لكل السوريين

في ظل غياب دولي مؤثر.. مؤتمر متعثر، ومبادرة لبنانية تدعمها موسكو

قوبلت المساعي الروسية المكثفة التي أدت إلى انعقاد مؤتمر للاجئين في دمشق الشهر الماضي، برفض معظم الدول الكبرى والمؤثرة في الشأن السوري حضور المؤتمر، واعتبرته بعض هذه الدول محاولة روسية لدعم النظام السوري، وإنقاذه من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها، وخداع المجتمع الدولي من خلال إيهامه بأن الظروف في سوريا آمنة، ومناسبة لعودة اللاجئين.

واعتبرت بعض الدول أن حضور المؤتمر في دمشق، يعني الاعتراف بالنظام بشكل أو بآخر، الأمر الذي ترفضه معظم هذه الدول.

وذهبت أوساط سياسية أوروبية إلى أن عقد المؤتمر سابق لأوانه، فالأسباب التي أجبرت السوريين على النزوح ما زالت قائمة، فالعمليات العسكرية والاعتقالات التعسفية، والأوضاع الاقتصادية المأساوية ما زالت موجودة في سوريا.

وتخوفت أوساط حقوقية من أن يشكل انعقاد هذا المؤتمر مزيداً من الضغوط على اللاجئين من قبل حكومات الدول المضيفة لهم، ودفعهم إلى العودة القسرية، وخاصة في الأردن ولبنان.

ورغم التحضير المسبق، والتنسيق خلال أسابيع قبل انعقاده، إلّا أن المؤتمر خرج بنتائج باهتة لا تقدم ولا تؤخر في ملف متشعب وشائك، كملف اللاجئين والنازحين السوريين.

مبادرة لبنانية

من البديهي أن يكون لبنان في مقدمة المهتمين بملف اللاجئين السوريين، نظراً لعددهم الكبير على أرضه، ومزاحمتهم للعمالة اللبنانية على فرص العمل، القليلة أصلاً، حسب وزارة العمل اللبنانية.

ولذلك عمل اللبنانيون، قبل مبادرتهم لاستضافة الجلسة الثانية للمؤتمر على الأراضي اللبنانية، على تحريك هذا الملف منذ وقت مبكر، وبشكل مستمر، حيث أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون عام 2017، عن قناعته بضرورة عودة اللاجئين إلى المناطق السورية التي تراجعت فيها حدة القتال “من باب تخفيف الأعباء عن لبنان”.

والتقى عون سفيري الإمارات ومصر والقائم بأعمال السفارة السعودية، في قصر بعبدا، وطلب تدخل بلادهم لمساعدة لبنان في تأمين عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وقال “يجب وضع حد للتداعيات التي يحدثها اللجوء في لبنان، اجتماعياً واقتصادياً وتربوياً وأمنياً”.

وفي تشرين الأول عام 2017، وجه وزير الخارجية اللبناني، رسالة للاجئين السوريين الموجودين في لبنان بأن أمامهم طريق واحد وهو العودة إلى سوريا.

وفي منتصف عام 2018 طالب الرئيس اللبناني، الولايات المتحدة الأمريكية بالمساعدة على تسهيل عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم.

وخلال لقائه مع السفيرة الأمريكية في لبنان، وعدد من النواب الأمريكيين، دعا عون لتقديم المساعدات اللازمة لبلاده من أجل إعادة السوريين، وأكد على أنه “يجب عدم انتظار الحل السياسي الشامل للأزمة السورية لمباشرة عودة اللاجئين”.

وجولات عونية لتحريك الملف

خلال جولته الأوروبية 2018 طلب الرئيس اللبناني من دول الاتحاد الأوروبي تمويل صندوق خاص بدعم عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بما يضمن الاستقرار الاجتماعي في لبنان.

وفي العام الماضي كان ملف اللاجئين السوريين في لبنان محور الزيارة التي قام بها عون إلى موسكو، وطلب من روسيا تقديم المساعدة للبنان من أجل تأمين عودة السوريين إلى بلدهم، وقال لرئيس مجلس الدوما “إن الاقتصاد اللبناني يواجه عواقب رهيبة بسبب أزمة اللجوء السوري”.

وبدوره اقترح رئيس مجلس الدوما الروسي، على الرئيس اللبناني عقد مؤتمر دولي في لبنان لمناقشة أزمة اللجوء السوري وتداعياته على المجتمعات المضيفة.

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت عن خطة لإعادة اللاجئين السوريين حول العالم إلى سوريا، وبناء عليه شجعت الحكومة اللبنانية على استضافة مؤتمر دولي لتنظيم عودة اللاجئين، ونسقت مع بيروت قبل وخلال المؤتمر الذي عقد في دمشق بهذا الشأن، وهو ما دفع رئيس الوفد اللبناني إلى اقترح عقد الجولة القادمة في بلاده.

