لكل السوريين

الثقافة والتعليم.. وضرورة تمتين العلاقة بينهما

حاوره/ مجد محمد

الثقافة هي مجموعة من الخصائص والمعرفة الموجودة في مجتمع معين، وتشمل الثقافة على اللغة، والدين، والطعام، والعادات الاجتماعية والفنون، واللباس من حيث تصميمه وكيف ارتدائه، بالإضافة إلى اللغة، والزواج، وما نعتقد أنه صواب أو خطأ، وطريقة الترحيب بالزوار، وطريقة التصرف مع الأصحاب وغيرها من العادات والتقاليد التي تختلف من مجتمع إلى آخر، وكذلك الثقافة تعتبر بأنها أنماط مشتركة من السلوكيات والتفاعلات المعرفية والتفاهم التي تكتسب من خلال التنشئة الاجتماعية، وبالتالي من الممكن النظر للثقافة على أنها نمو في هوية المجموعة التي تنتج بسبب الأنماط الاجتماعية للمجموعة.

وللحديث بهذا الصدد، وعن علاقة الثقافة بالتعليم والدراسة عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الكاتب عبد الملك الخضر والمجاز في الأدب العربي، ودار الحوار التالي:

*مرحباً بك بداية أستاذ، هلّا تحدثنا عن علاقة التعليم بالثقافة؟

أهلاً وسهلاً بك، تؤثر ثقافة المجتمع بصورة مباشرة أو غير مباشرة على العملية التعليمية، حيث يشير النظام التعليمي إلى الاحتياجات المختلفة للمجتمع المعني من خلال تحقيق ما تم تنظيم التعليم عليه، فإذا كانت ثقافة المجتمع مادية في المقام الأول، فإن نظام التعليم يكون قائماً على المنافسة وبذل الجهود الفردية، وفي هذه الحالة يكون التعليم موجهاً نحو تحقيق الأهداف المادية وليس نحو الأهداف التفاعلية أو التنموية، وإذا كانت الثقافة مبنية على الفردية يصبح النظام التعليمي للمجتمع كذلك موجهاً نحو بذل الجهود من أجل تحقيق الأهداف الشخصية، ومن الجدير بالذكر أن كل ما يكتسب من خلال التعليم يتأثر بصورة كبيرة بالثقافة، حيث إن التقاليد الاجتماعية تؤثر على طرق التفكير والابتكار والتخيل والإبداع، ولذلك فإن الثقافة لا تدفع الأفراد فقط إلى اكتساب وتعلم أمور معينة، ولكنها تلهمهم أيضاً طرق المحافظة عليها وتطويرها.

*والنظام التعليمي، هل مقترن أيضاً بالثقافة المجتمعية؟

إن النظام التعليمي في مجتمع معين لا يمكن أن يكون مهماً إذا كانت ثقافته غير متطورة بصورة جيدة لأنه في عملية التعلم تكون التفاعلات بين الأفراد بسيطة، ولذلك لن تتمكن أنظمة التعليم الرسمي من تحقيق الأهداف المجتمعية المنشودة لأن الغرض من التعليم يصبح عموماً مقصوراً على تعلم أشياء عادية وبسيطة فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية، وكذلك قد يكون التعليم الرسمي غير ضروري لتعلم الكثير من الأمور التي يمكن اكتسابها من خلال تجارب الفرد في الحياة، ولكن عندما تصبح الثقافة معقدة فمن الضروري نقل العناصر المختلفة للثقافة من جيل إلى آخر وبهذا يصبح تطوير التعليم المتخصص ضرورة، وقد تبين مما سبق أن للثقافة تأثيرها الذي لا ينتهي على تطور شخصية الفرد، والتعليم كذلك هو علاقة وثيقة مع تطور الشخصية، ولهذا يعتمد نوع التعليم على طبيعة ثقافة المجتمع، ويجب معرفة أن المدرسة هي المصدر الأول للتعليم، وإلى جانب المدرسة يوجد مصادر أخرى للتعليم التي تستمر بالتأثير على الطفل منذ البداية، ويشار إلى أنه في جميع المؤسسات التعليمية تعد الجزئيات التعليمية المرتبطة بالثقافة هي الفعالة في المجتمع، ويجب عدم نسيان أنه في العملية التعليمية يختار الفرد خياراته الخاصة من بين التجارب المختلفة، بمعنى آخر يمكن القول بأن المجتمع يجعل الإنسان يصنع المجتمع، ومن خلال نفس المجتمع يحصل الفرد على تجارب مختلفة تساهم بتعليمه وزيادة الثقافة لديه.

