لكل السوريين

صمتت أصوات القذائف.. وبدأت تباشير الانتفاضة بالظهور في فلسطين

تقرير/ محمد الصالح 

توقفت الاشتباكات التي اندلعت بين قطاع غزة والكيان الصهيوني بسبب انتهاكات إسرائيل في منطقة “باب العامود” ومحيط المسجد الأقصى وحي “الشيخ جراح”، ومحاولتها سلب منازل من عائلات فلسطينية وتسليمها لمستوطنين إسرائيليين، مما أدى انطلاق شرارة الأحداث.

وتمكن المقدسيون من فرض إرادتهم على إسرائيل، وأجبروها على إنهاء الترتيبات الأمنية التي فرضتها في باب العمود، وإلغاء مسيرة كان يعتزم المستوطنون تنظيمها داخل البلدة القديمة احتفالا بذكرى احتلال القدس.

وبغض النظر عن مزاعم إسرائيل بأنها حققت أهدافها من الاشتباكات، وحركة حماس التي تعلن انتصارها في المواجهات التي حصدت عشرات القتلى، ومئات الجرحى من الفلسطينيين، وآلاف المشردين عن بيوتهم المهدمة، لن يكون الوضع في الأراضي الفلسطينية بعد هذه الاشتباكات كما كان قبلها.

فقد غيّر الموقف الشجاع للشعب الفلسطيني، والإضراب الشامل الذي نفّذه شبابه على كامل التراب الفلسطيني المعادلة القائمة، ونقل معظم الفلسطينيين من حالة اليأس إلى حالة الفعل،  وأحدث شرخاً مهماً في مؤسسات اتخاذ القرار الإسرائيلي في الذكرى السنوية لنكبة عام  1948، وفتح الأبواب على معطيات جديدة ستؤثر جذرياً على القضية الفلسطيني داخلياً، وإقليمياً، ودولياً.

محطات مضيئة

وكان الفلسطينيون قد أكدوا هويتهم الوطنية، ولحمتهم  كشعب واحد عام 1936، خلال الاحتجاجات التي استمرت لأشهر طويلة، في مواجهة الانتداب البريطاني الذي شجّع وسهّل هجرة اليهود إلى فلسطين التي أسست لاحتلالها.

وبعد أربعة عقود من الزمن، وحّد يوم الأرض عام 1976 المجتمع الفلسطيني مرة أخرى وأعاد له لحمته رغم انفصاله الجغرافي، عندما بدأت شرارة الاحتجاجات على سياسات تهويد الجليل داخل الخط الأخضر، وأسهمت هذه الأحداث في تأكيد تمسك الفلسطينيين بأرضهم وهويتهم الوطنية، وأصبح الاحتفال بيوم الأرض رمزاً لوحدتهم وصمودهم.

وكانت آخر الوقفات الجريئة والمشتركة بين كل الفلسطينيين بمختلف أماكن تواجدهم، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية “انتفاضة الأقصى” التي جرت قبل عقدين من الزمن  عندما اقتحم رئيس وزراء الاحتلال الأسبق شارون المسجد الأقصى مما فجّر غضب الفلسطينيين، واندلعت انتفاضة عارمة في تشرين الأول عام 2000، غيّرت الكثير من المفاهيم السائدة، وأعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث على الصعيد العالمي.

وسيسجل العام 2021 محطة مشرقة جديدة على الطريق الطويل الذي لابد أن يسلكه كل الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية أو الدينية، للوصول إلى حقوقهم في أرضهم، وحريتهم، واستقلال قرارهم.

كما سيسجل هذا العام أنه لأول مرة منذ انتفاضة القدس والأقصى، يعم الإضراب الشامل معظم شرائح الشعب على كامل التراب الفلسطيني، بما يعكس تلاحم ووحدة هذا الشعب الذي مزقته الانقسامات الداخلية، وتمسك قياداته بهذه الانقسامات خدمة لمصالحها الضيقة، أو تلبية لحسابات قوى ودول خارجية لا تعنيها مصالح الشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة وجوده في مواجهة المشروع الصهيوني الهادف إلى تشريده، وتصفية قضيته.

رسائل جديدة بتوقيع الشباب

بعثت هبّة الشباب الفلسطيني العفوية أكثر من رسالة لأكثر من جهة، في مقدمتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ومفادها أنه لا يمكن لأي قوة أن تقف بوجه الشباب الذي يناضل لنيل حقوقه وحريته واستقلالية قراره.

والرسالة الأخرى إلى القيادات والتنظيمات التقليدية الفلسطينية، ومفادها أنه كفى تخاذلاً ولعباً بالقضية الفلسطينية، واستثمارها لخدمة المصالح الشخصية أو الحزبية، وأن الأجيال الشابة قد اختارت خوض المواجهات عبر انتفاضة شعبية دفاعا عن النفس والأرض والكرامة في مواجهة اعتداءات عصابات المستوطنين المستمرة على الوجود الفلسطيني.

كما وجهت رسالة إلى المجتمع الدولي، مفادها أنه يجب أن تتوقف محاولات نصر الظالم على المظلوم، وسياسة الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالحق الفلسطيني.

ومما لا شك فيه أن انتفاضة الشباب التي بدأت تباشيرها بالظهور، ستؤسس لمرحلة جديدة من الوعي الفلسطيني بعيدا عن نهج وأداء القيادات الفلسطينية، كما أنها ستعيد الحسابات حول مستقبل وطبيعة العلاقة بين الفلسطينيين بالداخل، وإسرائيل التي ستواجه تحديات حول كيفية التعامل مع النشء الفلسطيني الذي انتفض في وجه ممارساتها القمعية، مما أربك صنّاع القرار في الكيان المحتل.