لكل السوريين

محاضر جامعي يوضح بعض النصائح حول تعليم اللغة الأوجاريتية

تقرير/ ا ـ ن

لأوغاريت حكاية أصل ونسب ولحضارتها عرق ودم.. أبجديتها مازالت تبوح وتبوح ولن تخبو ما زال الدم السوري ينبض على أرضها.. فما زالت أبجدية أوغاريت صامدة تستنهض الشمس كل صباح وتلقي السلام على الأرض..

اللغة الأوجاريتية هي أبجدية متكاملة كانت السباقة لتسطير حروفها ولحنها دوماً على إعلاء الفكر والعقل والاستنارة.. قادت خطواتها إلى وجود لن يُمحى على مر التاريخ..

ولأهمية هذه الأبجدية وقيمتها ما زالت تنطق على لسان مريديها وأساتذتها وجدران آثارها، د. سراج اسكندر يقوم بتدريس هذه اللغة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في قسمي التاريخ واللغة العربية بجامعة تشرين وهو متخصص في اللغات القديمة لغات الوطن العربي القديم كما أنه يقوم بتدريسها في بعض الملتقيات الثقافية الهامة في مدينة اللاذقية كملتقى القنديل الثقافي.

ويقول الدكتور إسكندر “كان اسم أوغاريت أو مملكة أو جاريت معروفاً في المصادر القديمة المصرية والأكادية والكنعانية، لكن موقعها كان مجهولاً إلى أن ارتطم يوماً محراث فلاح سوري من بلدة رأس شمرا ببلاطة قبر ضرب يوصل إلى مقبرة وما إن علمت دائرة الآثار الفرنسية بالأمر حتى أعلنتها بقعة أثرية وباشرت فوراً بأعمال التنقيب في بداية عام 1929، وباستمرار الحفريات كشفت قبور وأوانٍ فخارية وتماثيل صغيرة وخلي عظام حيوانية، ثم ألواح عليها كتابات مسمارية هي نصوص رأس شمرا المكتوبة بلغات عدة ومن تلك اللغات (اللغة الأوجاريتية) التي تمكن الباحثون من فك رموزها الكتابية في عام 1930م”.

كانت أبجدية أوغاريت التي تحتوي على 30 رمزاً أو حرفاً كتابياً ثورة على الكتابات التي سبقتها كالكتابة التصويرية التي اعتمدها السومريون في بلاد الرافدين في كتابة وثائقهم.

والمصريون القدماء التي كانت بالنسبة لهم أساساً لكتابه لغتهم المصرية القديمة بخطهم المعروف بالهيروغليفية وكانت أيضاً تطوراً عظيماً على الكتابة المسمارية المقطعية التي تعتمد على عدد من المقاطع بعلاماتها يصل إلى ثمانية آلاف تقريباً التي كتب بها الأكاديون نصوصهم، فالكتابة الأوجاريتية المسمارية الألفبائية (الهجائية) اختزلت هذه الرموز والعلامات إلى 30 رمزاً فقط، فهذا ما سهل عملية الكتابة في جميع مجالات الحياة (السياسية، الاقتصادية، الدينية، والتعليمية)

ويكمل الدكتور إسكندر قائلا “تعد اللغة الأوجاريتية فرعاً من فروع اللغات الجذرية (اللغات السامية) التي تشمل عدد من اللغات (كالعربية والعبرية والفينيقية والآرامية والأكادية)، وعليه هنالك من الألفاظ عدد لا بأس مشترك بين اللغة الأوجاريتية وبقية اللغات الجزرية الأخرى، كالألفاظ الدالة على أفراد العائلة، وأعضاء الجسم، وأسماء بعض الحيوانات وغيرها من الألفاظ، فمثلاً كلمة (أب) في الأوجاريتية تقابل في العربية (أب) وفي العبرية والفينيقية والآرامية (أب) وفي الأكادية (أبو)”.

إن الأبجدية الأوجاريتية المسمارية قدمت للحضارة الإنسانية إنجازاً عظيماً وهو اختزال عدد العلاقات المسمارية المقطعية التي تقدر بالآلاف إلى 30 رمزاً أو حرفاً فقط, وعليه كان لها السبق الحضاري في موضوع اختزال العلامات الصوتية, ثم جاءت الأبجدية الفينيقية التي عملت على تطوير الكتابة, فالفينيقيون كانوا تجاراً يحبون البحار- فلا الكتابة التصويرية التي تعتمد على دقة الرسم والصبر من قبل الكاتب ولا الكتابة المسمارية التي بحاجة إلى معجنة من الطين وتجفيف هذا الطين بواسطة الأفران بعد الانتهاء من عملية الكتابة – كانت تنفعهم, لأنه كان يستميل أداؤها في السفن وعليه أدت هذه الظروف إلى اختراع الحرف الأبجدي في جبيل, ومنها انتقلت الأبجدية إلى أوروبا وغرب آسيا وجزء من أفريقية, وأصبحت أيسر الطرق للكتابة بصرياً بالحبر على الورق.

