لكل السوريين

بلحمة وطنية قلّ نظيرها.. محافظة السويداء تعلن أضرابها وتشهد أيام غضب في أسبوعه الأول

تقرير/ لطفي توفيق

شهدت محافظة السويداء إضرابات عامة متعددة، واندلعت في معظم مناطقها حركات احتجاجية قطع خلالها المحتجون الطرق الرئيسية، وأغلقوا الفرق الحزبية والمؤسسات الرسمية والخدمية.

فيما كان الحشد الأكبر في ساحة السير التي عرفت بساحة الكرامة، وسط مدينة السويداء بزخم لم تشهد السويداء مثله من قبل، بما يشير إلى غضب شعبي عارم من التدهور الحاد في مختلف مناحي الحياة، وإدراك الشارع المنتفض أن الظروف لا يمكن أن تتحسن دون تغيير سياسي.

وفي مشهد غير مألوف بالمحافظة، أغلقت معظم المحال التجارية أبوابها، ولم تستقبل الدوائر الحكومية أي مراجعين وأعلنت الجامعات تأجيل امتحانات طلابها.

ومع أن السويداء شهدت احتجاجات شعبية عديدة للمطالبة بالتغيير منذ سنوات، لكن وقعها هذه المرة كان غير مسبوق، حيث شهدت المدينة حالة إضراب عام وعصيان مدني وغضب عارم بدا واضحاً في هتافات المحتجين الذين أكدوا أن صبرهم قد نفد، ولم يبقَ أمامهم سوى خيار التمرد على الظلم والطغيان، وفق شعار رفعه أحد المحتجين.

وأغلق المحتجون مقر فرع حزب البعث في مدينة السويداء، وردّدوا هتافات تطالب بالحرية ورحيل النظام، ورفعوا لافتات تدعو إلى حل الأزمة السورية بالطرق السلمية حسب قرارات المجتمع الدولي.

أيام الغضب

في تجاوب ملفت من أهالي المحافظة، انطلقت الاحتجاجات في يومها الأول بأكثر من أربعين نقطة احتجاج أغلق المحتجون خلالها المؤسسات الحكومية في البلدات والقرى وقطعوا الطرقات الرئيسية التي تربط بلدانهم بمركز المحافظة.

وفي مدينة السويداء احتشد مئات المحتجين في ساحة الكرامة، وهتفوا للحرية، وطالبوا بإسقاط النظام السوري كحل وحيد يخرج البلد من دوامة الانحدار.

وفي اليوم الثاني دخلت السويداء في حالة إضراب عام غير مسبوق، حيث أقفلت معظم الدوائر الحكومية، وأغلقت غالبية المحال التجارية، وقطعت الطرقات الرئيسية بالإطارات المشتعلة.

وتنوعت مظاهر الاحتجاج وتفاوتت نسب المشاركة فيه بين قرية وأخرى، وكان التجمع الأبرز في مدينة السويداء التي شهدت مظاهرة شارك فيها الأطفال إضافة إلى مشاركة النساء الواسعة،

وهتف المتظاهرون للحرية والكرامة، وطالبوا بالتغيير السياسي، كما شهدت معظم البلدات والقرى بالمحافظة تجمعات هتف خلالها المحتجون بشعارات مشابهة.

وفي ثالث أيام الإضراب العام تزايدت أعداد المحتجين وخاصة من النساء، ولم تفتح المحال التجارية في مدينة السويداء أبوابها، وبقيت معظم الدوائر الحكومية مغلقة لليوم الثالث على التوالي، وخرج المحتجون إلى الشوارع في غالبية قرى وبلدات المحافظة وقطعوا الطرق بالإطارات المشتعلة، وأغلقوا مقرات حزب البعث ورفعوا لافتات تعبّر عن مطالبهم بالحرية

والتغيير، واحتشدوا في تظاهرات كان أبرزها في مدينتي السويداء وشهبا، وردّدوا هتافات ضد النظام، وطالبوا بالتغيير السياسي لإنقاذ البلاد من محنتها.

ودخل إضراب السويداء يومه الرابع على التوالي حيث شهدت المحافظة حالة غير مسبوقة من المظاهرات التي لم تتوقف من الصباح حتى المساء في مناطقها المختلفة، وعبّر المتظاهرون خلالها بالوسائل السلمية عن مطالبهم، ومطالبتهم باستعادة حقوقهم المسلوبة.