*وما هو تأثير المناهج التعليمية على الثقافة، وهل تحديث وتطوير المناهج يؤثر على الثقافة؟

تشمل الأبعاد الأربعة الأساسية لأي برنامج تعليمي على الأهداف أو الوظيفة، والمحتوى، والهيكل والأساليب المستخدمة، وإذا ما أريد للنهج التعليمي أن يكون فعالاً فيجب أن تكون جميع الأبعاد الأربعة متكاملة وظيفياً، ومنسقة مع العمليات الأساسية كي يتفاعل من خلالها من أجل تحقيق الفعالية التعليمية، وكذلك يجب أن يكون كل بعد داعماً ومعززاً لكل من الأبعاد الأخرى إذا كانت التجربة التعليمية الكلية تراكمية وتكاملية للطالب، ويتطلب تحقيق مثل هذا الترابط اهتماماً وثيقاً بعمليات التعليم الأساسية مثل التواصل والإدراك والتفاعل الاجتماعي، ويشير المنهاج في استخدامه التقليدي إلى نطاق وتسلسل المادة المنقولة في المؤسسة التعليمية، ولذلك يركز تطوير المناهج بصورة عامة على اختيار وتنظيم المعرفة والمهارات المحددة لتناسب الاحتياجات التنموية الخاصة للطالب والهيكل التشغيلي للمؤسسة التعليمية، ويشار إلى أنه في العادة لا يعالج تطوير المناهج بصورة مباشرة السياق الاجتماعي الذي يحدث فيه التعلم، ولا يأخذ بعين الاعتبار العمليات الثقافية الأساسية التي يتم من خلالها اكتساب المحتوى واستخدامه، وفي الغالب ما تكون هذه الاعتبارات ضمنية في الإطار الثقافي الذي يستمد منه المنهاج، ولأن المحتوى والسياق والعملية كلها متشابكة من الممكن أن يتأثر أي بعد من الأبعاد الأساسية بالمتغيرات الثقافية وبالتالي فإن ذلك سوف يؤثر على نتائج العملية التعليمية، ومن هنا يتبين أهمية شمول تطوير المناهج الدراسية على جميع الأبعاد الملموسة التي تدخل في تحديد وتنفيذ تجارب التعلم الموجه من قبل المدرسة، ومن هذا المنظور يجب أن يوسع نطاق وتسلسل المنهج الدراسي ليشمل التفاعل بين المحتوى والعملية والسياق مما يمكنه من تجاوز القرارات المعتادة المرتبطة بالثقافة والتي ترتبط بالتركيز على المحتوى وحده، ومن هنا يجب أن ينطلق النهج الذي تم تطويره من خلال افتراض الظروف الاجتماعية والثقافية للطالب بدلاً من استخدام مجموعة معينة من المعرفة أو طريقة معينة للتعلم.

*كيف يساهم التعليم بنقل الثقافة بين الأجيال؟

من خلال وسائل كثيرة ومنها، تدريس أدوات التعليم مثل التواصل بلغات مختلفة سواء أكانت الإنجليزية أو الألمانية أو غيرها من اللغات، وتدريس المعرفة والمهارات في الثقافة المادية في الزراعة، والعلوم الطبيعية والدورات المهنية والتكنولوجية، وتدريس القيم الجمالية من خلال الدورات الفنية التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر على الموسيقى والمسرح والفنون الجميلة وغيرها، وكذلك تدريس التربية الروحية والأخلاقية من خلال الدراسات الدينية والدراسات الاجتماعية وغيرها، وتدريس إتقان البيئة المادية من خلال الجغرافيا، وتعليم كيفية التعايش في المجتمع من خلال الدراسات الاجتماعية والتاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وأيضاً تحسين البيئة المادية من خلال الدروس التي تركز على البناء والمسح، والحفاظ على استمرار المجتمع من خلال دراسة إجراءات الرقابة الاجتماعية الحكومية، والتعرف على طرق الدفاع ضد القوى الخارجية والداخلية من خلال دراسة العلوم العسكرية.

*ختاماً كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك…

تربط بين التعليم والثقافة علاقة تكاملية، فهما سوياً يلعبان دوراً جوهرياً في إطلاق الطاقات والإبداعات وتعزيز الكفاءات والارتقاء بالمجتمعات عبر تنمية أجيال متعلمة ومثقفة تعي أهمية الاثنين معاً، والمنظومة التعليمية الصحيحة التي تهتم ببناء شخصيات أجيالها، تقدم بالضرورة قسطاً من الثقافة للمتعلمين على مدار سنوات دراستهم إلى جانب المعارف الأخرى، فالمجالات الثقافية والإبداعية تشكل عنصراً مهماً في تكوين شخصية الإنسان الحضاري الواعي لما حوله والقادر على مواجهة المشكلات وابتكار حلول لها.