لكل السوريين

الانتخابات الرئاسية السورية.. تباين بين مواقف الدول الغربية وإشكالات في صفوف “المعارضة”

تقرير/ محمد الصالح 

تتزامن الانتخابات الرئاسية السورية هذا العام مع مجموعة من الظروف المحلية والدولية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.

على الصعيد المحلي، ستجري هذه الانتخابات بعد تغييرات ميدانية كبيرة على الساحة السوري، وتوقف المعارك نسبياً بين الأطراف المتقاتلة، وتصاعد التنافس بين روسيا وإيران على ترسيخ وتوسيع نفوذ كل منهما في سوريا، وتصاعد الدور التركي من خلال إصراره على احتلال مساحات واسعة من الشمال السوري، وتزايد محاولاته لتخريب أي توجه نحو حل الأزمة السورية لصالح السوريين، عبر الميليشيات التابعة لأنقرة، أو تلك التي تدور بفلكها.

وعلى الصعيد الاقتصادي ستجري الانتخابات في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعيشها البلاد، وفي ظل العقوبات الاقتصادية الأميركية والغربية، والعزلة دبلوماسية والسياسية المفروضة عليها.

وعلى الصعيد الدولي ستجري هذه الانتخابات في ظل تذبذب مواقف الدول الأوروبية حولها، بين دول رافضة لها جملة وتفصيلاً. وأخرى تضع معايير صارمة لـشرعنة أي انتخابات في سوريا.

ومن جهة أخرى تجري هذه الانتخابات بعد أشهر قليلة من وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وقبل أن تتبلور أو تتضح، رؤية الإدارة الجديدة فيما يتعلق بالملف السوري، مع أنه من المتوقع أن تتجاهل أميركا إجراء هذه الانتخابات ونتائجها.

في حين تدعم كل من روسيا وإيران إجراء الانتخابات في موعدها، وتقبل نتائجها مسبقاً.

وهو ما يشير إلى وجود معركة غير معلنة بين موسكو وحلفائها من جهة، وواشنطن وشمال شرق سوريا من جهة أخرى، واحتمال انحياز دول أوروبية للموقف الأميركي، وانحياز الصين ودول آسيوية أخرى للموقف الروسي.

توجيهات واستعدادات داخلية

على الصعيد العسكري، بدأت الإدارة السياسية للجيش السوري بالترويج للانتخابات المقبلة، من خلال إصدار تعميمات إلى معظم القطعات العسكرية، تطالب بـ “الوقوف إلى جانب القائد بشار الأسد في الاستحقاق الانتخابي المقبل”.

وعلى الصعيد السياسي، بدأت فروع حزب البعث في جميع المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، بعقد عدة اجتماعات لبحث الحملات الخاصة بالانتخابات.

وحسب الصفحات الرسمية للحزب، فقد اتجه إلى عقد مؤتمرات تحت عنوان “أملنا ببشار.. لنكمل المشوار”، وكان أبرز هذه المؤتمرات المؤتمر الذي عقد في “معهد الحرية” بالعاصمة دمشق.

ولم تبدأ، حتى الآن، المظاهر العامة التي تسبق الانتخابات عادة كاللافتات، والصور، والدعوات إلى انتخاب هذا المرشح أو ذاك، وربما كان ذلك بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور الذي يعيشه المواطنون.

الروس يتحركون جنوبا

انتقدت موسكو مواقف الدول التي ترفض إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل وجود ملايين من السوريين في بلدان اللجوء، ومناطق النزوح.

واعتبرت “دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سوريا، تقوض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة” حسب تصريح مصدر سياسي روسي رفيع المستوى.

ومنذ بداية العام الجاري، بدأت تحركاتها الميدانية في الجنوب السوري، من بلدة كناكر بريف دمشق، حيث عقد ضباط روس اجتماعاً مع أعضاء من “اللجنة المركزية” في البلدة التي شهدت عدة توترات واشتباكات مسلحة في الأشهر الماضية، وقدموا خلاله عروضاً روسية تضمنت حل مشاكل البلدة، والبدء بإخراج معتقليها من السجون، وتقديم مساعدات إنسانية لها، مقابل التزام الهدوء في البلدة، و”الحصول على أصوات المجتمع في الانتخابات المقبلة”.

وفي درعا عقدت عدة اجتماعات بين أعضاء اللجنة المركزية في المحافظة، وبين ضباط من الفرقة الرابعة واللجنة الأمنية، حضرها ضباط روس، وأفضت هذه الاجتماعات إلى اتفاقية تسوية أوقفت العملية العسكرية التي كانت الفرقة الرابعة تنوي القيام بها لاقتحام مدينة طفس في الريف الغربي من محافظة درعا.

