لكل السوريين

بوادر انتفاضة فلسطينية جديدة.. في ظل تخبط إسرائيل وحساباتها الخاطئة

من السذاجة حصر أسباب الصراع بين الصهاينة والفلسطينيين بحالة استعمارية واستيطانية، واستثناء البعد التلمودي لهذا الصراع.

فبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية عام 1967 تم تحويل ما يزعم الصهاينة أنه “حائط المبكى” إلى مسرح ضخم، تقام فيه الصلاة والاحتفالات الرسمية والعسكرية.

واتبع المستوطنون المتدينون النزعة الصهيونية المتطرفة، واعتبروا الوعد التوراتي بالأرض الفلسطينية قدراً واجب التنفيذ، وتحولوا من مجموعة صغيرة مهمشة، إلى حركة مؤثرة تحظى بكل أنواع الدعم السياسي والعسكري من قبل الكيان الإسرائيلي، والدعم المالي قبل المنظمات اليهودية المنتشرة في معظم بقاع العالم.

وشكّل تواجد الفلسطيني المستمر في المسجد الأقصى عقبة كبيرة أمام الهيمنة الإسرائيلية على كامل فلسطين، وخاصة على هيكل سليمان المزعوم، فالمسجد يشكّل قوة تعبئة هائلة بين الفلسطينيين الذين يسارعون للدفاع عنه بالآلاف في الأوقات العصيبة، ويمثل تحدياً رمزياً لهذه الهيمنة يفوق سياسة السلطة الفلسطينية، وصواريخ حماس.

ولعل ذلك ما يفسر عنف الشرطة الإسرائيلية في اقتحام المسجد عشرات المرات، وارتفاع عدد الإصابات بين المصلين المسلمين هذه المرة، كما يفسر هيجان الإسرائيليين المتدينين الذين يرددوا الأغاني التي  تحثّ على الإبادة الجماعية للفلسطينيين، فيما كانت النار تشتعل في حرم المسجد.

صدامات عنيفة

اندلعت عدة مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية بسبب محاولات المستوطنين اليهود الاستيلاء على منازل فلسطينيين في أحياء المدينة، واعتداءاتهم المتكررة على المسجد الأقصى.

واستخدمت الشرطة الإسرائيلية الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية في مواجهة الفلسطينيين الذين رشقوا قوات الأمن بالحجارة والزجاجات والمفرقعات حول الحرم القدسي، قبل مسيرة يهودية مقررة بمناسبة استيلاء إسرائيل على القدس الشرقية عام 1967.

وأصيب في هذه المواجهات المئات من الفلسطينيين بجروح متفاوتة، كما أصيب العشرات من عناصر الشرطة الإسرائيلية.

وترجع معظم الاضطرابات الأخيرة إلى المساعي القديمة والمتجددة التي يقوم بها المستوطنون اليهود من خلال المحاكم، لطرد الأسر الفلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح.

وأثار قرار محكمة إسرائيلية في وقت سابق من العام الجاري بدعم مطالب المستوطنين سخط الفلسطينيين علاوة على الظلم والقهر الذي يتعرضون له على يد سلطات الاحتلال.

ردود فعل شعبية

وأمام التصعيد العسكري الدامي على قطاع غزة، توالت ردود أفعال شعبية ودولية منددة بالأعمال العدائية، والمجازر الذي تنفذها سلطات الاحتلال بحق المدنيين في القطاع.

في مدينة درعا خرج المئات من سكان مخيم الفلسطينيين بمسيرة نصرة لنضال أهالي القدس وغزة، وتضامنا مع حقوق الشعب الفلسطيني.

وانضم إليهم عشرات من السوريين وجالوا في أحياء المدينة، مرددين شعارات تناصر نضالات الشعب الفلسطيني والمقدسيين ضد القوات الإسرائيلية، إضافة إلى الشعار الشهير “ع القدس رايحين… شهداء بالملايين”.

كما توجه آلاف الشبان الأردنيين إلى الحدود مع فلسطين دعماً للفلسطينيين،  وطالبوا بفتح الحدود أمامهم ليقوموا بواجبهم في نصرتهم.

كما شهدت محافظات المملكة تظاهرات منددة بالقصف الصهيوني على الفلسطينيين على قطاع غزة.

وفي لبنان تظاهرت مجموعة من الشباب عند الحدود الجنوبية احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واقتحمت المجموعة الشريط الحدودي من لبنان باتجاه إسرائيل، قبل أن تطلق القوات الإسرائيلية النار عليهم مما أدى إلى استشهاد شاب وإصابة آخر بجروح.

ردود أفعال دولية

وعلى الصعيد الدولي، حذّرت الأمم المتحدة من احتمال اندلاع حرب شاملة، حيث تشتد وتيرة الصراع وتتصاعد الأحداث مع ازدياد عدد الضحايا.

