لكل السوريين

مئوية الجمهورية التركية وأوهام أردوغان العثمانية المتجددة

تقرير/ لطفي توفيق 

تتزامن مئوية تأسيس الجمهورية التركية عام ٢٠٢٣، مع موعد الانتخابات الرئاسية التركية القادمة، ويخوض رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان سباقاً مع الزمن، ويوزع الوعود الإعلامية المغرية على كافة المستويات، وفي مجالات متنوعة، كي يتمكن من الفوز بهذه الانتخابات، والاستمرار بمسيرته الهادفة إلى محو إرث كمال مصطفى أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، والعودة إلى الإرث العثماني، والسعي لإعادة إحياء الامبراطورية العثمانية البائدة، كما فعل منذ أن سيطر على مفاصل السلطة في بلاده بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، وما تلاه من حملات قمع وتصفية للنخب السياسية والثقافية والإعلامية في تركيا.

فعلى الصعيد الخارجي، كانت آخر مغامراته عملية مخلب النسر – ٢” في جبال كاري بين إقليم كردستان والحدود التركية، ورغم الخسائر التي تكبدها في هذا العدوان، إلّا أنه أكد على استمرار نهجه في التدخل والتوسع التركي، في كل من سوريا والعراق وشرق المتوسط وليبيا وإقليم ناغورني قره باخ في جنوب القوقاز.

كما عرضت قناة رسمية تابعة للنظام التركي خريطة لمناطق النفوذ التركي المزعومة في عام 2050، وشملت الخريطة شبه الجزيرة العربية ودول الخليج العربي والعراق وسوريا والأردن ومصر وليبيا واليونان وبعض المناطق الروسية، كشبه جزيرة القرم وكوبان ومنطقة روستوف وجمهوريات شمال القوقاز، وبعض دول من شمال إفريقيا.

وعلى الصعيد الداخلي بدأ بمناورات متنوعة مثل طرح تعديل الدستور، أو كتابة دستور جديد بمناسبة مئوية تأسيس الجمهورية التركي.

واستمر بمساعيه الهادفة إلى حل حزب الشعوب الديمقراطي بهدف ضرب تجمع قوى المعارضة، وجعل الهاجس الكردي ذريعة دائمة لتحفيز شعور الأتراك بالتعصب القومي.

وبشر بطموحات خيالية مثل تبشيره بأن أول تواصل مع الفضاء في سيتم عام 2023، وسيتم إنزال روّاد فضاء أتراك على سطح القمر في غضون عشر سنوات.

وتبشيره بسعيه للدخول في مجال الفضاء، والتكنولوجيا المتطورة، والذكاء الصناعي، لتأمين مستقبل أفضل لبلاده كما يزعم.

وعندما يعلن أردوغان عن هذه المشاريع الكبرى، فهو يسعى للعودة إلى الإرث الإمبراطوري العثماني، ولكن بصيغة معاصرة، ويؤكد على حضور تركيا السياسي والعلمي في سياق صراعات النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشرقي المتوسط.

بينما يرى المتابعون لسياسة أردوغان أن كل هذه النشاطات تهدف إلى إبعاد الأنظار عن الفشل الاقتصادي الكبير الذي تسبب به في تركيا، وعن حملات قمع للمعارضة، وتكميم أفواه وسائل الإعلام، والإعلاميين.

دستور جديد لمئوية الجمهورية

دعا أردوغان الأحزاب للمشاركة في إعداد دستور جديد للجمهورية التركية. وزعم أنه “ينبغي أن يكون الدستور الجديد مناسباً لجميع طوائف الشعب التركي”. وأعرب عن أمله في أن ينال “شرف إعداد أول دستور مدني في الجمهورية التركية”، وقال نريد صياغة دستور يتناسب مع الحضارة التركية، مشيراً إلى أن مئوية تأسيس الجمهورية التركية تستحق دستوراً جديداً.

وبدوره وصف نائب رئيس حزب العدالة والتنمية ماهر أونال، الدستور المدني الجديد الذي يجري التحضير لصياغته في تركيا، بأنه سيكون بمثابة الهدية التي تقدمها السلطة التركية إلى الأمة بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية التركية.

وأشار إلى أن قرار انتخاب الرئيس من قبل الشعب في استفتاء عام 2007 غيّر النظام البرلماني بشكل جذري، وأن القوانين التي كتبت بعد هذا الاستفتاء صارت أكثر مواءمة. واعتبر أن إعداد دستور مدني جديد في شكل اتفاق اجتماعي جديد، سيكون هدية ثمينة ومهمة للذكرى المئوية للجمهورية.

دخول نادي العشرة الكبار

نقلت وكالة “الأناضول” عن رئيس النظام التركي تأكيده على سعيه لدخول بلاده إلى نادي العشرة الكبار، وذلك خلال كلمته التي ألقاها أثناء مشاركته بافتتاح جسر “توهما” بولاية ملاطية، شرقي تركيا، عبر اتصال مرئي من إسطنبول.

