لكل السوريين

تطور الدساتير السورية 9

احتضنت الحضارة السورية الضاربة في القدم أولى الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية، حيث اكتشف علماء الآثار الكثير من القوانين المكتوبة في منطقة سوريا التاريخية، تعود إلى مراحل وحضارات تاريخية مختلفة، ويعود أقدمها إلى تاريخ 2360 قبل الميلاد، في مملكة ماري التي تأسست في الألف الثالث قبل الميلاد على ضفاف نهر الفرات في الجزيرة السورية.

ومع التطور الاجتماعي، عبر التاريخ المعاصر بقيت مركز التشريع والتقنين في محيطها الجغرافي رغم التقلبات السياسية والاجتماعية والانقلابات العسكرية التي عصفت بها.

ولعبت الأحزاب والقوى السياسية المستقلة دوراً بارزاً في تطور الدساتير السورية، وخاصة الكتلة الوطنية التي انقسمت فيما بعد إلى حزبين، حزب الشعب والحزب الوطني الذي استمر بالعمل إلى أن تم حل الأحزاب خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر، وعاد الحزب إلى العمل بعد الانفصال، وفاز بالأغلبية في انتخابات العام 1961.

حزب الشعب

انقسمت الكتلة الوطنية على نفسها عام 1947 نتيجة الصراعات المختلفة بين أقطابها، وأنشأت مجموعة من أعضائها السابقين، خاصة في حمص وحماة وحلب حزب الشعب، وهي الأطراف التي تدفعها مصالحها إلى إعلان الوحدة الاقتصادية مع العراق الأمر الذي كانت تعارضه الكتلة الوطنية، وتميل إلى الوحدة الاقتصادية مع الأردن ومصر.

وقد أيدت الطبقة المتنفذة اقتصادياً في حلب قيام الحزب، حيث كانت تعتقد أنه من غير الممكن النهوض باقتصاد سوريا بدون اقتصاد حلب، وربما محاولة غير مباشرة منها، لكسر هيمنة النخبة التجارية في دمشق على السياسة السورية والمصالح الاقتصادية فيها.

وأعلن المؤسسون رشدي الكيخيا وناظم القدسي ومصطفى برمدا، قيام الحزب عام 1948.

وحاز الحزب على دعم من آل الأتاسي في حمص، وكان عدنان الأتاسي ابن الرئيس السابق هاشم الأتاسي أحد القادة الرئيسين فيه، ولكن هاشم الأتاسي لم ينتسب للحزب، رغم أنه كان من المؤيدين له، وقد ساهم تأييد آل الأتاسي في انتشار شعبية الحزب في حمص لما لآل الأتاسي من شعبية بين سكان المدينة.

وفي انتخابات عام 1949، حصل الحزب على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان، وشكل حكومته الأولى، لكن انقلاب حسني الزعيم أطاح بهذه الحكومة بنفس العام.

وبعد انقلابه العسكري، قام أديب الشيشكلي باعتقال أغلب قيادي الحزب بمن فيهم ناظم القدسي ورشدي الكيخيا في الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1951، ووضع الرئيس هاشم الأتاسي قيد الإقامة الجبرية.

ثم استعاد الحزب نفوذه في البرلمان عام 1954، ولعب دوراً بارزاً في تشكيل جميع الحكومات السورية اللاحقة.

إلى أن اضطر لحل نفسه، أسوة بجميع الأحزاب السياسية في سوريا خلال الوحدة مع مصر.

لكنه عاد مجدداً إلى السلطة بعد الانفصال عام 1961، وانتخب رئيس الحزب ناظم القدسي رئيساً للجمهورية بعد فوز الحزب بالأغلبية البرلمانية في انتخابات عام 1961.

واستمر الحزب بقيادة البلاد حتى شهر آذار من العام 1963.