وأفرجت السلطات السورية بموجب هذه الاتفاقية عن عدد من الموقوفين من أبناء المحافظة بعفو رئاسي خاص.

وفي السويداء باشرت السلطات بإجراء تسويات للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، والفارين من الخدمتين، تسقط كافة العقوبات المترتبة على الفرار والتخلف، شرط أن يلتحقوا بالخدمة ضمن الفيلق الأول المنتشر في المنطقة الجنوبية، ويلتزموا بالهدوء وعدم التظاهر.

تحركات لكسب الأصوات

تسعى روسيا إلى جمع أكبر عدد ممكن من الناخبين، لإضفاء الشرعية على الانتخابات القادمة. وهذا ما أكده أحد كبار الضباط الروس الذي قدم إلى سوريا مؤخراً بـ”مهمة خاصة”.

وأجرى عدة اجتماعات مع فعاليات سورية متنوعة، وقال في بدايتها “مستعدون لإخراج المعتقلين بالمئات أو ربما بالآلاف، ولحل جميع المشاكل بشكل كامل، شرط تحقيق الاستقرار في الفترة المقبلة، وكسب أصوات الأهالي”.

ومع بداية العد التنازلي لإجراء الانتخابات تبذل موسكو جهودها لإعادة اللاجئين، وتجميع أكبر عدد من السوريين في الداخل، وتحاول خلق حالة من الاستقرار والحد من التوتر في مناطق سيطرة الحكومة، وتعد أهالي المعتقلين بالإفراج عنهم نظراُ لحساسية هذا الملف لدى السوريين.

ويرى المراقبون أن تحركات موسكو تسعى إلى التقرب من المواطنين من خلال وعود بتغيير في سلوك السلطة السورية، وليس بتغييرها.

كما تهدف هذه التحركات إلى توجيه رسالة للمجتمع الدولي، تشير إلى أن حالة الاستقرار في سوريا تسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية فيها.

رسائل موسكو وطهران

تسعى كل من موسكو وطهران إلى أن إجراء هذه الانتخابات بموجب الدستور السوري الحالي الذي يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، ويمكّن الأسد من الفوز بولاية جديدة مدتها سبع سنوات، على أن تبدأ عملية الإصلاحات الدستورية بعد الانتخابات الرئاسية، وقبل الانتخابات البرلمانية التي ستجري عام 2024 ما لم يتم تقديم موعدها.

وفي الوقت الذي تسوق فيه طهران شرعية الحكومة السورية، ومرونتها السياسية، ورغبتها وتعاونها بعملية الإصلاح الدستوري.

وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني خلال لقاءاته مع زواره الأجانب في الأيام الأخيرة.

في حين تحاول روسيا إشراك مرشحين من المعارضة في الترشح للانتخابات، وتستمزج رغبة شخصيات معارضة رئيسية من أجل ذلك، ولكنها تصطدم بعقبات من بينها عدم موافقة معظم هذه الشخصيات على الترشح، ووجود مواد في الدستور الحالي تنص على وجوب إقامة أي مرشح لعشر سنوات داخل البلاد، وتزكية أي مرشح من قبل 35 نائباً من مجلس الشعب.

ولكن موسكو تستمر في البحث عن آليات لجعل الانتخابات بداية لانعطاف إقليمي وغربي في التعاطي مع دمشق يساهم بفك العزلة عنها، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية معها، والمساهمة في الإعمار.

مشاورات غربية

تتحدث أنباء صحفية عن مشاورات تجريها الدول الغربية بعيداً عن الأضواء، لبلورة موقف موحد للتعاطي مع الانتخابات الرئاسية.

ويتوقع المراقبون أن تتجاهل أميركا إجراء الانتخابات، ونتائجها كما فعلت مع الانتخابات البرلمانية السورية السابقة، حيث صرحت إدارة الرئيس ترامب بأنها لن تعترف بأي انتخابات لا تتم بموجب القرار 2254 بإدارة الأمم المتحدة.

أما الإدارة الذاتية فموقفها واضح من الانتخابات، فهي تشترط أن يتم الاعتراف رسميا بها حتى تجري الانتخابات على أراضي شمال شرق سوريا، فهي منعت أي وجود لصناديق الاقتراع بالنسبة للانتخابات البرلمانية في المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية. يقترح آخرون دعم مرشح من المعارضة، ويطالب غيرهم بوضع معايير واضحة بموافقة أممية للقبول بأي انتخابات.

