لكل السوريين

ليس بالقوة العسكرية وحدها.. يمكن إخراج إيران من الساحة السورية

تقرير/ لطفي توفيق 

رغم أن الإدارة الأميركية مارست ضغوطاً متزايدة على النظام الإيراني، لتقليص وجوده العسكري في سوريا، ومنعه من فرض أمر واقع يعرقل عملية التسوية السياسية المطلوبة فيها.

ورغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعاني منها إيران داخليا بسبب الحصار الدولي المفروض عليها.

ورغم العمليات العسكرية الإسرائيلية المدعومة من واشنطن، ضد التواجد الإيراني فيها، وخاصة شرقي الفرات.

ورغم الجهود الروسية لتحجيم هذا التواجد في إطار التنافس المتصاعد بينهما على تعزيز وتوسيع نفوذ كل منهما على الساحة السورية.

مازال التواجد العسكري الإيراني في سورية قائماً، ومازال يشكل عقبة رئيسية أمام أي حل سياسي ترفضه إيران من حيث المبدأ، وتسعى إلى الحسم العسكري الذي يمكّنها من الهيمنة على القرار السياسي والاقتصادي في سوريا، ويحقق لها البقاء في الموقع الاستراتيجي الذي أمنه لها تواجدها فيها، ويعزز أوراق المساومة السياسية التي تمتلكها في مواجهة خصومها.

ومن خلال الأحداث الجارية يتضح أن إيران ليست بوارد الانسحاب من المنطقة رغم الضربات المؤلمة التي تتعرض لها، ولكنها تحاول التهدئة، وكسب الوقت انتظاراً لوضوح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، حيث يعوّل ملالي إيران على تغيير ما يمكن أن تقوم به واشنطن تجاه المنطقة.

مما يؤكد أن الحلول العسكرية وحدها ليست كافية لمواجهة وجودها في سوريا، إلّا إذا ترافقت مع إحداث تغييرات في طرق وآليات مواجهتها من خلال تشكيل تحالف فعّال بين قوى محلية قادرة على مواجهة المليشيات الإيرانية، بدعم من القوى التي تريد إخراجها من سوريا.

غارات بدعم أميركي

في مرحلة وصفها القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، بـ “أعلى مرحلة في ضرب التموضع الإيراني في سوريا”، شنّت طائرات إسرائيلية غارات عنيفة على مواقع إيرانية في مناطق واسعة من شرق سوريا، موقعة عشرات القتلى والجرحى في صفوف الميليشيات المرتبطة بـالحرس الثوري الإيراني.

ورغم عدم تبني تل أبيب لهذه الغارات بشكل علني، إلّا أن المعطيات تؤكد أنها قامت بها بدعم استخباراتي أميركي.

وحسب مسؤول استخباراتي أميركي بارز نفذت الضربات الإسرائيلية بناء على معلومات استخباراتية قدمتها الولايات المتحدة واستهدفت مستودعات في سوريا كانت تستخدم لتخزين وتجهيز أسلحة إيرانية.

وأكد المسؤول الأميركي أن وزير الخارجية السابق ناقش الغارة الجوية مع رئيس الموساد الإسرائيلي قبيل ساعات من وقوعها.

إعادة انتشار إيرانية

بعد الضربة الموجعة الناتجة عن الغارات الإسرائيلية، قامت القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها والميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بإعادة انتشار في مناطق واسعة في مدينة دير الزور، بالإضافة إلى مدينتي البوكمال والميادين، شرق المحافظة إلى الحدود مع العراق.

وأخلت بعض مواقعها على أطراف تلك المناطق، ونشرتها ضمن أحياء سكنية تحسباً لأي ضربات إسرائيلية جديدة قد تستهدفها.

وسبق لإيران أن قامت بإعادة انتشار واسعة بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني مطلع العام الماضي الذي شكل ضربة قاسية للنشاط الإيراني في سوريا.

