص الملكيات والعقارات،  وعمليات نقلها وبيعها، ورفع إشارات الحجز والرهن عنها.

ملف التجنيد

في حين تستثمر موسكو ورقة الفارين من الخدمة الإلزامية والمتخلفين عنها لفرض الهيمنة الروسية على الجنوب، وخاصة في محافظة السويداء.

ومع أن عدد الشبان المتخلّفين والفارين لا يتجاوز خمسة وعشرين ألف شاب، حسب إحصاءات اعتمدها مصدر في فرع الأمن العسكري مؤخراً، إلا أنه غالباً ما يتم تهويل هذا الرقم، لكي يبقى هذا الملف قيد التداول بحيث يمكن ابتزاز أهالي المحافظة من خلاله.

ونادراً ما يأتي  وفد روسي إلى المنطقة دون أن يتحدث عن التسويات التي يجب أن يعقدها المتخلّفون عن الخدمة، ويطرح نفسه ضامناً نزيهاً لها، لتبدو روسيا بذلك المنقذ للمتخلفين والفارين.

لقاء المصالح

توجد كثير من المصالح المشتركة بين روسيا وإيران في المنطقة، وهو ما يدفع الدولتين إلى العمل على التهدئة في الجنوب السوري مقابل وعود أمنية لأهالي المنطقة تحقق الشيء القليل منها، ووعود اقتصادية، لم يتحقق منها أي شيء على أرض الواقع.

وتستمر إيران بمحاولات تغيير البنية السكانية في بعض المناطق من خلال محاولات نشر التشيّع، وربط سكان هذه المناطق بالميليشيات التابعة لها لتعزيز نفوذها في الجنوب.

بينما تستمر روسيا بمحاولات تقليص دور إيران في المنطقة عسكرياً، وجذب الفصائل المسلحة للعمل معها.

ومع ذلك تسعي كل من موسكو وطهران إلى التنسيق فيما بينهما لتحقيق أهدافهما بما يؤكد أن الطرفين غير مستعدين لخوض أي معارك في الجنوب.

عودة الدواعش

تزايدت في الآونة الأخيرة عمليات الاغتيال التي ينفذها ملثمون يستقلون دراجات نارية، وتستهدف عناصر من قوات النظام السوري وفروع الأمن بمحافظة درعا، بطريقة تشير إلى بصمات تنظيم داعش، وتسجل ضد مجهول.

وهو ما دفع بعض المتابعين للاعتقاد بأن التنظيم الإرهابي يقوم بهذه العمليات، بعدما تم رصد انتشار خلاياه في المنطقة الغربية من محافظة درعا، حيث وقعت عدة حوادث اغتيال في منطقة المزيريب وتسيل ونافعة، ورجح المتابعون قيام تنظيم داعش بهذه العمليات، خاصة أن غالبية الأشخاص الذين تم اغتيالهم كانوا من المقاتلين ضد التنظيم سابقاً.

وكان التنظيم قد تبنى مؤخراً، أكثر من عشر عمليات عسكرية في الجنوب السوري، استهدف عناصر قوات النظام السوري ومخابراته في مختلف مناطق درعا، حسب بيانات وكالة “أعماق” الناطقة باسم التنظيم الإرهابي.

كما أعلنت الوكالة تبني التنظيم لعمليات استهداف عناصر من الجيش والفروع الأمنية  بالريف الشرقي لمحافظة درعا.

وهو ما يشير لعودة الدواعش إلى المنطقة بعد غيابهم عنها لأكثر من عامين.

مجلس عسكري في الجنوب

أعلنت مجموعات مسلحة في محافظة درعا والجولان عن تأسيس كيان عسكري مستقل يحمل اسم “المجلس العسكري لكتائب الجنوب السوري”

وجاء في بيان التأسيس ، “وفاءً لدماء أبناء حوران والجولان خاصة وأبناء الثورة السورية عامة، واستكمالاً لطريق الحرية والكرامة نحن أبناء حوران والجولان نعلن عن تشكيل المجلس العسكري لكتائب أبناء الجنوب”.

وذكر المجلس في بيانه أن أبرز أهدافه تتمثل بمحاربة تمدد النفوذ الإيراني وحزب الله، في مناطق الجنوب السوري، وكبح جماح المشاريع الخارجية على أرض حوران.

وأشار إلى عدم تبعية التشكيل الجديد لأي فصيل أو جهة خارجية.

ووصف البيان المتسترين بعبارة “مجهولين، ويقومون بعمليات الاغتيال والاستهداف ضد قادة وعناصر التسويات، أو قوات النظام السوري، بالأعداء.

وأكد البيان أن التشكيل الجديد “لا يعترف بنظام الحكم في سوريا، وأنه يؤيد أي عملية سياسية تفضي إلى إقامة دولة سورية مدنية ديمقراطية”.

وأشار إلى أن المجلس لن يستهدف عناصر اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس المدعوم من روسيا، لكنه سيستهدف عناصر التسويات والنظام الذين يثبت تورطهم بالدماء.

مواقف متباينة

بعد الإعلان عن تشكيل المجلس العسكري تباينت مواقف الأهالي في درعا حوله، حيث اعتبر البعض أن ظهور مثل هذه التشكيلات أمر مهم لأنه “يربك قوات النظام السوري، ويحد من ارتكاب الخروقات والاعتقالات”.

واعتبر آخرون أن سوء الوضع المعيشي وحالة الغلاء والفقر التي تمر بها سوريا، تدفع الكثيرين إلى القيام بمثل هذه التشكيلات.

ويرى بعض المراقبين تشكيل المجلس العسكري، أو غيره من التشكيلات المناهضة للنظام السوري وحلفائه، أمراً طبيعياً في مناطق الجنوب حيث لم تهدأ الاحتجاجات الشعبية فيها منذ بدأت مرحلة التسوية والمصالحة، وهو ما يشير إلى أهمية وجود قوى تعمل على خلق جسم عسكري أو سياسي جنوب سوريا، في ظل استمرار حالة الانفلات الأمني وعمليات الاغتيال في المنطقة.

في حين قلل المشككون بتشكيل المجلس من أهميته في هذه المرحلة، وقال أحد أعضاء اللجنة المركزية في درعا إنه وسط تدخلات دولية وإقليمية جنوب سوريا، وتشكيلات عسكرية تتسارع لكسب شباب التسويات في الجنوب، يعتبر ظهور مثل هذه التشكيلات العسكرية بالخفاء دون جدوى، وليست أكثر من تصريحات سرعان ما تتلاشى دون أي أثر فعلي على الأرض.

ويرى الكثيرون أن تشكيل مجلس عسكري يحتاج إلى شخصيات منظمة وغير مخترقة، فتجارب السنوات الماضية، والاتفاقيات الضمنية والعلنية التي حدثت على وجه السرعة لتسليم مناطق الجنوب، أفقدت الثقة لدى الكثير من أهله بالتشكيلات السابقة، وبأي تشكيلات جديدة قد تظهر بنفس أسلوب التشكيلات السابقة.

ويستمر التوتر في الجنوب

يرى معظم المراقبين أن اللعبة التي يقوم بها كبار اللاعبين في الجنوب، ستستمر لفترة غير محددة، بما يعني أن المنطقة ستبقى ساحة لعدم الاستقرار، وللاغتيالات، والتصعيد العسكري المحلي.

وستعيد هذه اللعبة بالتدريج، رسم خريطة النفوذ المعقدة في هذه المنطقة التي تعاني من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، بالإضافة إلى هشاشة أوضاعها الأمنية والاجتماعية.

ومن المعروف أن الجنوب السوري يتميز عن باقي المناطق بأنه يشغل موقعاً حساساً في الخريطة السورية، لأسباب كثيرة، ومنها قربه من إسرائيل التي تحاول منذ سنوات منع أي تموضع إيراني بالقرب من حدودها، وتستهدف بصورة متكررة مواقع عسكرية داخل سوريا، تقول إنها تابعة لإيران، وتقول إنها تنسق مع الجانب الروسي بهذا الشأن.

وكانت عملية المصالحات التي قادتها روسيا في المنطقة قد منعت دمشق من استعادة سيطرتها الكاملة على الجنوب السوري، وفرضت صراعاً منخفض الوتيرة، للحيلولة دون التصعيد في هذه المنطقة الحدودية لما له من مضاعفات إقليمية ودولية.

وبالتالي فإن أي تطورات غير محسوبة قد تطرأ على الحالة الراهنة في هذه المنطقة، ستكون لها تبعات في المنطقة وخارجها.