ويضيف الدكتور إسكندر موضحا “إن الأبجدية الأوجاريتية هي أبجدية صوتية ألف بائية (هجائية) وكذلك بالنسبة لحروف الهجاء العربية، ولكن عدد حروف الأبجدية الأوجاريتية 30 حرفاً, تشمل جميع حروف الأبجدية العربية باستثناء حرف الضاد الخاص باللغة العربية، وما يميز الأبجدية الأوجاريتية عن غيرها وجود ثلاثة أشكال للهمزة (الهمزة المفتوحة والهمزة المضمومة والهمزة المكسورة)، هذا بالإضافة إلى وجود شكلين كتابين لصوت السين، فالشكل الأول يشبه صوت السين العربية في نطقه, أما الشكل الثاني فيطلق عليه اسم السين الجانبية وما يميز الأبجدية الأوجاريتية المسمارية أنها تكتب حروف الكلمات من اليسار إلى اليمين وبحروف منفصلة لا متصلة بعكس العربية.

وليس بغريب أن يكون هناك ألفاظاً مشتركة ما بين اللغة الأوجاريتية واللهجة العامية في الساحل السوري لأن اللغة الأوجاريتية نبعت من هذه المنطقة وبقيت الكثير من الألفاظ الأوجاريتية على ألسنة أنباء هذه المنطقة إلى يومنا هذا, فمن هذه الألفاظ مثلاً: (ن ع)، يقابلها في اللهجة المحلية (عين) بمعنى انظر-(ت ب) يقابلها: (بت) بمعنى بنت ابنة- (ن ج د) يقابلها (دجن)- حيث يقول بعض الأجداد في الريف الساحل السوري ما دقت الدجن أي لم أذق خبزاً من قمح, و(الدجن) في الأوجاريتية هو القمح – (ي م) يقابلها (مي) بمعنى ماء – (ن د ع ب) يقابلها: (بعدين) أي يأتي لاحقاً أو ما وراء أو خلف الحدث وتأتي بمعنى تأجيل الأمر إلى زمن لاحق ففي الأوجاريتية تعني وراء أو خلف وهنا لابد أن ننوه أنه من مميزات الكتابة الأوجاريتية إهمال تدوين الأحرف أو الأصوات الصائتة (ما يقابل في العربية الحركات الإعرابية: الفتحة والضمة والكسرة ومع ما يقابل أيضاً حروف العلة: الألف والواو والياء).

الاسم الجغرافي قد لا يكون له معنى في اللغة العربية مثلاً ولكن نجد له معنى في اللغة السيريانية أو في اللغة الآرامية, وقد يكون اسماً أعجمياً دخيلاً (يوناني , فارسي, تركي) لا نجد له أثر في اللغات الشقيقة للغة العربية, ويسلط التاريخ والأحداث الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية الضوء على أسباب استخدام اسم ما دون آخر, فالاسم الجغرافي إذاً مرتبط بلغة البشر الذين كانوا يسكنون منطقة جغرافية ما وفي فترة زمنية معينة فقد يتبدل اسمها عبر التاريخ وقد تحافظ على اسمها الأصلي فمثلاً اسم (اللاذقية) هو إغريقي الأصل يعود إلى (لاوديكي) اسم (سلوقس) الأول الذي أنشأ هذه المدينة تكريماً لها، أما قرية (بشلاما) مثلاً (قرية من قرى مدينة اللاذقية تقع إلى الشرق من منطقة القرداحة, اسمها يتألف من مقطعين: بـ مختصر لكلمة (بيت) التي تعني (منزل, بيت, مكان) وهذا الاختصار هو ظاهرة آرامية مرت على الأرجح في البداية بمرحلة شفوية لفظت فيها كلمة بيت بشكل مختصر أي (بي…) بيت كذا مؤخراً بي كذا, ثم قلبت الياء ألفاً وأصبحت تكتب أيضاً بهذا الشكل (با كذا) ثم فيما بعد بـ كذا شلاما: ترد في السيريانية (شلاما) بمعنى: سلام, صحة وفي الأوجاريتية ترد أيضاً (م ل ش) بمعنى سلام, سليم ليصبح معنى الاسم كاملاً (بيت السلام , مكان الأمان) وكذلك قرية (بْشِلّي) قرية من قرى مدينة اللاذقية, هذا الاسم مؤلف من قسمين أيضاً بـ و: الذي يعني بيت في الأوجاريتية وبقية اللغات الشقيقة للغة العربية – شلي: ترد في الأوجاريتية كلمة (و ل ش) بمعنى استراح وعليه يكون معنى اسم هذه القرية مكان الهدوء والسكينة والارتياح وغيرها من أسماء القرى والمدن التي يرجع أصولها إلى اللغات القديمة ومنها اللغة الأوجاريتية والتي ليس بوسعنا أن نذكر جميعها في هذا الحوار.

ويضيف الدكتور إسكندر ملاحظة هامة جداً “بعض الباحثين يكتبون اسم أوجاريت بالغين لا بالجيم (أوغاريت) وهو خطأ شائع فيجب كتابة اسم الدولة: أوجاريت, واللغة: اللغة الأوجاريتية بالجيم لا بالغين لأن الحرف هو (ج) وهو يختلف عن نطق صوت حرف (غ) وذلك في الأبجديتين العربية والأجاريتية كليهما، لأن اسم أوجاريت المدون في النصوص المكتشفة ورد بالخط المسماري الأوجاريتي بحرف الجيم (ت, ج, أ) وبالخط المسماري الأكدي في أكثر من رقم بحرف الجيم (ri –uit-ga- ) فاسم المدينة (أوجاريت) أو (أجرت) مكون من أربعة رموز كتابية أوجاريتية هي الهمزة المضمومة والجيم (كالجيم القاهرية نطقاً) والراء والتاء.