لكل السوريين

سفينة أردوغان تغرق

كانت تركيا ذات الموقع والموضع المهم بالنسبة للنظام العالمي المهيمن، من الركائز الأساسية للنظام الإقليمي الذي تم إنشائه بعد الحرب العالمية الأولى واستكماله بعد الحرب العالمية الثانية، ولذلك تم التعامل معها ومع السلطة فيها بنوع من الخصوصية التي تجعلها تلعب دورها الوظيفي المنوط بها ، وعلى أثرها تم تكليف غلاديو الناتو(الشبكة السرية للناتو) ومن المركز الموجود في ألمانيا بالملف التركي وكذلك استحداث نواة أو امتداد لها باسم أرغنكون(الدولة العميقة) داخل الدولة التركية لضبط إيقاع السلطات التركية وبوصلة توجهاتها وسياساتها المؤثرة داخلياً وخارجياً، وفي ضوء هذا الدور تم تهيئة الظروف لقدوم قوى معينة إلى سدة الحكم. وتم الحرص دائماً أن تكون السلطة وعلى مختلف ألوانها في حالة عداء مع المجتمعات والشعوب في تركيا حتى تظل في حالة خوف دائم وبحاجة إلى سند خارجي لا تستطيع الاستمرار من دون نيل مباركته وشرعيته.

وكان مناط بتركيا ثلاثة وظائف رئيسية:

1_أمن اسرائيل والمساهمة في تأمينه والذود عنه وإقامة مختلف العلاقات معه لتمكينه وتعزيز هيمنته كعناصر وأدواة مع الدول القوموية لنفس النظام.

2_ضرب الدين الاسلامي واستهداف وحدته والقضاء على وحدة الشعوب والقوى الإسلامية أو على الأقل خلق عراقيل وبث الفرقة والفتن والبدع بينهم.

3_القضاء على تقاليد التحالفات الديمقراطية التاريخية وقيمها بين شعوب المنطقة والعمل على إضعاف أرضية التوافق بين مكونات مجتمعات المنطقة ودولها وتزوير التاريخ لعدم ذكر المحطات المشتركة من العمل والنجاح المشترك.

4_مساعدة القوى المركزية في النظام العالمي على خلق العدو المطلوب والإيهام بعكس ذالك كما كان ايام الإتحاد السوفيتي وبعد 2001 وأحداث 11 ايلول.

وأمام هذه العلاقة غير المتوازنة، التابعية وغير المتكافئة واللاسيادية كان الشعوب في تركيا تدفع ضريبة باهظة لصمت المجتمع الدولي عن تصرفات السلطات التركية وممارستها الاستبداد والإبادة والتطهير العرقي بحق شعوب تركيا.

وتواجد في السلطة العلمانيون أو ما يعرف في تركيا بالكماليين ومن ورائهم الأتراك البيض (جون ترك) ذات الصلاة العميقة مع الرأسماليين اليهود ومفكريهم من تأسيس تركيا وحتى ثمانيات القرن العشرين عند دخول الاتحاد السوفيتي إلى أفغانستان وعند إسقاط الشاه أو ما يعرف بالثورة الإسلامية أو الإيرانية في إيران.

وتم التحضير عندها لقدوم التيارات الإسلامية في تركيا بعد مراحل من إضعافهم وتهمشهم وأحيانا لمواجهة ولخلق التوازن مع التيارات اليسارية والشيوعية، تم السماح لهم ولجمعياتهم الخيرية بالتمدد المناطق الريفية النائية في الأناضول و جنوب شرق تركيا والمناطق الهامشية على أطراف المجتمعات الحضرية والمدن، مما مهد لتشكل طبقة تكون لها تأثير في المستقبل مع هجراتهم إلى المدن لتكون الحاضنة للتيارات الإسلامية في المراكز الرئيسة مثل اسطنبول وأنقرة والعديد من المدن الكبيرة ولتشكل رافعة وحاملة لمشروع الاسلام السياسي المراد السماح له بالصعود إلى سدة الحكم لضرورات تحقيق الهيمنة في المنطقة من قبل النظام العالمي المهيمن وعرف من تلك الطبقات ببرجوازية قونيا.

بعد المرور في مراحل نجم الدين أربكان وكذاك تورغوت أوزال القادمين من الطريقة النقشبندية وحتى عدنان ماندريس الذي سمح بمتنفس للإسلامين ضد اليساريين وكذلك الحكومات التحالفية بين التيارات المختلفة تم صعود أردوغان ومعه عبدالله غول وثم أحمد داؤود أوغلو بعد أن تخلى عن أربكان الذي كان له دور كبير في تهيئة وتحضيره وربما تقديمه للقوى الدولية كمرشح ومقال جيد للتنفيذ.

في بداية قدوم حزب العدالة والتنمية تم تقديمه للمنطقة كإسلام مرن ونموذج يحقق الوفاق مع الغرب ومصالحه مع الإظهار بمظهر الحريص على المنطقة وقيمها والساعي إلى حل قضاياها وفق المعاير الأروربية التي كان حزب العدالة والتنمية تحرص على تأكيد الرغبة في الدخول إلى الاتحاد الأوربي، لكن بعد ذهاب الصدمة كما حصل مع الإتيان بالخميني من قبل القوى المركزية في النظام العالمي، أدرك شعوبنا أن سعي أردوغان إلى تأكيد الدخول إلى الاتحاد الأوربي كان من أجل الضغط على الجيش وقص جناحاته وتربيته بالمعايير الأوربية لتقيد سلطة الجيش وتدخله في الحياة السياسية والعمل الحكومي ومؤسسات الحكم حتى يتسنى لأردوغان السيطرة عليها والتحكم بها. ولأجل قضاء تلك الفترة والسنين اللازمة تم محاولة خداع الداخل والخارج والمحيط بأن حزب العدالة والتنمية نموذج جيد في الاقتصاد وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية عبر ممارسات شكلية وهمية تمويهية.

لكن مع أحداث الربيع العربي ووجود فراغات للسلطة وللأمن وبالإضافة إلى الفراغ السياسي والفكري والثقافي مع سعي شعوب المنطقة إلى البحث عن مزيد من الحرية والديمقراطية، ظهر حقيقة أردوغان وحزب العدالبة والتنمية ووجد شعوبنا أن تركيا الأردوغانية تريد ركوب الموجة عبر تيارات الأخوان المسلمين وتريد إعادة الأمبراطورية العثمانية في لبوث وفكر أردوغاني وخاصة بعد تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية التركية عام 2015 وبعد أحداث عام 2013 في حديقة كيزي وبعد ظهور داعش في العراق وسوريا.

ونتيجة لصراع السلطة بين أجنحة التيارات الإسلاموية السلطوية تم إستبعاد حليف أردوغان فتح الله غولن ذات الـتأثير الفعال في المؤسسات التركية وذهب أروغان إلى التحالف مع جناح الأوراسيين في الدولة العميقة مع بقاء النفوذ الأمريكي أيضاً.

لكن نتيجة للتغيرات التي حصلت في مصر وثورة 30 يونيو(حزيران) 2013 وإزالة الشعب المصري لحكم الإخوان وكذاك نتيجة فشل هجمات الإخوان والقاعدة وبعدها داعش على الكرد السوريين، تغيرت الأولويات الدولية ومواقع الحركات الإسلامية نتيجة لأفعالها ولتبيان الرغبات التركية الحقيقة لأردوغان ولسلطته وكذلك لعلاقته مع كل الحركات ترامب الإرهابية في الشرق الأوسط والعالم.

وتم استخدام أردوغان ومرتزقته من قبل القوى المركزية في النظام العالمي في سوريا وليبيا وإدلب وآرتساخ والصومال وعدة مناطق لخلق أوضاع مفيدة ومحققة لمصالح القوى العالمية المتصارعة ودخل أردوغان في كثير من الصفقات والبازارات والاحتلالات التي كان ترامب يحميه في إطار علاقة شخصية يستوجب البحث والتدقيق فيها لأنها كانت من نتائجها تهديد الأمن والسلم الدوليين لإضعاف المكتسبات التي تحققت بفضل التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا وكذلك التي حققها الجيش الوطني الليبي بدعم من الدول العربية المحورية وكذاك العراقيين.

والأن بعد أن ظهر على ما يبدو أن نجم راعي أردوغان (ترامب) بدأ بالأفول والسقوط نلاحظ تغيرات ومحاولات جادة لأخذ التدابير من قبل أردوغان وسلطته، فهو يعلم جيداً أن الإدارة الأمريكية القادمة وإن كانت ستحافظ على علاقات جيدة مع تركيا لكنها لن تكون العلاقة السابقة موجودة ولن يستطيع أردوغان تحدي المؤسسات الأمريكية مثل البنتاغون والخارجية والأمن القومي في ظل الإدارة الجديدة. ولذلك نراه أبعد ظهره ويعمل على أخذ تدابير اقتصادية لعلمه بأن العقوبات قادمة سواءً من أوروبا أو أمريكا لمعرفته بأعماله وسلوكه المنافي للقوانين والمعايير الدولية مثل قضية بنك خلق وصواريخ إس 400 وضرب مكتسبات الحرب على داعش في شمال سوريا.

وكذلك يحاول جاهداً خداع وتضليل الرأي العام والعالمي وفي الداخل التركي والمحيط والخارج بأنه سوف يقدم على إصلاحات قانونية وقضائية وإدارية واقتصادية، لكن ما حصل مع بولند أرينج مستشار أردوغان عندما صدق أردوغان وتكلم عن الإفراج عن صلاح دين دميرتاش التي اصدرت المحكمة الأوربية قراراً للإفراج عنه وعن آخرين، طلب أردوغان منه تقديم الاستقالة أو أن بولند أرينج أراد القفز من سفينة أردوغان التي بدأت بالغرق.

سيحاول أردوغان استعمال كل أوراقه التي عمل عليه أيام ترامب لعدم السقوط ولن يتخلى عن نفوذه وما يراه مكسب له في ليبيا وسوريا والعراق والصومال وأرتساخ والبزار حوله وعقد الصفقات التي تحافظ على سلطته، لكن من عرف الناس سره ضعف قوته وبذلك لن يستطيع الصمود في وجه الأعاصير التي ستهب عليه من كل حدب وصوب لتقتلعه وربما تحاكمه على جرائمه مع سلطته المشكلة مع حزب الحركة القومية التركية والقسم المتعاون معه من الأرغنكون وحزبه وإرهابيه وإخوانه المسلمين الإرهابيين.

فسفينة أردوغان بدأت تغرق وبدأ شركائه وأصدقائه وأقربائه بالنجاة بأنفسهم إلا من أختار الموت والغرق مع سلطانه وخليفته المعتوه وأكثر من ذلك ربما بعد اتفاقيات إبراهيم أو السلام مع الدول العربية لم تعد تركيا بنفس الأهمية فيما يخص دورها في تأمين أمن إسرائيل بالإضافة إلى عدم امتلاك روسيا نفس الأهمية والثقل الذي كان للاتحاد السوفيتي على الموازين الدولية وحتى شعوب المنطقة والدولة والشعوب الإسلامية لم تعد تعطي نفس الثقة والمجال السابق لتركيا.

ولتسريع غرق السفينة وتخلص شعوب المنطقة وعلى رأسها الشعب التركي من سياساته القمعية والاستبدادية لابد من تصعيد النضال والعمل المشترك بين شعوب المنطقة ودولها وكذلك العالم للذهاب إلى شرق أوسط وشمال أفريقيا خالي من السلاطين المعتوهين والقراصنة والإنكشاريين الذي يريدون استغلال ديننا ومقدساتنا وارتكاب المجازر وإبادة شعوبنا وسرقة خيراتنا وتهديد جيراننا، لنصل إلى منطقة ومجتمعات وشعوب يعيشون في الاستقرار والسلام والأمن محققين الحرية والديمقراطية لكافة أبنائهم ولكل مكوناتهم.

أحمد شيخو