وزعم في هذه الكلمة أن حكومته تسعى بشكل مستمر إلى جعل اقتصاد البلاد بمستوى اقتصاد الدول العشرة الأوائل على مستوى العالم.

وأشار إلى أن بلاده تعتبر واحدة من دولتين فقط في مجموعة العشرين، تشير التوقعات إلى أنها حققت نمواً إيجابياً في عام 2020، وحققت رغم جائحة كورونا، نجاحات مختلفة في قطاعات كبيرة، مثل الإنتاج الصناعي، والزراعي، والصادرات، وسجلت أرقاما قياسية العام الماضي.

تلك هي الأوهام التي يسوّقها رئيس النظام التركي داخلياً وخارجياً ليوهم شعبه بأنه الأجدر بقيادة بلاده إلى التقدم والرخاء، ويضمن فوزه بالانتخابات المتزامنة مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، ويتمكن بالتالي، من تحقيق أوهامه بإعادة إحياء الامبراطورية العثمانية، وأطماعه بالسيطرة على البلدان التي احتلها أجداده العثمانيون لعقود طويلة، وأورثوها كل أنواع التخلف والجهل.

وبمقارنة سريعة بين الوهم والواقع، تتضح عبثية محاولات أردوغان، وصعوبة تنفيذها، حيث ترزح بلاده تحت عبء الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية، والعزلة الدولية.

احتجاجات طلابية

تعيش تركيا منذ ما يزيد عن الشهر على وقع احتجاجات وتظاهرات طلابية أعادت إلى الذاكرة الحركة الاحتجاجية الواسعة التي هزت حكم أردوغان في 2013.

وشاهد مراسلو وكالة الأنباء الفرنسية عناصر من الشرطة بلباس مدني وهم يجرون عشرات من الطلاب لدى محاولتهم التظاهر في شارع بوسط العاصمة أنقرة

وسمعت أصوات طرق أواني الطبخ في مختلف أنحاء المدينة المترامية مساء، بعدما طلب المنظمون من مؤيديهم إحداث ضجة لإظهار قوة.

وبدا حرم جامعة بوغازيتشي كأنه حصن محاصر، فقد أقيمت حواجز معدنية على امتداد مئات الأمتار، بينما أثار تسجيل فيديو للشرطة وهي تكبل بوابة مدخل الجامعة الكثير من الغضب.

ورد أردوغان على هذه الاحتجاجات بنشر قوات الأمن في الشوارع، وملاحقه الشرطة التركية للمتظاهرين، وإطلاق قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي لتفريقها في إسطنبول وأنقرة وإزمير، وتوقيف أكثر من 500 متظاهر.

ورغم أنه تم الإفراج عن معظم الطلاب الذين اعتقلوا، إلّا أن عمليات التوقيف ووحشية القوات الأمنية أدت إلى توجيه اتهامات علنية لرئيس النظام التركي بممارسة الاستبداد.

السجون التركية

يعيش المعتقلون بالسجون التركية أوضاعاً شديدة الصعوبة، حيث يقبع 24 سجيناً في زنزانة تتسع لـ 12 سجيناً فقط، ودون وجود أي إجراءات احترازية من الإصابة بفيروس كورونا، وعدم توافر مستلزمات العناية الصحية، حيث تتعمد إدارات السجون إهمال نظافة عنابر السجون والزنازين.

ووفقا لقناة تركيا الآن التابعة للمعارضة التركية، فقد انتقد نائب في البرلمان عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وعضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان التركي، عمر فاروق جرجرلى أوغلو، أوضاع السجون السيئة في زمن انتشار وباء كورونا.

كما تحدثت وسائل إعلام محلية وعالمية عن أحوال السجون التركية المزرية، وعن انتهاكات السلطات لحقوق الإنسان داخل السجون وخارجها.

الفساد المتنامي

لم يعد انتشار الفساد بمفاصل الدولة التركية خافياً على أي متابع للشأن التركي، وطالما تحدثت عنه الأوساط السياسية والإعلامية خارج تركيا، وداخلها.

وقد شن رئيس حزب المستقبل التركي المعارض، أحمد داود أوغلو، هجوما على النظام الحاكم في تركيا، موضحا أن الفساد يحيط بالنظام من جميع اتجاهاته حتى أصبح مثل الشبكة، ولم تعد السلطة الحاكمة تكافح الفساد، بل جعلت منه طريقة منهجية لإدارة الدولة.

وقال أوغلو “نحن أمام حكومة ائتلافية تستهدف بلدنا وشعبنا وأمتنا واقتصادنا وسمعتنا وأمننا. وأفضل ما يعرفونه هو انعدام القانون والظلم”.

