لكل السوريين

الطفل الضائع في الوحل…. والنائم الطافي!!!

صالح مسلم

عنوان ملفت في عدد سابق من صحيفتنا “السوري” ربما لم يلفت انتباه الكثير من القراء أو لم يحاول الكثيرون البحث في مدلولات الخبر. فهناك الضحية وهناك المجرم وهناك الشريك مثلما هناك المتواطئ وهناك الساكت عن الحق، ومالم ندرك حقيقة كل هؤلاء لن نتمكن من أخذ العبرة والدروس مما يجري للشعب السوري.

مع بداية التظاهرات الشعبية في سوريا قامت الدولة التركية بفتح مخيمات اللاجئين على طول الحدود السورية التركية ومن خلال عملائها شجعت كل من ضاقت بهم الأرض من ممارسات النظام إلى التوجه نحو تلك المخيمات، بل وشجعت الهجرة إليها، ثم تطورت الأحداث إلى مناطق محررة ومخيمات للنازحين من الداخل السوري نتيجة للمقايضات الجارية بهدف رسم خريطة ديموغرافية جديدة لسوريا.

الأهداف التركية لم تكن معلنة، بل يمكن الاستدلال عليها من خلال الممارسة على أرض الواقع ومقارنتها بالسياسات التركية، وباتت مكشوفة بعد كل معاناة الشعب السوري بقليل من التمعن. فقبل كل شيء رشحت تركيا نفسها لتكون رأس الحربة لما يجري في سوريا لتتمكن من تمرير أطماعها التاريخية في سوريا وجوارها، فأصبحت تركياً مركزاً لتجميع وتدريب وتسليح وتوجيه وإمداد كافة الفصائل الجهادية إلى سوريا، وكان ثمن ذلك 137 مليار دولار حسب اعتراف حمد بن جاسم. أما على صعيد الإغاثة فحسابها كان مختلفاً، فقد جعلت تركيا مدينة عينتاب مركزاً لتلك الأنشطة وفرضت على كل مؤسسات الإغاثة الانطلاق من هناك وشرط التعامل مع الهلال الأحمر التركي ومع مؤسستين تركيتين تحديداً (IHH وAFAT) وهي مؤسسات مرتبطة بالاستخبارات التركية مباشرة.

تركيا جعلت من هذه الآليات (المخيمات، مكاتب الإغاثة، ومؤسساتها) وسائل للنصب والتحايل وبسط النفوذ، حيث حولت كثير من المخيمات إلى معسكرات لتدريب وتجنيد الجهاديين وإرسالهم حيثما تشاء، مثلما جعلت منها وسيلة للنهب والسرقة فقد قام الاتحاد الأوروبي بتقديم ما يزيد على أربعين مليار دولار بهدف تحسين أوضاع اللاجئين ما عدا المساعدات التي وصلت مباشرة عن طريق منظمات المجتمع المدني التي أرغمتها الدولة التركية على القيام بمشاريعها عن طريق المؤسسات الإغاثية التركية التي ذكرناها آنفاً، وأغلبها استخدمت لأغراض سياسية تخدم التنظيمات الجهادية والترويج لها في مناطقها. ثمة جانب آخر لم يلاحظه الكثيرون وهو ارتباط شبكات تهريب البشر بالمخابرات التركية وهي التي قامت بتهريب المقتدرين من المهاجرين إلى أوروبا مقابل مبالغ طائلة حسب وسيلة وأماكن الوصول تراوحت أسعارها بين ألفين إلى خمسة عشر ألف دولار وشكلت مصدراً مهماً لتمويل العمليات الاستخباراتية.

النظام السوري حكم على مدى عقود بمفهوم الراعي والرعية، أي نظر إلى السوريين كقطيع يوجههم كيفما يريد ويطعمهم بقدر ما يجني منه الخيرات ولهذا بقي الشعب السوري بعيداً عن السياسة والقرار السياسي وأي شخص حاول التفكير بشكل آخر كان مصيره القتل أو السجن أو الهروب إلى الخارج وبقي الشعب بدون مرشد وقيادة. وعندما جاءت عاصفة التغيير لم يجد الشعب المسكين من يقوده في الأيام الظلماء فوقع أسيراً في يد هؤلاء الذين ادعوا قيادة الثورة وجعلوا من عينتاب التركية وكراً لهم ومن عملاء الاستخبارات التركية مرشدين لهم ومخططين لمشاريعهم ولأنشطتهم، وتحولوا إلى تجار الحروب بدلاً من أن يكونوا عوناً لشعبهم المغلوب على أمره. ولا يهمهم أحوال اللاجئين أو النازحين أو الذين يتعرضون لقصف النظام والروس والدولة التركية، ولا مئات الآلاف الذين قتلوا.

ناهيك عن المائة والسبع والثلاثين مليار دولار التي ذكرها حمد بن جاسم فهي ذهبت لتسليح الجهاديين ورواتبهم، نحن نتساءل عن المبالغ التي زادت عن أربعين مليار دولار التي جاءت لتحسين أوضاع اللاجئين، أين ذهبت؟ ومن استلمها ومن استخدمها؟ وأين تم استخدامها؟ هذه الأسئلة برهن الدولة التركية والمعارضة التي لازالت جالسة في حضنها. فلو أنفقت هذه الأموال على اللاجئين لرأيناهم يقيمون في بيوت مرفهة وليس في الخيام، ولتمت تلبية جميع متطلباتهم. ولو تم تفعيل منظمات المجتمع المدني بحرية لوجدنا الخدمات الصحية والتعليمية على شكل نموذجي.

مع كل أسف أصبح شعبنا السوري فريسة لهؤلاء الوحوش من تجار الحروب الذين جعلوا من العثمانيين الذين باتت ممارساتهم معلومة على مدى أربعمائة سنة من الاستعمار والمجازر التي سجلها التاريخ بحق الأرمن والسريان والآشور والكرد. فهل يمكننا انتظار الرحمة أو الرأفة من تجار الحروب ومصاصي دماء الشعوب هؤلاء؟ فإذا لم ندرك حقيقة هؤلاء، ولم نقم بتوعية بعضنا البعض ولم نتكاتف سيبقى أطفالنا ضائعين في الوحل وسيطفو مزيد من النائمين على مياه السيول، وسنحتاج إلى مزيد من الخيام المهترئة.