لكل السوريين

الغزو الروسي لأوكرانيا.. ضربة للنظام القائم وطموحات بنظام عالمي جديد

تقرير/ لطفي توفيق 

حدد الكرملين أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا على لسان المتحدث باسمه الذي قال “يجب أن تصبح أوكرانيا دولة محايدة، وأن لا يتم نشر أسلحة هجومية فيها”.

وأشار المتحدث إلى أن مدة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تعتمد على كيفية تقدمها.

بينما قال وزير الخارجية الروسي إن موسكو مستعدة للتفاوض مع أوكرانيا إذا أعلن الجيش الأوكراني استسلامه.

في حين تساءل الرئيس الأوكراني عن الضمانات الأمنية لبلاده، وعن الجهات والدول التي ستقدم هذه الضمانات، وأشار إلى أن العالم يواصل مشاهدة ما يحدث في أوكرانيا من بعيد.

واتهم الحلفاء الغربيين بممارسة السياسة “في وقت تتقدم فيه القوات الروسية نحو كييف”،

وقال “نواجه العدو وحدنا لحماية وطننا وفي الحقيقة لا أحد يريد أن يحارب معنا”، بما يشير إلى احتمال تخلي حلف الناتو عنه.

وفرضت الولايات المتحدة والدول الأوروبية عقوبات قاسية على موسكو التي توعدت “برد قاس” على العقوبات التي فرضت عليها.

وقالت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي إن موسكو أعدّت حزمة من العقوبات الانتقامية، وأشارت إلى أن روسيا استعدت بشكل جيد للعقوبات واتخذت جميع الإجراءات الوقائية.

ردود الفعل الدولية

تراوحت ردود الفعل الدولية على الغزو الروسي لأوكرانيا بين مندد ومهدد ومتفهم ومناشد،

كما فعل الأمين العام للأمم المتحدة عندما وجّه نداء إلى الرئيس الروسي لوقف الحرب “باسم الإنسانية”.

وبدوره اكتفى حلف شمال الأطلسي بتفعيل “خططه الدفاعية”، وبالعقوبات الاقتصادية، وأكد أنه ليس لديه أي خطط لإرسال قوات إلى أوكرانيا.

وأكد أمينه العام أن الأزمة في أوروبا قد تكون أخطر إذا هددت روسيا أي بلد عضو في الحلف أو هاجمته.

ووصف الاتحاد الأوروبي الهجوم الروسي على أوكرانيا بأنه “سلوك غير مبرر”، وحذر من أن نظام الرئيس بوتين سيواجه “عزلة غير مسبوقة” بسبب تدخله العسكري فيها.

وفرض قادة دوله حزمة عقوبات على روسيا، وقالوا إن تداعياتها على موسكو ستكون هائلة وخطيرة.

ونددت اليابان بالغزو الروسي وأبلغت السفير الروسي في طوكيو  بأن التحرك الروسي يمثل انتهاكا واضحا للقانون الدولي.

بينما أعلنت الصين إنها “تتفهم مخاوف روسيا المنطقية على الصعيد الأمني”، ورفضت تسمية العملية بالغزو، وأكدت عدم نيتها فرض عقوبات على روسيا.

ضربة للنظام العالمي

بغضّ النظر عن نتائج غزو روسيا لأوكرانيا، يمكن القول إن بوتين وجّه ضربة كبيرة إلى النظام العالمي الحالي، قد تطوى صفحة القوة العظمى الوحيدة في العالم، وتنهي حالة أوروبا المستقرة، وتعيد فرض لغة القوة كأسلوب في التخاطب بين الدول الكبرى وجيرانها، مما سيدفع العالم باتجاه أزمة عميقة في أوروبا خاصة، وفي العالم بشكل عام.

وقد يحدث الغزو انقلاباً في التوازنات العالمية، فما بعد غزو أوكرانيا لن يكون كما كان قبله،

فمع أن روسيا ستعاني من العزلة، ومن العقوبات الصارمة عليها، وستقفل في وجهها مزايا التكنولوجيا الغربية المتقدمة.

فعلى الإدارة الأمريكية أن تتخذ قرارات صعبة لإثبات أنها مازالت حامية للغرب، وليست مجرد مهيمنة عليه، وأن الغرب ما زال يملك القدرة على قطع تعامله مع روسيا في مجالات التجارة والطاقة وغيرها.

ومما لاشك فيه أن مغامرة روسيا ستكون مكلفة لها وللغرب وللشعوب معاً.

ومع أنه من المبكر التكهن برابح أو خاسر جراء هذه المغامرة، من المؤكد أن شعوب العالم ستستمر في دفع فاتورة صراع الأقطاب.

نظام عالمي جديد

يرى مراقبون أن الأزمة في أوكرانيا أكبر من مجرد مسألة تتعلق بأمن دولة ذات سيادة، ويعتبرون أن غزو أوكرانيا سيكون بداية الحروب لخلخلة، أو إسقاط النظام العالمي الحالي، من أجل إقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

حيث يتمسك بوتين بطرحه القائم على أن “كل الدول التي خرجت من رحم الاتحاد السوفياتي بعد انهياره لم تكن دولاً حقيقية”، وأن أوكرانيا لم يكن لديها صفة دولة فعلية.

كما أن رؤية بوتين لأهمية الهيمنة على أوكرانيا من أجل ضمان مكان لروسيا على الساحة الدولية قائمة منذ أمد طويل، وهي أساسية لطموحاته بإقامة إمبراطورية روسية على غرار الاتحاد السوفياتي السابق الذي وصف انهياره بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”.

وهذه الفكرة ذكرها مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبيغنيو بريجنسكي في تسعينيات القرن الماضي، عندما قال “من دون أوكرانيا لن تعود روسيا إمبراطورية”.

ويشكك المراقبون بإمكانية نجاح العقوبات في منع بوتين من السعي إلى تحقيق نظامه العالمي الجديد، ويرون أن روسيا في وضع يمكّنها من امتصاص تأثيرها، كما أن العقوبات أثبتت عدم فعاليتها في فرض السياسات أو تغيير الأنظمة بأكثر من مكان في العالم.