لكل السوريين

هل بدأت حرب المياه؟

لم يعد خافيا على أحد الطبيعة العدوانية لنظام الحكم التركي وسياساته التي في سياق خدمة أجندات دولية، غايتها إضعاف دول المنطقة، والإبقاء عليها في حالة التبعية للآخرين من أجل استمرار المحافظة على مصالح تلك الدول، فتلاعب تركيا بحصص سوريا والعراق من مياه نهري دجلة والفرات، وبهذا الشكل، حيث انخفضت حصة كلا من العراق وسوريا لمستويات ستتسبب بخروج آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية من الاستثمار الزراعي في كلا البلدين.

ومثل هذا الأمر يترجم على أنه إعلان للحرب على هاتين الدولتين، وهذا السلوك العدواني ليس حديث العهد، فقد عمدت الحكومة التركية إلى بناء العديد من السدود العملاقة على نهري دجلة والفرات، بحجة الاستفادة من مياهها في مشاريع تطوير حوض الأناضول الذي تعمل شركات تل أبيب فيه منذ عدة عقود، وهذا يؤكد مرة أخرى حجم التنسيق والتعاون بين أنقرة وتل أبيب، وليس هذا فقط، بل عمدت الحكومة التركية على مد نفقين كبيرين لسحب مياه نهر الفرات إلى داخل الأراضي التركية على حساب حصة المياه في سوريا والعراق، وهذا يؤكد النوايا العدوانية المسبقة للحكومة التركية التي بمثل هذا العمل إنما تعلن حالة الحرب على كل من سوريا والعراق.

واللتين أجازت لهما كل الأنظمة والقوانين السماوية والإنسانية الوضعية الحق في الدفاع عن أمنها القومي، ولضمان نجاحهما في ذلك يتوجب عليهما المبادرة، وعلى الفور، لعقد اجتماع عاجل، وعلى أعلى المستويات لاتخاذ كل الإجراءات والتدابير المناسبة وبشكل مشترك، ومقاضاة الحكومة التركية أمام المحاكم الدولية لإخلالها المتعمد بالالتزامات التي رتبتها اتفاقية هلسنكي للعام 1966، والتي عملت الحكومة التركية حينها على التملص من التزاماتها عبر التلاعب بالألفاظ والمسميات وطرح مسمى بديل عن الأنهار ومجاري المياه، بطرح مسمى المياه العابرة للحدود، ورغم تبني الاتفاقية للمصطلح التركي إلا أنها رتبت عليها ذات الالتزامات التي  ترتبت على الدول التي تتشارك فيما بينها بمجاري مياه دولية، مستخدمة لأغراض الري والشرب وتوليد طاقة الكهرباء وليس لاستخدامات الملاحة.

وهذا سيجبر الحكومة التركية على التراجع عن تلك السياسات غير المسؤولة، وإلا فإنها ستضع نفسها في موضع المساءلة القانونية التي سترتب عليها تعويضات مادية، يمكن أن تصل لمليارات الدولارات، وهي في الواقع غير قادرة على ذلك، وبالتالي ستجبر على التراجع عن سياساتها الخاصة بمياه نهر الفرات، وفي الواقع إن مثل هذا الموقف من كلا الدولتين سوريا والعراق يبدو بعيد المنال بالنظر للظروف الخاصة التي يعيشها البدان، حيث غابت فيهما ملامح الدولة القادرة على إدارة شؤون بلادها، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات والتدابير الكفيلة بحفظ حقوق شعبها وحماية أمنها القومي، وموضوع المياه في المقدمة.

وبالمقابل يبدو أن منطقة شمال شرق سوريا وإدارتها الذاتية ستتصدى لهذه المسؤولية الوطنية، وتحمل تبعاتها عبر اللجوء لكل الدول التي كانت أطرافا في اتفاقية هلسنكي لعام 1966، للضغط على الحكومة التركية، أو عن طريق قوى التحالف الدولي المتحالفة مع الإدارة الذاتية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تربطها بالجانب التركي علاقات تحالف نظرا لكون تركيا من الدول الفاعلة في حلف الناتو، ويمكنها أن تمارس الضغط المناسب عليها لتغيير سياساتها العدوانية والعودة لروح تلك المعاهدات وتنفيذ التزاماتها التي رتبتها عليها، من أجل إزالة كل ما من شأنه توتير الأجواء، وبث روح العداوة والكراهية بين دول المنطقة، وبما يعزز الأمن والسلم الدوليين.