عشرة أعوام مضت منذ انطلاقة الثورة السورية التي جاءت نتيجة طبيعية لتراكم حقب الاستبداد على مدى عدة عقود وسعي الجماهير من خلال حراك سلمي لتحقيق طموحاتهم في الحرية والديمقراطية والعدالة واستطيع القول إنَّ جوهر الأزمة السورية هو طبيعة نظام الحكم الشمولي، المعتمد على القومية الواحدة والدين الواحد واللغة الواحدة في بلد متعدد القوميات والأديان و الثقافات.
وما شهدته سوريا في ظلِّ هذا الحكم الشمولي غياب تام للتنوع الثقافي والفكري والسياسي وحالات قمع مباشرة لأي حركة سياسية مغايرة للنظام تحت ذريعة الأمن القومي.
إنَّ انطلاقة الثورة السورية أحيت الكثير من الآمال لدى الطامحين بالحرية والتعددية والديمقراطية وخاصة مع ظهور الكم الهائل من التنوع الفكري والسياسي والثقافي داخل هذا الحراك، ولكن مع عسكرة الحراك الثوري، وظهور الحركات الإسلامية، وارتباط بعض الأجسام الثورية بأجندات دولية خارجية، وصعود تيارات التطرف والإرهاب، كلّ هذا خلق حالة من التناقضات داخل هذا الحراك الشعبي وبدأت الأطراف الخارجية بتغيير مسار هذا الحراك كلٌّ حسب مصالحه، بالنتيجة كلّ هذا أدى إلى تشرذم المعارضة وانقسامها، وبدأت بعض الأطراف بالسير على خطا النظام الشمولي واتباع سياسة إقصاء الآخر بل وصلت إلى حد التخوين والعمل المسلح ضدَّ الأطراف ذات التوجهات المغايرة، لن أخوض بمجريات الأحداث السورية في فترة الأزمة الطويلة، ولكن دعونا نركز على ماأافرزته حالة التناقضات بين الأطراف السورية وكيف كانت مطية للتدخلات الخارجية السافرة وتحديداً ما تم من عمليات تغيير ديموغرافي، حيث نجد أنَّ بعض أطراف المعارضة السورية والتي مورس بحقها عمليات تهجير قسري من قبل النظام وحلفائه تتبع نفس الأسلوب و تلجأ لنفس السوك ونفس الممارسات بحق أطراف أخرى، في حالة تشبه حالة استنساخ نفس النظام الشمولي ولكن بمسميات أخرى، وكأن ثقافة النظام المستبد أصبحت هي السائدة على المشهد السوري، واتباع سلوك النظام بالإقصاء والتخوين، وكأننا عدنا لنقطة البداية ونقضنا كلّ مكاسب الحراك الثوري الذي بدأ مطلع ٢٠١١،
اذكر ذات مرة قالها بشار الأسد “الأرض السورية لمن يحميها” في إشارة منه إلى مشروعية وجود المليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية والقوات الروسية أيضاً، نفس الأسلوب اتبعته الفصائل المسلحة التي انخرطت في تحالف مع جيش الاحتلال التركي حيث بدأت بتقسيم المناطق التي احتلتها بمساعدة القوات التركية على العناصر المسلحة المنخرطة ضمن هذا المشروع، لتشهد الساحة السورية أكبر عمليات التغيير في التركيبة السكانية منذ مآت السنين ما ينذر بخطر كارثي يتهدد المنطقة في المستقبل من حيث إطالة أمد الصراع بين الأطراف السورية والدخول في صراعات عرقية ومذهبية واثنية لا تبشر بالخير، ولا يوجد أي حل يلوح في الأفق ما لم تحل أزمة التغيير الديمغرافي الحاصل، المشهد السوري أصبح أكثر قتامة و تعقيداً، ملايين النازحين خارجياً و داخلياً حالة من النهب والاستيطان المنظم في أملاك الغير والعبث بالآثار والأوابد، وللأسف كلّ هذا يجري بإشراف و رعاية دولية وضمن اتفاقيات ومؤتمرات دولية منها سوتشي و أستانا، فما جرى في عفرين من احتلال وتهجير قسري وتغيير ديموغرافي كان تحت إشراف ومرآي من القوات الروسية وصمت من باقي الأطراف الدولية ليتكرر نفس المشهد في منطقة تل أبيض ورأس العين، ولازال الصمت الدولي سائداً، حقيقةً إنَّ عمليات التغيير هذه تعتبر أكبر جريمة بحق سكان المناطق فكيف للمرء أنْ يتخلى عن إرثه وجذوره وتاريخه؟! ، ومن المستفيد من عمليات التغيير هذه؟ ، وما هو المعيار المتبع فيها؟! ، هل تم بناء هذه العمليات على أساس عرقي أم مذهبي أم سياسي؟!
ما نشاهده بالفعل أنَّ عمليات التغير داخلياً لم تبنى على هذا الأسس بل بنيت من الخارج لخدمة المصالح السياسية للقوى الإقليمية المتدخلة في الشأن السوري فالمناطق الجنوبية من سوريا أصبحت تحت الوصاية الإيرانية وتم تحديد ساكنيها وفق ولائهم للمشروع الإيراني، والمناطق الشمالية تحت الاحتلال التركي تم تحديد ساكنيها وفق ولائهم لهذا الاحتلال وارتباطهم فيه.
ما يزيد من أزمة التغيير هذه تعقيداً هو تكريس هذا التغيير ثقافياً في عقلية القاطنين الجدد من حيث شرعنته و تسويقه إعلامياً، و التغاضي عنه من قبل المجتمع الدولي، ومن هنا لابد من وقفة جادة في وجه هذه السياسة، وإيجاد التدابير والسبيل لمنع انتشار هذه الثقافة الخطيرة التي لا تخدم في النهاية إلا مشروع النظام السوري ومشروع الاحتلال التركي والإيراني، وتفشل كل مشاريع الحل للأزمة السورية القائمة.