وأشار إلى تفشي الفساد فى أجهزة حكومة أردوغان، وتنكرت لكل ما دافعت عنه وتحدثت به ووقفت خلفه بالأمس، وفرضت على تابعيها أن يغمضوا عيونهم، ويقمعوا ضمائرهم حينما يتعلق الأمر بالظلم والفساد.

وأكد أن حزب المستقبل لا يثق بنوايا أردوغان بشأن الدستور الجديد، واعتبره مناورة سياسية، ومحاولة لتغيير مسار الأحداث في تركيا.

وبدوره أوضح رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، أن المعارضة التركية لا ترى أي نوايا جيدة من حزب العدالة والتنمية تجاه هذا الدستور الجديد.

ومن جهة أخري تتزايد الفضائح التي يواجهها رئيس النظام التركي، حيث كشفت وسائل إعلام تركية معارضة عن فضيحة جديدة تتمثل بمنح أردوغان، عشرات الأوقاف والجمعيات الخيرية إعفاءات ضريبية كاملة على مدار الخمس سنوات الماضية، وأكدت هذه الوسائل أن معظم تلك الأوقاف تابعة لأفراد من عائلته والمقربين منه.

مثل وقف توجفا وأوكوتشولار العائد لنجله بلال، ووقف قادام الذي تديره ابنته، ووقف تى أوتش الذي يديره صهره، ووقف تركيا آغيتم التابع لجامعة ميديبول التي تتبع لزوجته، وكذلك وقف الكفاءة الذي يترأسه نائب رئيس حزب العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة.

المعارضة تتصدى

قال رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كليتشدار أوغلو، إن حزبه سيقيم تحالفا قويا ضد حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات القادمة، وسيكون قادراً على الإطاحة به. وتعهد بأن هذا التحالف سيرسخ للديمقراطية، وسيجلب رئيساً محايداً عوضاً عن أردوغان.

وأكد كمال أوغلو، أن المعارضة التركية قادرة على الانتصار على النظام، والبداية كانت بالمحليات التي حسمت لصالح المعارضة.

وأضاف رئيس حزب الشعب قوله “نمر بأزمة خطيرة، ونحن سنخرج تركيا من هذه الأزمة بكل إيمان وإصرار وعزيمة، فليس من حق أي مواطن، خاصة مؤيدي حزب الشعب الجمهوري، فقدان الأمل، ولن ينسى أحد مسيرة الدفاع”.

واتهم أردوغان بتدمير السياسة الخارجية التركية، مشدداً على ضرورة كتابة دستور جديد للتخلص من سياسة أردوغان التي دمرت البلاد.

قلق الاتحاد الأوروبي

غالباً ما يعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه البالغ من انتهاكات الحكومة التركية المتكررة لحقوق الإنسان، وخاصة لحقوق السياسيين الأكراد.

وقد أصدر الاتحاد مؤخراً بياناً حول الاعتقالات التي تنفذها الحكومة التركية بحق أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي المعارض لأردوغان.

وجاء في البيان، “يشعر الاتحاد الأوروبي بقلق بالغ إزاء استمرار الضغط على حزب الشعوب الديمقراطي والعديد من أعضائه، الذي تجسد مؤخراً في الاعتقالات واستبدال رؤساء البلديات المنتخبين، وما يبدو أنه إجراءات قضائية ذات دوافع سياسية ومحاولة رفع الحصانات البرلمانية لأعضاء البرلمان التركي”.

وتابع الاتحاد في بيانه “تضاف هذه التطورات إلى عدم تنفيذ تركيا لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن الإفراج عن صلاح الدين دميرطاش، فضلاً عن اعتقال مئات السياسيين المحليين وشاغلي المناصب المنتخبين وأعضاء حزب الشعوب الديمقراطي بتهم تتعلق بالإرهاب”.

وأكد الاتحاد الأوروبي على أن “أي مخالفات أو جريمة مزعومة يجب أن تخضع للإجراءات القانونية الواجبة، ويجب الحفاظ على افتراض البراءة، وبصفتها عضواً قديماً في مجلس أوروبا، ودولة مرشحة، يجب على تركيا حماية نظامها الديمقراطي، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وحرية تكوين الجمعيات السياسية”.

يذكر أن الاقتصاد التركي الذي كان يشهد ازدهاراً، انقلب وضعه بما يجعل حصول قفزة نوعية في ظل أزمة اقتصادية ونقدية حادة، شبه مستحيلة.

وحسب الأهداف الموضوعة كان يرتجى رفع الناتج الإجمالي، ومتوسط دخل الفرد وحجم الصادرات، والتقليل من نسبة البطالة، ولم يتحقق شيء من ذلك، بل تفاقمت الأزمة الاقتصادية في تركيا إلى درجة غير مسبوقة.

والمؤشرات الحالية للاقتصاد التركي تبين أن المسافة شاسعة بين الوهم والواقع.