وأجرت تغيرات على وجودها العسكري في نفس المنطقة، وشملت هذه التغيرات النقاط التي تتواجد فيها قوات من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والميليشيات الشيعية الوافدة من الخارج، حيث تم سحب هذه القوات والأسلحة من المستودعات التي كانت تستخدمها في البوكمال والميادين، ومن مطارات تتواجد فيها قوات إيرانية، أو يستخدمها حزب الله اللبناني، كما في مطار الحمدان في دير الزور والاستعاضة عنها بقوات محلية موالية لإيران، من تشكيلات الدفاع المحلي أو من عناصر الفرقة الرابعة.

تغلغل سرطاني في سوريا

لا يقتصر الوجود الإيراني في سوريا على الصعيد العسكري فقط، بل يتغلغل بمختلف تفاصيل المجتمع السوري، بما فيها عمليات التغيير الديمغرافي، ونسج شبكات علاقات اقتصادية ومذهبية، عمل الإيرانيون على إقامتها وتعزيزها منذ سنوات عديدة.

وعلى الصعيد العسكري، تتواجد قواعد عسكرية إيرانية في مناطق عديدة موزعة بين البوكمال وحولها وفي منطقة الـ “تي فور”، وتضم هذه القواعد مليشيات من حزب الله العراقي، وحزب الله اللبناني، إضافة إلى قوات من الحرس الثوري الإيراني.

كما تنتشر قوات إيرانية، وأخرى موالية لها، في محيط العاصمة دمشق بالقرب من بلدتي الكسوة والسيدة زينب، وفي مواقع عديدة بالمنطقة تمتد من القلمون إلى حلب، إضافة إلى وجود مليشيات إيرانية في الجنوب السوري.

رهانات.. مقابل رهان

راهنت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على إمكانية إشراك روسيا في سعيهما إلى الضغط على إيران لإنهاء وجودها في سورية، انطلاقاً من فرضية وجود خلافات وتباينات بين مصالح وأهداف كل من موسكو وطهران على الساحة السورية، حيث يسعى الساسة الروس إلى استثمار ما بذلوه من جهود عسكرية على الصعيد السياسي والاقتصادي، ويعتبرون التغلغل الإيراني في سورية عائقاً أمام مراهنتهم على تحقيق مكاسبهم الاقتصادية والسياسية، وبالتالي فهم معنيون بإنهاء الوجود الإيراني، أو إضعاف بالحد الأدنى، كي لا يشكل منافساً جوهرياً لهم في سوريا.

ولعل الصمت الروسي الدائم عن الغارات والهجمات الإسرائيلية المتكرّرة على المواقع الإيرانية في سوريا يذهب بهذا الاتجاه.

لكن ساسة موسكو, على ما يبدو، يريدون ثمناً أكبر مقابل التنسيق الفعّال مع واشنطن وتل أبيب لإخراج إيران من سورية، ويراهنون على التنسيق مع الإدارة الأميركية الجديدة لتحقيق هذا الثمن الأكبر، وفي مجالات متعددة.

ويبقى الرهان قائماً على إمكانية التفاهم بين هذه الأطراف لإيجاد دور روسي يلتقي مع المساعي الأميركية الهادفة إلى إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، أو تحجيمه بالحد الأدنى.

ورهان إيراني

أظهرت إيران خلال الفترة الماضية، انضباطاً حاسماً في عدم الانزلاق إلى مواجهة مع أميركا وإسرائيل على خلفية مقتل قاسم سليماني، واكتفت بالتهديد والوعيد، وبتحديد زمان ومكان الرد، وأبقت حسابها مع واشنطن مفتوحاً على احتمالات الرد في أماكن كثيرة، ودعت الأحزاب والمليشيات التابعة لها، أو تدور في فلكها إلى مثل هذا الانضباط.

ورأى محللون أن هذا الانضباط يعكس ضعفاً إيرانياً نتيجة العقوبات والأزمات الاقتصادية والمالية والصحية، لكنه كان رهاناً يؤكد رغبة  طهران بتمرير فترة بقاء الرئيس ترامب في البيت الأبيض.

وترقباً لما ستقرره الإدارة الأميركية الجديدة بشأن الملفات الإيرانية، ومنها التدخلات الإيرانية الإقليمية.

ومحاولة للضغط على الإدارة الجديدة لتغيير سياستها تجاه إيران، من خلال المناورات العسكرية الضخمة التي قامت بها مؤخراً، والتلويح خلالها، بإمكانية خوض معارك عبر الوكلاء، وإظهار أنواع الأسلحة المتطورة التي ستوضع بين أيدي هؤلاء، خصوصاً الطائرات المسيرة، التي أصبحت مؤخراً السلاح الأبرز في الحروب.

إلى ذلك ذهب المبعوث الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة عندما قال إن بلاده لا تتعجل في إصدار الأحكام على الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أبدى انفتاحه على العودة إلى الاتفاق النووي.

كما تحدثت الوكالة الرسمية الإيرانية عن ازدياد “التكهنات” حول عودة بايدن إلى الاتفاق النووي.

وإن تم ذلك سينعكس بطبيعة الحال على مختلف الملفات بين البلدين.

القوة العسكرية وحدها.. لا تكفي

بعكس ما ذكره وزير الدفاع الإسرائيلي عندما تحدث عن أهمية الهجمات الإسرائيلية الهادفة إلى إخراج إيران من سورية، وقوله إن إيران قد بدأت بالفعل الانسحاب منها.

فمن الواضح أن الهجمات الإسرائيلية، وإسنادها بالدعم الاستخباراتي الأميركي، لا يكفي وحده لإخراج إيران من سورية، ولا يكفي لإحداث تغير جوهري في موازين القوى داخلها.

وهذا ما دفع إدارة الرئيس الأميركي السابق إلى التنسيق مع تل أبيب للبحث عن استراتيجية جديدة لمواجهة إيران في سورية، وعن سبل دفع روسيا إلى أداء دور في هذه الاستراتيجية، الأمر الذي تفسره اتصالات نتنياهو المستمرة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وهذا ما يؤكد ضرورة العمل على قيام تحالفات محلية لمواجهة التغلغل الإيراني في الشمال السوري خاصة، وفي مختلف المناطق السورية بشكل عام.

ولعله يذهب في هذا الاتجاه، ما تحدثت عنه تقارير عديدة حول اجتماعات جرت بين قيادات من فصائل سورية معارضة برعاية الولايات المتحدة، بهدف مواجهة القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها، بعدما فشل الروس في إقناع الإيرانيين بسحب قواتهم من البادية السورية، وإحلال مليشيات مكونة من مسلحي العشائر والمصالحات والتسويات التي رعتها روسيا بدلاً منها.

ورفضت طهران أن تتولى روسيا الترويج لانسحاب إيراني في البادية السورية تحت إشرافها.

واستمر النظام الإيراني بمحاولات التمويه عبر عمليات إعادة انتشار قواته، والقيام بانسحابات محدودة، أو تبديل عناصر المليشيات بآخرين عبر العراق.

إخراج إيران من سورية

خلال النصف الثاني من العام الماضي برزت معطيات سياسية وعسكرية جديدة في الملف السوري، تناولت مواقف المتدخلين الدوليين، وخصوصاً مواقف كل من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، في ظل الخلاف المتصاعد بين أجندة النظامين، الروسي والإيراني، في سورية.

كما تناولت التفاؤل الحذر الذي أبداه مسؤولون أميركيون عن وجود “مرونة روسية” باتجاه الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، والكشف عن وجود تفاهمات معينة مع الروس، الأمر الذي يشير إلى سعي دولي لإبرام اتفاقات وصفقات حول البحث عن مخرج سياسي، في إطار توافقات على إحداث تغييرات في بنية النظام السوري، وتصعيد الضغط الأميركي والإسرائيلي على النظام الإيراني، لإنهاء وجوده العسكري الذي يشكل عقبة كبرى أمام البحث عن أي مخرج سياسي للأزمة السورية.

كل ذلك يسير باتجاه إضعاف التواجد الإيراني في سوريا، وربما يساهم بشكل أو بآخر، بإخراجه منها.

ولكن العامل الأكثر حسماً وأهمية في هذا المجال هو وجود تحالفات بين فصائل وقوى محلية معارضة للوجود الإيراني في سوريا، لمواجهة هذا الوجود، وتشكيل قوة رديفة للجهود الدولية الساعية إلى إخراجه منها، وإنهاء تبعاته الثقيلة على الوضع فيها.