وفي هذا الاتجاه ذهبت فرنسا حيث أشارت أنباء صحفية إلى أنها قامت بصياغة وثيقة تحدد المعايير الخاصة بالانتخابات في سوريا.

وحسب هذه الأنباء جاء في الوثيقة الفرنسية “في حال كونها انتخابات حرة، ونزيهة، ومحايدة، وتجرى في بيئة آمنة حيث يمكن لجميع فئات الشعب السوري المشاركة بها دون عائق، يمكن للانتخابات المقبلة في سوريا الإسهام الفعلي والحقيقي في إرساء المؤسسات المستقرة ذات الشرعية في البلاد بوصفها جزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية الأوسع نطاقاً بموجب القرار 2254، كما يمكن أن تشكل أحد العناصر الرئيسية المعنية بالتسوية الدائمة للنزاع الراهن”.

وأشارت هذه الوثيقة إلى أن أحكام القرار الدولي تشكل “الأسس والمبادئ التوجيهية التي يُسترشد بها في المناقشات المقبلة بشأن الانتخابات، وذلك حتى يتسنى التأكد من أن الانتخابات لن تُعد ذات شرعية إلا تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، وبما يتفق مع أعلى معايير الشفافية والمساءلة الدولية”.

وإشكالات في صفوف المعارضة

في خطوة أثارت استهجان معظم فصائل المعارضة الأخرى، شكل “الائتلاف الوطني السوري” لجنة تحت اسم “المفوضية العليا للانتخابات”.

وحدد الهدف من تشكيلها بـ “تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية، رئاسية أو برلمانية أو محلية، وتهيئة الشارع السوري للمشاركة بالاستحقاقات السياسية المقبلة، بما في ذلك خوض غمار الاستحقاق الانتخابي”.

وفتحت هذه الخطوة غير المسبوقة باب جدل كبير بين أوساط المعارضين السوريين، واعتبر بعضهم أنها “تحوّل الثورة السورية إلى صراع على السلطة وعلى كرسي الرئاسة في سوريا”،

بينما اعتبرها آخرون تجاوزاً لدور اللجنة الدستورية السورية.

وأشار الناطق باسم هيئة التفاوض السورية إلى “أن تشكيل المفوضية العليا لا يهدف إلى الاشتراك في الانتخابات الرئاسية في 2021، وإنما تصب في إطار الاستعداد في حال تمت التوافقات بين الدول الفاعلة على تنفيذ الاستحقاق الانتخابي بموجب قرار مجلس الأمن 2254”.

وتنص الفقرة الرابعة من قرار مجلس الأمن على أن العملية السياسية تتضمن إنشاء حكم شامل وغير طائفي خلال ستة أشهر، وعقب ذلك يتم النظر في النظام الدستوري للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في 18 شهراً.

كما أثار إعلان تشكيل هذه المفوضية تساؤلات عديدة في أوساط السوريين حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستمهد لمشاركة المعارضة السورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ودفعت ردود الفعل الكثيفة والمتنوعة الائتلاف السوري إلى إيقاف العمل بقرار تشكيل المفوضية، أو تجميده لإجراء المزيد من المشاورات.

وبعد تشكيلها بثلاثة أيام نشر الائتلاف تصريحاً عبر موقعه الرسمي جاء فيه، “بناء على ملاحظات قدمتها قوى ثورية ووطنية حول قرار تشكيل المفوضية الوطنية للانتخابات الصادر مؤخراً، وحرصاً على احترام وجهات نظر السوريين، وعلى وحدة صفوفهم، وبناء على أحكام نظامه الأساسي، وبعد مراجعة مستفيضة، قرر الائتلاف إيقاف العمل بالقرار المتعلق بإحداث المفوضية، إلى حين إجراء مزيد من المشاورات مع القوى الثورية والسياسية بهدف الوصول إلى صيغة مناسبة”.

خلفية تاريخية

وتمثل الانتخابات الرئاسية المقبلة رقم 18 منذ عام 1932، حيث جرت أول انتخابات رئاسية في هذا العام.

ورغم إجراء الانتخابات الأولى تحت وطأة الانتداب الفرنسي، كانت الأكثر تنوعاً في تاريخ سوريا، وشارك فيها ستة مرشحين تنافسوا على منصب الرئيس، وهو أكبر عدد من المتنافسين في انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد.

ولكن المؤرخين السوريين ركزوا اهتماهم على أول انتخابات بعد الاستقلال التي جرت عام 1955 وتنافس خلالها شكري القوتلي وخالد العظم.

وشكلت حالة من الديمقراطية الناشئة، والواعدة، قبل أن تبدأ الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة بدءاً من عام 1949.