وفي ظل المشاركة الشعبية الواسعة، اندلعت عشرات المظاهرات في معظم أرجاء المحافظة، وكان أبرزها مظاهرة مدينة السويداء التي شارك فيها المئات وقطعوا الطرقات بالإطارات المشتعلة منذ ساعات الصباح الأولى، وسمحوا لسيارات الإسعاف والحافلات التي تقل الطلاب بالعبور وسط الهتافات الثورية والأهازيج الشعبية.

وتميز هذا اليوم بمشاركة واسعة لعشائر السويداء، وزيارات المحتجين إلى المناطق المجاورة لهم، لاستكمال الاحتجاجات، وتوجه العديد منهم إلى مدينة السويداء للمشاركة بإضرابها.

وفي اليوم الخامس للإضراب تواصلت الاحتجاجات في معظم قرى وبلدات المحافظة، وبلغت نقاط التظاهر فيها أكثر من خمسين نقطة، وخرج مئات المتظاهرين في مدينة السويداء إلى الشوارع للاحتجاج على تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والمطالبة برحيل النظام.

وفي اليوم الأخير من أسبوع الإضراب الأول، استمر إغلاق معظم الدوائر الحكومية، وإقفال المحال التجارية، وقطع الطرق المؤدية إلى مراكز المدن والبلدات.

وخرج العشرات من أبناء القرى والبلدات في مختلف أرياف السويداء بمظاهرات احتجاجية،

وتزامنت مظاهرة مدينة السويداء الحاشدة، مع مظاهرة كبيرة في القريّا، بلدة قائد الثورة السورية الكبرى، طالبت برحيل النظام والتغيير السياسي في سوريا.

وردّد المحتجون في ساحة الكرامة بالسويداء هتافات تطالب بالحرية ورحيل النظام، ورفعوا لافتات تدعو لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية، وتطبيق القرار الأممي 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي كمخرج للحل في البلاد.

عشائر السويداء في قلب الإضراب

منذ انطلاقه، أعلنت عشائر بدو السويداء انضمامها للإضراب العام في حالة تجسّد اللحمة الوطنية بين كافة المكونات الاجتماعية بالمحافظة.

وأكد عدد من أهالي قرية المنصورة بريف السويداء الغربي، مشاركتهم في الإضراب العام الذي ستشهده المحافظة احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية.

وفي رسالة جسّدت الكثير من معاني الوطنية والتآخي، قال أحد سكان القرية “نحن أهالي قريه المنصورة ولأننا نعتبر نفسنا من النسيج الاجتماعي قررنا غداً الأحد إغلاق مديرية النقل الموجودة في القرية، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية القاسية التي تعيشها البلاد”.

وشددت مصادر من عشائر السويداء على أنها لن تتأخر عن تلبية واجبها، فالوضع المزري الذي وصلت له البلاد لا يستثني أي مكون من مكوناتها، “ولا أمل لنا بحياة أفضل إلّا بأن نكون يداً واحدة في هذه الظروف”.

محامو السويداء يرفضون بيان نقابتهم

أصدر “محامو السويداء الأحرار” بياناً رفضوا فيه بيان فرع نقابة المحامين الذي صدر قبل أيام ودعا إلى “المطالبة بإقالة الحكومة باعتبارها جارت بقرارتها بحقّ الشعب”، وتنصّلوا من هذا البيان باعتباره “لا يمثّلهم، ولا يمثل طُموح أهالي السويداء اليوم”.

وذكّروا ببيان نقابة المحامين بالسويداء الذي صدر في شهر آذار عام 2011 إبّان انطلاق الثورة السورية، وطالب برفع الطوق الأمني عن سورية والسوريين، وإطلاق الحريات، والإفراج عن المعتقلين، وتحرير النقابات من الوصايات، وتطبيق مبدأ سيادة القانون.

وطالبوا في بيانهم “بحكم دولة تعلي من شأن الحرية والكرامة والحقوق الطبيعية والسياسية للشعب السوري، وتحرص على توزيع حقيقي لثرواتها على الشعب”.

وذكر البيان أن الحل في سوريا “يتمثّل بالتعجيل والدفع بالتغيير السياسي الجذري للنظام القائم، وإنهاء حكم السلطة الأمنيّة الاستبداديّة، والمطالبة بخروج جميع الاحتلالات من سوريا”.

وأنهى محامو السويداء الأحرار بيانهم بقولهم، “يدنا ستبقى دائماً ممدودة إلى جميع شركائنا في الوطن الشرفاء، ممن يعلون من شأن الدولة والوطن ولا يختصرونهما بشخص أو حزب”.

احتجاجات قديمة ومتجددة

تكررت الاحتجاجات التي قام بها أبناء المحافظة للمطالبة بتأمين الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم، ففي عام 2019 خرجت مظاهرات حاشدة مطالبة بتحسين الواقع المعيشي.

