لكل السوريين

غلاء المازوت في طرطوس.. شرّع السوق السوداء وكرس الفقر والجوع

طرطوس/ أـ ن

تم تحديد سعر المازوت للآليات، باستثناء آليات النقل الجماعي للركاب، بموجب قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رقم /1/ تاريخ 2/1/2024، بمبلغ 11880 ليرة/ ليتر، وبموجب القرار رقم /2/ بنفس التاريخ تم تحديد تعرفة نقل البضائع والمواد في السيارات الشاحنة التي تحصل على المازوت بسعر التكلفة، لكن تمضي سياسات إنهاء الدعم الظالمة بمسيرتها، غير عابئة بانعكاساتها السلبية على الواقع الاقتصادي، وبنتائجها الكارثية على حياة ومعيشة الغالبية، المفقرة من المواطنين، ولم يكن القرار إيجابيا على مستوى تجفيف السوق السوداء.

السيد أبو صلاح سائق شاحنة في طرطوس قال لنا: مضى أسبوع على قرار زيادة سعر المازوت للشاحنات بشكل رسمي، وقد كان كفيلا بزيادة أسعار كافة البضائع والسلع في الأسواق بنسب كبيرة متفاوتة، فزيادة تكاليف نقل البضائع استنادا للقرار رقم /2/ ساهم بشكل مباشر ومبرر بالزيادات السعرية في الأسواق، مع تعزيز حال الانفلات السعري غير المبرر فيها أكثر وأكثر، لقد تم تقديم تكلفة النقل الحقيقية لمديرية التجارة الداخلية لتكون الأسعار الرسمية مطابقة لها، إلا أن السعر الجديد غير منصف ويساوي 50% من التكلفة المقدمة، ولم يلحظ كل التكاليف غير المنظورة التي يتكبدها السائقون على الطرقات كأسعار المازوت بالسوق السوداء، وتكاليف إصلاح الشاحنات، إضافة إلى الضرائب المفروضة على الشاحنات.

وأضاف زميله السيد أبو عثمان قائلا: هذا القرار سيكون شماعة للتجار أمام المستهلكين لرفع الأسعار خلال الفتــرة القادمة، ولكــن لا يمكن التوقع بنســبته حاليا لأن ذلك يعود إلى قناعة التجار، موضحا أن أسعار النقل وحوامل الطاقة لها تأثير كبير على أسعار السلع وتشكل نحو 25% من السعر النهائي للمادة، مما يؤكد أن الزيادة السعرية على المازوت ونقل البضائع تعني فرض المزيد من الزيادات السعرية على المواد والسلع في الأسواق والمزيد من عوامل الاستغلال والمزيد من الفوضى السعرية فيها.

السيد وليد مهندس ميكانيك من بلدية الشيخ بدر أوضح: أن الزيادات السعرية على السلع والمواد والبضائع في الأسواق سيتم جبايتها من جيوب المواطنين بالمحصلة، وعلى حساب ضرورات حياتهم، إن المواطن يعد المعني الوحيد برفع أجور الشحن على اعتبار أنه يتحمل التكلفة النهائية للسلع، حيث أن التصريحات التي تدلي بها الجهات المعنية حول جهودها لتوحيد الأسعار ما هي إلا تمهيد لرفع الدعم بشكل خجول وغير معلن، إضافة إلى أن ذلك يؤدي إلى ارتفاع جديد لسعر مادة المازوت في السوق السوداء، وخاصة في حال عدم توافر المادة التي توزعها الحكومة، حيث أن زيادة سعر المازوت ورفع أسعار نقل البضائع كمهماز رسمي، بذريعة توحيد الأسعار وتنفيذا لسياسات تخفيض الدعم، يعني زيادة على أسعار كافة البضائع والسلع في الأسواق بنسب كبيرة، وخاصة الغذائية منها، أي مزيدا من استنزاف واستغلال جيوب المستهلكين، والمتضرر الأكبر من كل ذلك هم الغالبية من محدودي الدخل والمفقرين، الذين ستنعكس عليهم هذه الزيادات السعرية على شكل المزيد من جرعات الإفقار والجوع المعمم في أوساطهم.

