لكل السوريين

مسمار جحا

صالح مسلم

مسمار جحا الشهير معروف لدى الشعوب، حيث دق جحا مسماراً في حائط غرفة بيت تركه للآخرين، وبحجة أنه يملك المسمار يتردد على البيت ويعلق على المسمار كل ما يزعج الإنسان، إلى أن يضطر أهل البيت إلى التخلي عن البيت لجحا وأصبحت مثلاً. وهذا هو حال شعوب الشرق الأوسط مع الفاشية التركية التي تدق المسامير وتتذرع بها للغزو والقتل والتغيير الديموغرافي. فهل تتخلى شعوب الشرق الأوسط عن ديارها للسلطان (جحا) ؟

زرعت مسمارها في اسكندرونة عند رسم الحدود مع سوريا التي كانت تحت الإنتداب الفرنسي عام 1921، واستخدمت المسمار لنقل أتباعها وكسب الموالين لها بشتى المكائد والأساليب العثمانية، ومنها ثورة المريدين في عفرين واسكندرونة إلى أن هيأت الأجواء لإجراء إستفتاء شكلي مزيف بتواطؤ فرنسي وألحقت لواء الأسكندرونة بحدود تركيا.

زرعت مسمارها الآخر في قبرص عندما تحررت من العثمانيين بعد الحرب العالمية الأولى، وجعلت من نفسها أحد الضامنين لإستقلالها، واستغلت أحداث قبرص بذريعة أن هناك من يريد إلحاقها باليونان فقامت بغزوها وإحتلال شمالها عام 1974، ونصبت إدارة موالية لها في المنطقة المحتلة، ثم طالبت بأن تكون فيدرالية شمال قبرص وضربت عرض الحائط بكل المقترحات والجهود التي بذلها القبارصة لتوحيد بلادهم وخروج الجيش التركي من قبرص، وكان الرد التركي هو إعلان شمال قبرص دولة مستقلة لم يعترف بها أحد سوى تركيا. وجعلت من شمال قبرص مكاناً لكل أعمالها غير المشروعة مثل تبييض الأموال القذرة من التهريب والمخدرات والملاهي، بعد أن جلبت إليها أعداداً هائلة واستوطنتهم في شمال قبرص، وأهل قبرص بما فيهم الأتراك لا يجدون سبيلاً للتخلص من جنود الاحتلال الذين يبلغ تعدادهم ثلاثين ألفاً منذ عام 1974.

ضمن مخطط بناء الشرق الأوسط الجديد أرادت قوى الهيمنة التخلص من أوجالان الذي كان في دمشق، فمارس الحلف الأطلسي الضغوط على النظام السوري بشتى الوسائل والوسائط، مما اضطر أوجالان إلى الخروج من سوريا عام 1998 ولم تكتفي تركيا بذلك، بل أرغمت رئيس شعبة المخابرات السياسية آنذاك عدنان بدر الحسن على توقيع إتفاقية سرية مع نظيره التركي سميت بإتفاقية أضنة فيما بعد. وتضمنت تلك الإتفاقية بنداً يسمح للطرفين بملاحقة المعارضين لهما ضمن أراضي الطرف الآخر إلى عمق خمسة كيلو مترات لمدة محدودة، على أن يتم إعلام الطرف الآخر مسبقاً.

بعد إندلاع ثورة الشعب السوري أقامت الدولة التركية معسكرات لتدريب المعارضة السورية المسلحة وأرسلتهم إلى الداخل السوري ولم يستطع النظام السوري ردعها أو ملاحقتها داخل حدود تركيا، وعندما تهيأت لها الظروف تدخلت بذاتها متذرعة باتفاقية أضنة وبحماية المواطنين السوريين من إستبداد النظام السوري، ثم احتلت عفرين بنفس ذريعة اتفاقية أضنة ثم احتلت تل أبيض ورأس العين بنفس الذريعة، ثم أجرت الهندسة الديموغرافية في كل تلك المناطق، ثم افتتحت مدارسها وفروع من جامعاتها واستبدلت أسماء الشوارع بأبطال وجنود تركيا وجعلت التركية لغة رسمية، فيما يدل على أنها ستفعل بها ما فعلت بالإسكندرونة، كل ذلك نتيجة لمسمار أضنة.

في عام 1984 وخلال الحرب العراقية الإيرانية المحتدمة تواصلت تركيا مع صدام حسين ووعدته بتقديم الدعم والمساندة له في مواجهة إيران، مقابل توقيع إتفاقية تسمح للجيش التركي بالتوغل في الأراضي العراقية لمسافة خمسة كيلو مترات ولثلاثة أيام فقط بعد إستئذان الطرف العراقي. أي أنها دقت مسمار جحا. ومنذ ذلك التاريخ باتت الحدود العراقية مباحة للدولة التركية، والآن لديها قاعدة عسكرية كبيرة في بعشيقة القريبة من الموصل بالإضافة إلى ما يزيد على ثلاثين نقطة عسكرية في كردستان أي في شمال العراق، تلك القاعدة والنقاط العسكرية لها علاقة وثيقة بعصابات داعش وعناصرها المنتشرين في العراق وسوريا. ولا زالت تتذرع بالإتفاقية الموقعة مع صدام حسين. وتقول أن تركيا هي حامية التركمان في كركوك وتلعفر. مع ملاحظة أن كل خلفاء داعش ينحدرون من تل عفر، ويدعون أنهم من سلالة الرسول الأكرم، وتم التخلص من إثنين من الخلفاء في أحضان تركيا، والجديد مقيم في تركيا.

مسامير أردوغان(جحا) منتشرة في كل الأرض التي كانت محتلة من طرف العثمانيين بما فيها ليبيا وتونس والجزائر ومصر وربما أماكن أخرى تعلم بها الفاشية التركية. والأمر الغريب أن هناك من يبتلعون هذا الطعم إلى الآن، ولا زالوا يراهنون على الدولة الفاشية التركية وسلطانها الحديث أردوغان الذي يستبدل الأقنعة حسب الحاجة. وبالأخص الكرد الذين قتل منهم مئات الآلاف بأيدي تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا زالوا يعتبرون تركيا دولة جارة ويعقدون الأمل على حسن جيرتها.