وفي عام 2020، بدأ حراك “بدنا نعيش” بالتظاهر احتجاجاً على الأوضاع المعيشية المزرية.

وفي الشهر الأول من العام الماضي خرج متظاهرون للمطالبة “بالحد الأدنى من كل شيء”.

وفي الشهر الثاني منه شهدت المحافظة موجة احتجاجات واسعة ضد قرار وقف الدعم عن شرائح واسعة من الشعب السوري، وشملت الاحتجاجات معظم بلدات وقرى المحافظة، وشاركت فيها شرائح مجتمعية جديدة، وتميزت بشعاراتها التي تعدّت موضوع وقف الدعم إلى المطالبة بالعدالة والكرامة والمساواة.

وفي منتصف الشهر العاشر، وتحت شعار “بدي دفي ولادي” اعتصم محتجون أمام مبنى المحافظة ورفضوا دخوله بناء على دعوة المحافظ، والتقوا معه أمام المبنى وأبلغوه مطالبهم، وفنّدوا الزعم بأن الحصار تسبب بنقص في مادة المازوت في ظل دخول كميات كبيرة منها بشكل يومي إلى المحافظة، وتهريب معظمها وحرمان الأهالي منها.

وفي ظل انسداد آفاق الحلول السياسية والاقتصادية، وتدهور الظروف المعيشية، شهدت محافظة السويداء خلال الشهر الأخير من العام الماضي حراكاً شعبياً تنوعت مظاهره بين مظاهرات احتجاج سلمية في المدن والأرياف، ومظاهرة غاضبة اقتحمت مبنى المحافظة، وعبّر الحراك عن الغضب الشعبي من السياسات الأمنية والاقتصادية.

وفي الشهر الأول من هذا العام، تجمع المحتجون في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء لتنفيذ أول اعتصام لهم، والرابع على التوالي، حاملين لافتات كتبوا عليها شعارات منها “تحرس الأوطان بكرامة الإنسان”  و”شباب الوطن.. تحيا الساحات بكم.. مكانكم محجوز بيننا” و”حرية عدالة مساواة”.

وواصل المحتجون احتجاجهم السلمي في ثاني اعتصام لهم ورفعوا خلاله لافتات حملت شعارات تراوحت بين المطالب السياسية، والمطالبة بأبسط حقوق المواطنين في الحياة الحرة الكريمة دون عوز أو إذلال.

ومن أبرز ما كتب على هذه اللافتات “نعم لسورية حرّة موحدة مستقلة، لا للسلاح.. لا للعنف.. لا للتخريب، لا لقمع الحريات.. لا للاستبداد السياسي”.

ورفع المحتجون خلال وقفهم الثالثة لافتات تندّد باحتلال القوى الأجنبية للأراضي السورية، وتشدّد على وحدة التراب السوري.

وتحت عنوان “نرفض بيع الوطن مقابل النفط”، جدد المحتجون اعتصامهم السلمي الرابع، ورفعوا لافتات تطالب بالتغيير السياسي وفق القرارات الدولية، وإطلاق سراح المعتقلين، ومحاسبة الفاسدين إضافة إلى المطالبة بتحسين الخدمات العامة بالمحافظة.

وخلال وقفتهم السلمية الخامسة رفع المحتجون لافتات كتب على بعضها “نعم للدولة الوطنية، نعم لدولة المؤسسات”، وغيرها من الشعارات التي طالبت بإطلاق سراح جميع المعتقلين السوريين في أقبية الأجهزة الأمنية، وتميزت هذه الوقفة بتزايد أعداد المعتصمين والمشاركة النسائية الواسعة فيها.

وجدد نشطاء المحافظة وقفتهم الاعتصامية السادسة التي تميزت بمشاركة شعبية واسعة، ورفعوا خلالها لافتات تندّد كسابقاتها، باحتلال القوى الأجنبية للأراضي السورية، وتؤكد على وحدة الشعب السوري وضرورة تلبية مطالبه السياسية والمعيشية.

وخصّص الناشطون وقفتهم الاعتصامية الأسبوعية  السابعة للحداد على أرواح ضحايا الزلال الذي ضرب سوريا والتضامن مع الناجين منه، وتجديد مطالب التغيير السياسي وإطلاق سراح المعتقلين.

واستأنفوا وقفاتهم الاعتصامية الأسبوعية ونفذّوا آخر وقفة في ساحة الكرامة حاملين لافتات تطالب بحقوق الشعب المهدورة، وإعادة توزيع الثروة الوطنية، وتدعو إلى التغيير السياسي وتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة.