لكل السوريين

سراة القوم والمهام التاريخية

قال العقلاء: لا حياة لقوم لا سراة لهم ولا خير في قوم إذا جهالهم سادوا.  ربما أخطأت في الكلمات ولكن المعنى هو المقصود. ونحن السوريون بحاجة إلى هؤلاء السراة الحكماء ليرشدوا مجتمعنا بكافة مكوناته، وما أوصل الشعب السوري إلى الكارثة التي حلت بنا هو الشطر الثاني أي “جهالهم سادوا”. لأن هؤلاء الجهال لم يدرسوا التاريخ السوري الحقيقي وعلاقات مكونات الشعب السوري ببعضها البعض عبر آلاف السنين. ولم يستنبطوا منها الدروس اللازمة والخبرة لتنير الدرب أمامهم في هذه المعمعة التي تمر بها المنطقة عموماً.

حدود الدولة السورية الراهنة رسمت بعد العقد الثاني من القرن العشرين، ولكن مكونات الشعب السوري القاطنة ضمن هذه الحدود متعايشة منذ آلاف السنين وعاشت الحقب التاريخية بحلوها ومرها معاً، وقاومت الغزاة والمعتدين والاستعمار وحققت انتصاراتها معاً، وآخرها كان الانتداب الفرنسي والثورات السورية المتواصلة ضد هذا الانتداب. ونظرة واحدة إلى التاريخ القريب لسوريا يكشف هذه الحقيقة. فمن يستطيع إنكار دور الكرد والعرب والدروز والعلويين والمسيحيين والإيزيدين في الثورات السورية، ولكن احتكارات السلطة والثروة التي تحكمت بقدر سوريا تجاهلت هذه الحقيقة وحاولت صهر هذا التنوع في الإصالة التي هي ثروة سوريا في بوتقة أحادية الدولة القومية، بحيث بدأ كل من لا ينتمي إلى حزب السلطة يشعر بالغربة في هذا الوطن مهما كان انتماؤه الوطني وأصالته.

في الأيام الماضية قرأت مقالاً ملفتاً بعنوان ” صناعة الجهل” استغربت العنوان ولكن اكتشفت أن هناك علم يسمى “هندسة صناعة الجهل” ولهذه الصناعة متخصصوها وسوقها وتجارها. وأكثر مستخدمي هذا المجال هم احتكارات السلطة والثروة في البلدان في دوائر خاصة تسمى “دائرة الحرب الخاصة”، ومن بين وسائلها زراعة الأحقاد والحساسيات بين أفراد ومكونات المجتمعات لتعميتها وإشغالها بنفسها بدلاً من مراقبة والبحث في جرائم محتكري السلطة والثروة.

وعندما أشرنا إلى السراة فإننا قصدنا اولئك الذين يلتزمون بالأصالة والقيم المجتمعية المتوارثة عبر آلاف السنين من علاقات التآلف والعيش المشترك دون إنكار وجود أي مكون أصيل، ويحافظون على هذه المبادئ تحت كل الظروف وفي أصعب الأوقات. ولو ساد هؤلاء السراة المجتمع السوري بعد الاستقلال إلى يومنا هذا لما حلت بنا هذه الكوارث. فكلنا بات يدرك بأن ما حدث كان نتيجة لتراكم الأخطاء في التعامل مع المجتمع وإقصائه عن السياسة وإدارة البلاد.

مكونات شمال وشرق سوريا عرفت هذه الحقيقة وتلاحمت عندما تحولت الأرض السورية إلى مشاع دخل فيها كل من هب ودب من قوى عالمية وإقليمية، نتيجة لأفعال وأخطاء السلطات، هذا التلاحم الذي تحقق نتيجة للضرورة المفروضة للدفاع عن الذات استطاعت الانتصار على أشرس التنظيمات الإرهابية التي زرعت الذعر في العالم أجمع مثل داعش والنصرة ومشتقاتها، وحررت كل مناطقها دون أن تخرق ثوابت الوطن السوري، وأسست إدارتها الذاتية التي تشترك فيها كل مكونات المنطقة دون استثناء بمطلق الحرية. وبدأت الإدارة تطرق أبواب النظام بشكل متكرر للتوصل إلى حل سوري سوري يتجنب أخطاء الماضي لرسم مستقبل زاهر للشعب السوري، ولكن لا حياة في من تنادي.

إن الحل الذي تراه الإدارة الذاتية مناسباً لسوريا يمكن أن يجعل سوريا مثالاً للديموقراطية في الشرق الأوسط بما في ذلك حل القضية الكردية في سوريا، وهذا لا يروق لكثير من القوى، وهذا أمر طبيعي نظراً لأطماع تلك القوى الإقليمية ولكن القرار يبقى بيد السوريين. ولكن من المستغرب أن نجد أن السلطات السورية لا زالت تتمسك بذهنيتها السابقة وتحلم بإخضاع الشعب السوري لما كان سائداً قبل 2011، ولا زالت تمارس التفرقة العنصرية بهدف زرع الفتنة بين المكونات، وما الممارسات الأخيرة للنظام السوري سوى دلائل على هذه الحقيقة، مثل أحداث منبج التي حرض عليها النظام مع تركيا وأطراف أخرى، وسبقتها أحداث قامشلو، والخلايا التي ترتبط بالأجهزة السورية لخلق الفتنة والاغتيالات، ثم جاء بعدها الحظر المفروض على الكرد وسد المنافذ أمامهم للتنقل إلى مناطق النظام.

ما نريد قوله أن هذه التصرفات ليست حكيمة ولا تسفر سوى عن مزيد من العداء نحو السلطة وتزيد العوائق على طريق الحل السوري السوري، فإذا كانت هكذا قرارات تأتي من جهل بكيفية التعامل مع المكونات فهي مصيبة، أما إذا كانت عن سابق تخطيط وترصد لخدمة أعداء سوريا فهي مصيبة وكارثة أكبر في نفس الوقت، لأنها مساهمة في التغيير الديموغرافي والشقاق الذي تسعى إليه القوى المعادية لسوريا. ولسان حال الإدارة الذاتية الديموقراطية يقول: لنتحاور لتحديد كيف سنعيش ضمن البيت الواحد أولاً، ونقرر سوية من هو عدونا ومن هو صديقنا، ثم نقف في جبهة واحدة ضد العدو ونوثق العلاقة مع الصديق، فالعدو لأي مكون سوري لا يمكن أن يكون صديقاً لسوريا، وعندها يمكن أن ينعم الوطن السوري بالاستقرار والتقدم.