السيدة مريم المهندسة البيئية والخبيرة من صافيتا بريف طرطوس تقول: أن التعدد السعري الرسمي للمشتقات النفطية عموما يساهم بشكل أو بآخر بزيادة نشاط السوق السوداء عليها، لكن ذلك ليس السبب الوحيد في ذلك، لكن نشاط السوق السوداء ما كان له أن يستمر لولا استمرار الفجوة الكمية بين الاحتياجات الفعلية والمخصصات للقطاعات والفعاليات الاقتصادية ، فمع كل زيادة سعرية رسمية على المشتقات النفطية يتم التذرع بأنها من أجل تأمين احتياجات الفعاليات الاقتصادية منها، والأمر لا يتم، ما يضطر هذه الفعاليات للجوء إلى السوق السوداء لتأمين كفايتها منها، وهذا الأمر ينطبق على المخصصات المدعومة والمسقوفة للاستهلاك المنزلي من هذه المشتقات أيضا، هذه الفجوة بين الاحتياج الفعلي والمخصص فسح المجال لزيادة عوامل الاستغلال فيها على مستوى السعر، فعلى سبيل المثال فقد وصل سعر المازوت في السوق السوداء إلى 15000 ليرة/ليتر، على ذلك فإن الفارق بين سعر التكلفة الجديد للمازوت البالغ 11880 ليرة/ليتر، وسعر السوق السوداء البالغ 15000 ليرة/ ليتر، هو 3120 ليرة بكل ليتر مازوت، وهو هامش استغلالي كبير عبر شبكات السوق السوداء، و هذا زاد مع الزيادة السعرية الرسمية الأخيرة على مادة المازوت، فقد جرت العادة أنه مع كل زيادة رسمية على أسعار المشتقات النفطية ترتفع أسعارها في السوق السوداء، والسبب الرئيسي في ذلك هو استمرار الفجوة بين الاحتياج الفعلي والمخصص المسقوف دون الحاجة للفعاليات والأنشطة الاقتصادية في البلاد على اختلافها، بما في ذلك احتياجات الاستهلاك المنزلي طبعا.

السيدة نوال الخبيرة الاقتصادية من الدريكيش بريف طرطوس قالت: الكارثة هي الاستمرار بمساعي إنهاء التعدد السعري الرسمي للمشتقات النفطية تحت مسمى سعر التكلفة، وصولا إلى إنهاء ما تبقى من دعم مخصص لها وباسمها بذريعة تجفيف السوق السوداء، مع استمرار الفجوة بين الاحتياجات والمخصصات، الأمر الذي لا يعني خسارة الدعم فقط، بل ويعني أيضا استمرار عوامل الاستغلال عبر السوق السوداء لتأمين الاحتياجات، وهو ما يجري عمليا وكأنه غاية بذاته، فعلى الرغم من إنهاء الدعم على المشتقات النفطية للكثير من الفعاليات الاقتصادية، فما زالت هذه الفعاليات تضطر للجوء إلى السوق السوداء لتأمين احتياجاتها من هذه المشتقات بسبب قلة مخصصاتها وعدم كفايتها لمزاولة أنشطتها، فسياسات تخفيض الدعم الجارية على المشتقات النفطية وصولا إلى إنهائه، وفقا للسيناريوهات المعمول بها على مستوى زيادة الأسعار والمخصصات غير الكافية، لا يعني التحرير السعري لهذه المشتقات فقط، بل ويعني بكل بساطة تكريس السوق السوداء وليس تجفيفها، أي تكريس هوامش الربح الاستغلالية الكبيرة التي تستفيد منها شريحة حيتان هذه السوق، والحديث هنا عن مئات المليارات من الليرات السورية شهريا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الزيادات السعرية على المشتقات النفطية، سواء الرسمية أو عبر شبكات السوق السوداء، التي تتكبدها الفعاليات الاقتصادية بمختلف أنشطتها، تتم إضافتها على تكاليفها، وبالتالي على أسعار سلعها وخدماتها، والتي تجبى بالمحصلة من جيوب المواطنين.

أما السيدة زبيدة وهي مدرسة العلوم الاقتصادية بالجامعة أشارت إلى أن الإتجار بالمخصصات المدعومة، والتي يتم تسليط الضوء عليها منفردة عند الحديث عن السوق السوداء، فقد أصبحت كمياتها محدودة جدا، إن كان بسبب إجراءات تخفيض الدعم الجائرة المتتابعة، وصولا إلى إنهائه على بعض الفعاليات، أو من خلال الآليات المتبعة للرقابة على المتبقي منها، بما في ذلك تعميم أجهزة التتبع الإلكتروني للآليات ووسائط النقل والمواصلات، فإن ما يوجد في السوق السوداء من كميات كبيرة ومفتوحة لبعض المشتقات النفطية مصدرها إما شركة ساد كوب، أو من خلال الشركات الخاصة الجديدة، أو عبر التهريب، وكل ذلك عبر مسارب شبكات النهب والفساد المتعاونة مع شبكات السوق السوداء، وهذه وتلك تصب أرباحها في جيوب القلة من كبار حيتان أصحاب الأرباح، على حساب الاحتياجات من هذه المشتقات، حيث أن مصالح هؤلاء الحيتان تقتضي أن تستمر الفجوة كي تستمر شبكاتهم في العمل حاصدة الأرباح الكبيرة لمصلحتهم، فالسياسات الظالمة التي تم الاتكاء عليها لتخفيض الدعم وصولا إلى إنهائه، هي نفسها السياسات المحابية لمصالح كبار الحيتان والحامية لهم، وهي نفسها من تبقي الأزمات وتخلق المزيد منها لتمرر من خلالها مصالح هؤلاء وتكرسها.