لكل السوريين

إيران وماذا بعد؟

لم يكن مفاجئا ما حصل العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة فقد كان على رأس قائمة المطلوبين من العاملين في البرنامج النووي الإيراني لكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في خضم المواجهة المحتدمة بين الطرفين.

فقد كانت الولايات المتحدة وإسرائيل من الرافضين لدخول ايران النادي النووي الدولي بالنظر إلى خطورة ذلك على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط خاصة والأمن والاستقرار العالمي لما تشكله منظومة الحكم الإيراني ذات التوجه الراديكالي الساعية للتمدد والانتشار على حساب دول المنطقة من تهديد للسلم العالمي، وهذا ما اثبتته الممارسة السياسية الإيرانية على الأرض من خلال دعمها المتواصل لأذرعها العسكرية في لبنان، ممثلا بحزب الله والحوثيين في اليمن وميليشيا الحشد الشعبي  في العراق وفصائل مجلس الجهاد الإسلامي في غزة والميلشيات العاملة في سوريا.

إن تلك الممارسات المزعزعة للأمن والاستقرار والتي لم تتوقف واصرار النظام الحاكم في ايران على تطوير برامجه في مجال الطاقة النووية والصواريخ الباليستية جعل كل دول المنطقة تتويج من تلك التوجهات، وتجد فيها مبررا منطقيا لحالة الشك والريبة من صدقية المزاعم الإيرانية في الحفاظ على علاقات حسن الجوار مع دول المنطقة، وهذا الأمر دفعها إلى التوجه لحليفها الأكبر الولايات المتحدة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي من اجل البرنامج النووي الإيراني عبر اتفاق جرى التوقيع عليه الضمانات أمنية.

لكن الوقائع أثبتت أن إيران لم تلتزم به، بل استمرت بعمليات التطوير لبرامجها الصاروخية والنووية، بل قامت باستهداف المملكة العربية السعودية وتحديدا منشآت أرامكو بصواريخها عبر حليفها الحوثي في اليمن، وهذا الاستهداف كان مثار استنكار ورفض كل دول العالم عدا عن الاستهدافات المتكررة لمدن المملكة بالصواريخ والمسيرات المفخخة.

إن كل ما سبق يؤكد أن إيران لازالت تتهرب من واجبها في حفظ السلم والأمن الدوليين مستقوية بأذرعها العسكرية المنتشرة في كل المنطقة، ومثل هذا الموقف يستطيع حكما تدخلات الدول الأخرى القادرة لإجبار إيران على الوفاء بالتزاماتها، وهذا يفسر عملية اغتيال العالم النووي محسن زادة وقبلها قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.

والسؤال هو وماذا بعد؟ ماذا سيكون الرد الإيراني؟ وأين؟ وفي الواقع أن إيران تدرك اكثر من غيرها انها عاجزة عن الرد على ذلك أيا كان خصومها أمريكا أم إسرائيل، لان اي خطأ من هذا القبيل سيكون بداية النهاية لأحلامها ومشاريعها التوسعية في المنطقة، إضافة إلى حجم الخسائر والأضرار التي قد تلحق بها جراء أية مواجهة قد تحصل في حال قررت الرد والانتقام لعملية الاغتيال، بل ستكتفي ببعض الأفعال والعمليات البسيطة التي لا تعدو عن كونها جزءا من الهامش الذي قد تتيحه الولايات المتحدة لكي تحفظ ماء وجه السلطات الايرانية التي تعيش الآن في حالة صراع حقيقي بين المتشددين في الحكم الإيراني المطالبين بالانتقام دون إدراك منهم العواقب ذلك، وبالمقابل هناك تيار يسعى إلى تقبل تلك الصدمة والسعي الجاد من أجل فتح الملف النووي من جديد والعودة لصيغة جديدة من التفاهم والاتفاق حوله وربما يتم قبول ايران من جديد بعد.

إخضاعها لعملية تأهيل سياسي والتأكد من قبولها والتزامها بالعمل وفق قواعد لعبة السياسة الدولية التي تجري في كثير من مناطق النزاعات في العالم ومن بينها منطقة الشرق الأوسط، والأيام القادمة ستشهد ذلك بالتأكيد وحتى ذلك الحين ليس أمامنا سوى الانتظار.