وقال رئيس المجلس الأوروبي “أنا قلق جداً من تصاعد العنف الأخير والهجمات العشوائية”، وطالب بإعطاء الأولوية لوقف التصعيد و “تجنب الخسائر في الأرواح البشرية البريئة على الجانبين”.

وكتبت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، في تغريدة لها “ألاحظ بقلق بالغ تصاعد العنف في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وكذلك في غزة وحولها” وعبرت عن قلقها من احتمال ارتكاب جرائم حرب حسب النظام المؤسس للمحكمة.

وأدانت منظمة التعاون الإسلامي “الاعتداءات المتكررة التي تقدم عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني”.

واستنكرت مواصلة هذه السلطات في بناء المستعمرات والسعي إلى الاستيلاء على أملاك الفلسطينيين بالقوة وتهجيرهم من أرضهم قسراً.

كما دعا شيخ الأزهر قادة العالم من لمساندة الشعب الفلسطيني.

وقال في منشور على صفحته الرئيسية “أدعو شعوب العالم وقادته لمساندة الشعب الفلسطيني المسالم والمظلوم في قضيته المشروعة والعادلة من أجل استرداد حقه وأرضه ومقدساته”.

وطالب قادة العالم بوقف القتل ودعم أصحاب الحق بقوله “أوقفوا القتل وادعموا صاحب الحق، وكفى الصمت والكيل بمكيالين إذا كنا نعمل حقاً من أجل السلام”.

وحثّ رئيس الوزراء البريطاني إسرائيل والفلسطينيين “على التراجع عن حافة الهاوية وضبط النفس”، وأكد في تغريدة له أن “المملكة المتحدة قلقة جداً بشأن العنف المتزايد والخسائر في صفوف المدنيين ونريد وقف التصعيد بشكل عاجل”.

ومن جهتها، طلبت باريس من الولايات المتحدة التدخل، وأشار وزير الخارجية الفرنسي للشؤون الأوروبية، إلى أن الأمريكيين يملكون الوسائل الدبلوماسية الرئيسية حالياً، “رغم أنه ينبغي لأوروبا أن تكون أكثر حضوراً”.

ودعا الرئيس الروسي إلى عدم التصعيد خلال محادثته مع رئيس النظام التركي.

وحسب الكرملين، أعرب الرئيسان عن “قلقهما إزاء استمرار القتال، وزيادة عدد القتلى والجرحى”.

كما حثت تونس، العضو العربي غير الدائم بمجلس الأمن “على اتخاذ المجلس لموقف واضح لا لبس فيه يدعو إلى الوقف الفوري للعدوان الصارخ على الشعب الفلسطيني، ويضع حداً للتصعيد ولسقوط المزيد من الضحايا المدنيين”.

بوادر الانتفاضة

رغم أن الهبات الشعبية الفلسطينية خلال السنوات الماضية لم تتصاعد لتبلغ حد الانتفاضة، لكن الفلسطينيين يصنعون بمواجهتهم الشجاعة لشراسة الاحتلال وترسانته العسكرية، مقدمات انتفاضة شعبية قد تغيّر الكثير من المعادلات السياسية في فلسطين، وفي المنطقة دون أعمال مسلحة، في ظل اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل، إذا امتدت مواجهتهم لفترة مناسبة، وراهنت لاستمرارها وتصاعدها على عامل الزمن، وعلى مشاركة جميع الفعاليات الفلسطينية، واعتمدت المقاومة الشعبية التي تفرز قيادات ميدانية متجددة، وقادرة على صياغة برنامج سياسي مرحلي ومستقبلي لحراك شعبي يمكّنها من التصدي لمخططات الاحتلال وجبروته.

ويشكل حراك الفلسطينيين ضد التهجير والجريمة المنظمة في القدس والضفة المحتلة خطوة مهمة على طريق الانتفاضة المنتظرة، دون التورط برفع شعارات رنانة وغير قابلة للتنفيذ.

كما يشكل الحراك الشعبي الذي بداً في عدة مدن داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 48،

خطوة مهمة أخرى على نفس الطريق.

توازن الرعب

قد يؤسس الصراع الحالي لمعادلات ميدانية وسياسية جديدة، حيث أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على إلحاق الضرر بالاحتلال، وتعريضه للرعب الذي طالما مارسه على شعوب المنطقة.

فللمرّة الأولى منذ بداية التصعيد العسكري على قطاع غزة، دوت صفارات الإنذار، في شمال إسرائيل.

كما أثبتت المقاومة استعدادها لمواجهة كل الاحتمالات بما فيها العمليات البرية التي يهدد بها الاحتلال الصهيوني.

وهذا ما ذهب إليه الناطق باسم “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي حيث قال إن المعركة البرية أقصر الطرق إلى النصر الأكيد إذا فكر الاحتلال فيها.

وأعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس في بيانها الذي رد على تلميحات إسرائيل بحملة برية، عن جاهزية الحركة لتلقينها دروسا قاسية في حال تنفيذ تلميحاتها.

وجاء في البيان “إن أي توغل بري في أي منطقة بقطاع غزة سيكون بإذن الله فرصة لزيادة غلتنا من قتلى وأسرى العدو”.

وبدوره، قال الناطق العسكري باسم ألوية الناصر صلاح الدين “لقد لقنا العدو درسا مؤلما في كل المعارك البرية، وإذا أقدم عليها مجددا فلن يرى إلا الجحيم مضاعفاً على تخوم غزة”.

تخبط إسرائيلي

استدعى الجيش الإسرائيلي عناصر احتياطه، وألغي إجازات جنوده، وحشد المزيد من قواته على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وسرّب معلومات تفيد بأنه سيقوم بعملية برية وشيكة على القطاع، في محاولة للتأثير على معنويات الفصائل الفلسطينية، ودفعها إلى التراجع عن قصف العمق الإسرائيلي.

لكن الرد الفلسطيني جاء سريعاً عن طريق بيانات فصائل المقاومة في غزة.

وأتى هذ الرد بنتائجه من خلال التراجع عن العملية البرية، والاتهامات المتبادلة بين مؤسسات الاحتلال بعد الحديث عن اقتراب بدء الحرب البرية.

وأكد حالة الارتباك ما ساد في الأوساط العسكرية والإعلامية الإسرائيلية حيث سارعت مختلف وسائل الإعلام لنفي الخبر بصورة عكست حالة الخوف والقلق من تنقيذ هكذا قرار.

ومما زاد في قلق وتخبط الأوساط السياسية والعسكرية الصهيونية، دخول الفلسطينيين من المناطق المحتلة عام 48 على خط المواجهات مع الاحتلال، بما شكل مفاجآت لم يتوقعها،  وزادت من إرباكه، مما دفع الإعلام العبري للقول بأن الجيش ينتظر انتهاء المعركة في قطاع غزة، لكي يقوم بإخماد التحرك في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 حسب بعض المواقع العبرية.

الحسابات الخاطئة

على الرغم من حجم الخسائر الفلسطينية في العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، إلا أن دوائر صناعة القرار في إسرائيل، اعتبرت ذلك العدوان نقطة تحول في الصراع بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال.

وذهب بعض الباحثين إلى القول إنه “تبين أن التحولات الإقليمية جعلت حماس أكثر عناداً وشراسة، على اعتبار أن الحركة باتت تدرك أنها تقاتل للحفاظ على وجودها”.

كما تبين خطأ افتراض إسرائيل بأن قيام مصر بتدمير الأنفاق، قد أسهم بتقليص قدرات حماس العسكرية.

فقد تبين لها أن توقف تهريب السلاح عبر الأنفاق دفع حماس للاعتماد على ذاتها في إنتاج صواريخ يفوق مداها مدى الصواريخ التي كانت تهربها الحركة عبر الأنفاق.

كما اكتشفت الآن، أن الفرضية القائلة بأن التحولات الإقليمية أسهمت في إضعاف حركة حماس في أية مواجهة عسكرية معها لم تكن دقيقة.

وعلى الصعيد الأمني اكتشفت إسرائيل أن ثقتها بقدرات استخباراتها مبالغ فيه إلى حد كبير.

فبعد يومين على شن الحرب على غزة عام 2014، أقرت شعبة الاستخبارات العسكرية بأن ما لديها من معلومات استخبارية حول قدرات حماس محدود، وأنه ليس لديها معلومات حول أماكن تخزين صواريخ الحركة متوسطة المدى، التي تسببت بأكبر قدر من الضرر للعمق الإسرائيلي بقدراتها البدائية، مقارنة بما يمتلكه الجيش الإسرائيلي، الذي يعد أكثر الجيوش توظيفًا للتقنيات المتقدمة في العمليات العسكرية.

وها هي تكتشف الآن أن قدراتها الاستخبارية عاجزة عن رصد صواريخ حماس الحديثة.

وعلى الصعيد السياسي فشلت إسرائيل في استيعاب المتغيرات العالمية التي بدأت بالتذمر من الممارسات الإسرائيلية الفاشية بحق  الفلسطينيين، وهذا أمر له دلالاته المهمة، رغم البطء الشديد في هذه المتغيرات.

ويشار بهذا الصدد إلى مقال نشرته مجلة “نيوزويك “الأمريكية واسعة الانتشار مؤخراً، وهاجم فيه كاتبه سياسة القتل التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وانتقد أعضاء الكونجرس لتجاهلهم هذه السياسة بسبب رضوخهم للوبي الصهيوني.

كما نشرت “الجارديان” البريطانية مقالاً يصب في نفس الاتجاه.

كما يشار إلى التظاهرات المناوئة للعدوان الإسرائيلي في أكثر من عاصمة غربية.

وهذا يعني أن العالم بدأ ينتقد سياسة اسرائيل تجاه الفلسطينيين،  ويعتبر أن الدفاع عن تلك السياسات بات مسالة معيبة ولا اخلاقية، لا يجوز لها ان تستمر.