وروسيا تؤيد المبادرة اللبنانية

سرعان ما أعلن مقر التنسيق الروسي السوري لعودة اللاجئين، تأيي

ده للمبادرة اللبنانية. وأكد رئيس المقر ميخائيل ميزينتسيف “دعم روسيا للمبادرة اللبنانية حول عقد مؤتمر دولي لعودة اللاجئين السوريين في لبنان”. 

وترى موسكو أن انعقاد النسخة الثانية من المؤتمر الأول الذي عقد في

دمشق، على الأراضي اللبنانية، خطوة مهمة باتجاه استمرار الجهود لإيجاد حلول لعودة السوريين من الخارج، وهذا ما دفع روسيا إلى سرعة تأييد مبادرة الجانب اللبناني التي سبق أن شجعت الحكومة اللبنانية عليها.

وكان وزير السياحة والمهجرين اللبناني، ورئيس الوفد اللبناني إلى المؤتمر، قد أعلن عن رغبة بلاده باستضافة جلسته الثانية على الأراضي اللبنانية.

ويتواجد في لبنان ما يقدر بنحو مليون ونصف لاجئ سوري، حسب الأرقام الرسمية، لكن المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يقل عددهم عن المليون.

وتعود دفعات محدودة منهم إلى سوريا، بين وقت وآخر بسبب تصاعد خطاب الكراهية ضدهم، والحملات الرسمية والشعبية التي تنادي بعودتهم، والتضييق المعيشي والأمني عليهم، كما حدث في بلدة بشري شمالي لبنان خلال الأيام الماضية، حيث قامت مجموعات من الشباب بطرد السوريين من المنطقة كرد فعل على جريمة قام بها شخص واحد وسلّم نفسه للسلطات المعنية، وأجبرت ردود الفعل نحو 270 عائلة سورية إلى إخلاء منازلها.

بدايات السعي لعقد المؤتمر

بدأت المساعي الروسية لعقد مؤتمر دولي خاص باللاجئين السوريين خلال قمة هلسنكي في تموز 2018، بين الرئيس الأمريكي، ونظيره الروسي حيث قدمت موسكو للولايات المتحدة الأمريكية اقتراح وضع خطة مشتركة لتنظيم عودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن، إلى بلادهم.

ودعت وزارة الدفاع الروسية إلى عقد “مؤتمر للاجئين السوريين” تحت رعاية روسية، لأول مرة في شهر أيلول من العام نفسه، ووصفت المؤتمر بالحدث التاريخي، وأكدت على ضرورة مشاركة الدول المعنية، والأمم المتحدة فيه.

ولم ينعقد المؤتمر آنذاك بسبب رفض الدول المعنية، وإصرارها على إنه لا يوجد حل لوضع اللاجئين السوريين قبل إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

وأعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، عن انعقاده في الشهر الماضي.

ومحاولات لاستقطاب الجوار

قام المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، بزيارة الأردن، في 27 من تشرين الأول الماضي، على رأس وفد روسي رفيع المستوى، للتباحث مع وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، بشأن التهيئة لعودة آمنة وطوعية للاجئين السوريين، والعمل على استمرار المجتمع الدولي بتوفير الدعم اللازم للدول المضيفة للاجئين.

وبعد يوم واحد قام الوفد بزيارة للعاصمة اللبنانية بيروت، والتقى رئيس الجمهورية اللبنانية للتشاور حول تأمين ظروف عودة اللاجئين إلى بلدهم، كون “الأراضي الخاضعة لسيطرة الدولة السورية أصبحت آمنة، مع التأكيد أن اللاجئين يريدون العودة إلى ديارهم”، حسب الوفد.

وخلال اللقاء أكد الرئيس اللبناني أنه يتطلع إلى “إيجاد حل سريع يحقق عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ولا سيما أن مناطق عدة في سوريا باتت مستقرة بعد انتهاء القتال فيها”.

وجدد موقفه الذي يكرره باستمرار أن لبنان لم يعد قادراً على تحمل المزيد من التداعيات السلبية لهذا اللجوء الذي كبّد لبنان خسائر تجاوزت أربعين مليار دولار أمريكي، وفق أرقام صندوق النقد الدولي.

وطالب عون بتقديم المساعدات الدولية التي تقدم للاجئين السوريين في سوريا، لأن ذلك “يشجعهم على العودة ويضمن استمرار مساعدتهم”، وأعرب عن أمله في “انعقاد مؤتمر جديد للبحث في قضية اللاجئين يمكن أن يساعد في إيجاد حل مناسب لهذه المسألة الإنسانية”.

وفي اليوم التالي، قام الوفد الروسي بزيارة دمشق، وناقش مع رئيس النظام السوري، التحديات التي تواجه المؤتمر ومحاولات إفشاله، وممارسة ضغوط دولية على دول راغبة بالمشاركة فيه.

عقد المؤتمر

عقد المؤتمر بدمشق في الحادي عشر من الشهر الماضي.، بدعم روسي، وحضور ممثلين عن عدة دول، بينها روسيا كرئيس مشارك فيه، إضافة إلى الصين وإيران ولبنان الإمارات وباكستان وسلطنة عمان، فيما شاركت الأمم المتحدة بصفة مراقب.

وناقش خلال جلساته الوضع الحالي في سورية، وظروف عودة المهجرين السوريين، وعوائق عودتهم، وملفات استعادة البنى التحتية، وإعادة إعمار البنية التحتية في سوريا.

ولكن النتائج التي تمخض عنها هذا المؤتمر لا قيمة لها، ولم يخرج بنتائج تذكر على الصعيد العملي، بسبب غياب الظروف الموضوعية لنجاحه، والارتجال في تحديد أهدافه، والحالة الاستعراضية التي سبقت، وواكبت انعقاده، إضافة إلى غياب معظم الدول المؤثرة في الشأن السوري عنه، وسعيها لإفشاله.

الاتحاد الأوروبي يرفض

وكان الاتحاد الأوروبي قد رفض حضور المؤتمر مع أن عدد من وزراء خارجية الدول الأعضاء فيه، والممثل الأعلى له، تلقوا دعوة لحضور هذا المؤتمر.

واعتبر الاتحاد أن المؤتمر سابق لأوانه، إذ يرى أن الأولوية في الوقت الحاضر هي اتخاذ إجراءات حقيقية لتهيئة الظروف الملائمة لعودة آمنة وطوعية وكريمة ومستدامة للاجئين والنازحين داخليًا إلى مناطقهم الأصلية.

وذكر الاتحاد أنه يجب أن يكون قرار عودة اللاجئين قراراً فردياً، وأكد على أن الظروف في سوريا غير صالحة، في الوقت الحالي، لتشجيع العودة الطوعية على نطاق واسع بظروف آمنة وكرامة تتماشى مع القانون الدولي.

وأضاف أن عمليات العودة المحدودة التي حدثت، توضح العديد من العقبات والتهديدات التي لا تزال تواجه عودة النازحين واللاجئين، ما تزال موجودة، وخاصة التجنيد الإجباري والاحتجاز العشوائي والاختفاء القسري والتمييز في الحصول على السكن والأرض والممتلكات، بالإضافة إلى ضعف الخدمات الأساسية أو عدم وجودها.

وواشنطن ترفض.. وتدعو للرفض

من جهتها دعت الولايات المتحدة إلى مقاطعة دولية للمؤتمر الروسي، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي الذي جرى عبر الإنترنت، في 27 من تشرين الأول الماضي.

وقال نائب سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، إنه “من غير المناسب تماماُ أن تشرف موسكو، التي تدعم الرئيس السوري، بشار الأسد، على عودة اللاجئين”.

وحذر ميلز من أن سوريا ليست مستعدة لعودة اللاجئين على نطاق واسع، وأن التدفق قد يتسبب في عدم الاستقرار.

وبدوره قال سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، نيكولاس دي ريفيرا، إن مفوضية اللاجئين ا

لتابعة للأمم المتحدة يجب أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة اللاجئين السوريين، وأضاف أن باريس “ستعارض أي محاولة لتسييس موضوع عودة اللاجئين”.

وصرح ريفيرا أمام مجلس الأمن بأن “شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين السوريين لم تتحقق بعد”، وأكد على أن عودة اللاجئين “لن تتم إلّا في حال حدوث العملية السياسية الموثوقة، ولا يمكن لأي مؤتمر أن يحقق ذلك”.

كما انضمت كندا إلى الدول الرافضة لحضور المؤتمر، وذكر حساب تابع لحكومتها في تغريدة عبر تويتر أن كندا لن تحضر مؤتمر اللاجئين الذي تستضيفه كل من روسيا وسوريا في دمشق.

وجاء في التغريدة أن كندا تدعم عودة اللاجئين الآمنة والطوعية والكريمة، وشروط هذه العودة غير موجودة في سوريا.

وبدوره دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، خلال زيارته لدمشق شهر تشرين الأول الماضي، إلى “جهد جاد وتعاوني لمعالجة العودة الآمنة والكريمة والمستنيرة والطوعية”.

تقرير/ لطفي توفيق