تقرير/ أحمد الحمود
شهد إقليم شمال وشرق سوريا مؤخراً لقاءات وحوارات مكثفة حول مستقبل سوريا الجديدة، وذلك خلال المنتدى السوري للحوار الوطني، الذي نظمه مركز روج آفا للدراسات في مدينة الرقة بتاريخ 27 شباط 2025، وقد ضم المنتدى شخصيات سياسية وثقافية واجتماعية من مختلف المناطق السورية، حيث كان النقاش حول الدستور وشكل نظام الحكم الذي يريده السوريون، ودور التلاحم المجتمعي وشكل المؤتمر الوطني المأمول لحل القضايا، ودور المرأة في صياغة استراتيجية مستقبلية لسوريا، كما تطرق البعض إلى تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وإمكانية تعميمها كنموذج للحكم في سوريا الجديدة.
الإدارة الذاتية: نموذج اللامركزية والديمقراطية
في حديث خاص لصحيفتنا السوري مع الناشط السياسي فاتح جاموس من اللاذقية عن أسباب قدومه إلى شمال وشرق سوريا، أكد أن زيارته جاءت بهدف التعرف على تجربة الإدارة الذاتية عن قرب، خاصة بعد أن تم استبعادهم من مؤتمر الحوار الوطني في دمشق، وأوضح قائلاً: “كنا ننظر إلى هذه التجربة من منظور آخر، كما يروج البعض بأنهم انفصاليون، لكن خلال زيارتنا لهم أدركنا أن هذه التجربة تمثل مشروعاً وطنياً يجب أن يعمم سوريا، من أجل رسم دستور جديد يضمن حقوق جميع المواطنين دون إقصاء أو تهميش”.
وأضاف جاموس أن التغيرات التي حدثت في سوريا حتى الآن لم تكن جوهرية، بل اقتصرت على تغيير بعض الشخصيات فقط، بينما ما زال النموذج القديم للنظام السوري مسيطراً، مشيراً إلى أن هناك قوى، وعلى رأسها تركيا، تحاول إعادة إنتاج الأزمة الوطنية عبر استغلال العصبيات الدينية.
المرأة ودورها في سوريا المستقبل
من جانبها، تحدثت الدكتورة زبيدة قبلان من دمشق عن أسباب زيارتها لشمال وشرق سوريا، موضحة أنها جاءت بناءً على ما حدث في مؤتمر الحوار الوطني بدمشق، الذي لم يُدعَ إليه سوى شخصيات محددة، وقالت: “كان من الضروري أن نوصل رسالتنا بأننا شركاء في المجتمع والعملية السياسية وبناء الدولة”.
وأكدت قبلان أن الإدارة الذاتية ليست مشروعاً انفصالياً كما يُشاع، بل هي نموذج لإدارة شؤون المناطق المحلية ضمن سوريا موحدة، وأضافت: “نحن نطمح إلى دولة مدنية ديمقراطية علمانية، حيث لا يُلغى الدين ولكن يُفصل عن السياسة، وتكون الدولة لجميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو الطائفية”.
نحو سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية
أما رحاب إبراهيم من حمص، فأوضحت أن مشاركتها جاءت دعماً لمنطقة شمال وشرق سوريا التي تعرضت للإقصاء من مؤتمر الحوار الوطني بدمشق، مؤكدة أن هذا التهميش كان مقصوداً، وقالت: “هذه المنطقة جزء من سوريا ولا يمكن القبول بعدم إشراكها في أي حوار يحدد مستقبل البلاد”.
وأشارت رحاب إلى أن المنتدى كان فرصة مهمة لمناقشة القضايا الوطنية، لكنه لم يكن مُداراً بالشكل المطلوب، حيث استغرقت النقاشات حول توصيف النظام البعثي وقتاً طويلاً على حساب المحاور الأكثر أهمية مثل وضع مخرجات واضحة للحوار الوطني وتحديد آلية لصياغة الدستور.
وفيما يتعلق بدور المرأة في سوريا المستقبل، أكدت رحاب هناك مجلس المرأة السورية يعمل منذ سنوات على تمكين النساء للمشاركة في صناعة القرار السياسي، مشددة على ضرورة تمثيل المرأة في لجنة صياغة الدستور السوري، وأضافت: “المرأة كانت دائمًا في المقدمة خلال الحرب، ويجب أن تبقى كذلك في مرحلة إعادة البناء، لن نقبل أن يتم تهميش النساء بعد كل ما قدمنه”.
كما شددت على ضرورة الاعتراف بتضحيات قوات سوريا الديمقراطية في محاربة داعش، مؤكدة أن هذه القوات لم تدافع فقط عن شمال وشرق سوريا، بل عن سوريا بأكملها.
نحو مستقبل مشترك
في ختام حديثهم شددوا المتحدثون لصحيفة السوري، على أهمية الاستفادة من تجربة الإدارة الذاتية كنموذج يمكن البناء عليه لتحقيق اللامركزية الديمقراطية في سوريا المستقبل، ورأوا أن هذه التجربة تحتاج إلى تطوير، لكنها في الوقت ذاته تقدم رؤية مختلفة لحل الأزمة السورية بعيداً عن هيمنة النظام المركزي أو التقسيم.
وأكدوا أن سوريا الجديدة يجب أن تكون دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية، تضمن حقوق جميع مكوناتها، وتعزز مبدأ الشراكة في صنع القرار، بما يحقق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية.